السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الفتاوى وثقافة المخابرات ....تميم منصور

 من الصعب أن تتوفر اللحمة والتعاضد والتعبير السياسي وحرية الفكر والانفتاح الاجتماعي داخل مجتمعاتنا العربية الواقعة بين سواحل المحيط وبوابات الخليج ، إلا بعد أن يتخلص هذا الشعب من كافة القوى الظلامية الحاقدة المتمثلة برؤوس السلفيين التكفيريين ، لأنهم يشوهون مناخ حياة المواطنين ، بسبب سموم الفتنة التي ينفثونها بين الحين والآخر ، وجميعها تصب في خانات التحريض الطائفي ، وإصدار الفتاوى الضلالية التعجيزية ، وآخر هذه الفتاوى السخيفة منع دخول المرأة إلى البحر لأنه مذكر وتحريم استعمال غسالات الملابس لأن الملابس لا تطهر ، وهذا يعني أنهم يريدون استعباد المرأة واستخدامها دون رحمة . لقد زرعوا بذور الكراهية والتفرقة بين المواطنين ، من خلال الفتاوى الشاذة ، منها الفتاوى الطائفية ، هذا سني وهذا شيعي ، وهذا مسيحي ، وهذا وهذا ، هذه اللعنة تلاحقنا منذ سنوات طويلة ، استعملها العثمانيون للهيمنة على الأقطار العربية والأقطار الاسلامية . تحت وطأة هذه النزعات الطائفية التي سادت المجتمعات العربية تحت الحكم العثماني ، نشبت حروب طائفية دامية ، طائفية وقبلية ، قاموا بتغذية الأطر والتجمعات القبلية والعشائرية العربية ، خاصة بين القبائل التي عرفت بالقيسية ، والقبائل التي عرفت باليمنية ، فمرة يناصرون قيس على يمن وبالعكس . بسبب هذه الحروب انتشر الفقر والجهل والتفرقة ، لدرجة أن المواطنين لم يدركوا خطورة الاستعمار العثماني ، لأن هذا الاستعمار كان يتستر بالدين ، حّول الدين الى سقف سياسي لشرعنة حكمه للولايات العربية كما اسماها سنوات طويلة ، عَمق جذور النعرات الطائفية ، كي يبقى مسيطراً. في ظل هذا التخلف والفوضى الاجتماعية والاحتراب الطبقي والطائفي والقبلي نمت وترعرت حركات اصولية أكثر تشدداً ، فكرها دامي لا تؤمن بالحوار او اي نوع من حرية الرأي ، في مقدمة هذه الحركات الحركة الوهابية والسنوسية وغيرها من الفرق الأصولية . بسبب ظهور مثل هذه الحركات تعثرت النهضة القومية وتراجعت الحضارة والتقدم ، فنشأت أجيالاً ضعيفة مهزومة مغلقة في تفكيرها وأذهانها . حدث بعض التغيير وبعض الانفتاح داخل المجتمعات العربية بعد أن ورث الاستعمار البريطاني والفرنسي ، الاحتلال العثماني للأقطار العربية ، فالاستعمار الجديد اختار سلاحاً آخر للتفريق والتجزئة ، اختار التقسيم الاقليمي ، تقسيم سوريا الكبرى إلى أربعة أقاليم ، هي سوريا – لبنان – الأردن – فلسطين ، حاول تقسيم سوريا إلى أربعة دويلات ، دويلة دمشق ، دويلة حلب ، دويلة جبل العلويين ، دويلة للدروز ، كما حاول تجزئة العراق إلى دويلات شيعة وسنة وأكراد وأشوريين ، ولولا وعي الشعب العراقي والشعب السوري ، لتجاوز عدد الدول العربية اليوم الثلاثين دولة . في عهد الاستقلال تراجع الى حد ما منسوب الاحتراب ، بالوتيرة التي كانت قائمة زمن الاحتلال العثماني خاصة ، باستثناء لبنان الذي عانى من هذه المصيبة ، والسبب أن لبنان المستقل اقيم على أسس طائفية ، لمنع تماسك شعبه ، رئيس الجمهورية مسيحي ماروني ، رئيس الوزراء مسلم سني ، رئيس البرلمان مسلم شيعي . تراجع المد الطائفي في مؤسسات الدول خلال حياتهم اليومية ، وقد اتضح ذلك في أماكن العمل والمعاهد التعليمية والقوى الأمنية وغيرها ، في كثير من الحالات كان الفضل يعود بإطفاء جذوة الاحتراب الطائفي الى الحكومات العسكرية التي سيطرت على الاقطار العربية ، لكن ظهور حركات اصولية جديدة عاد لتعكير صفو الحياة السياسية والاجتماعية في العديد من الاقطار العربية ، خاصة في مصر والسودان ، في مقدمة هذه الحركات الأصولية ، حركة الإخوان المسلمين . استطاعت هذه الحركة أن تمد جذورها من مصر الى السودان الى سوريا والاردن ، استطاع هذا الفكر الأصولي التكفيري أن يفرق لحمة المجتمع ، فزعزع الاستقرار الداخلي ، ووقف سداً منيعاً ضد كل تطور حضاري وانبعاث قومي وطني ، إلى درجة انهم تعاونوا مع الاستعمار البريطاني ضد الحركات والقوى القومية التقدمية ، كما حصل في مصر ، ونذكر منظرهم وهم يتبادلون التهاني عندما هزمت مصر وسوريا عام 1967 . كان همهم الوحيد التصدي للثورات الوطنية والقومية ، وبعد ان تعاونوا وحصلوا على الدعم من النظام الوهابي في السعودية ، تحالفوا مع السادات ودعموه عندما ارتد عن مبادىء ثورة يوليو الناصرية ، كان أول طلب لهم منه ، طرد الخبراء السوفيات من مصر ، والقاصي والداني يعرف ماذا قدم الاتحاد السوفياتي لمصر وللعديد من الاقطار العربية ، العراق سوريا ليبيا الجزائر السودان فلسطين من الدعم العسكري والاقتصادي . ان رياح السموم التي حملتها هذه الحركات الاصولية ، نجحت بتجاوز الحدود الفاصلة بين اسرائيل والاقطار العربية المجاورة ، خاصة من مصر والاردن والضفة الغربية وقطاع غزة ، وقد شجعت السلطات الاسرائيلية على مرور هذه الرياح ، لضرب اولاً الحزب الشيوعي هنا في الداخل الفلسطيني ، ولضرب القوى الوطنية والقومية المختلفة . نعم غزا هذا الفكر الأصولي الداخل الفلسطيني ، فوجد فراغاً اجتماعياً وجهلاً في أمور الدين ، مما أوقع المجتمع في متاهات زعزعت اللحمة الاجتماعية وفسخت خيوط الثقة والتعاضد التي كانت تميز مجتمعنا العربي في اسرائيل . من بين القضايا التي أشعلت النيران في مجتمعنا ، الفتاوى التي تمس أسس العلاقات بين الطوائف ، والتي تصدر عن رجال دين دون الاهتمام بوقع هذه الفتاوى على الحياة اليومية والنسيج الاجتماعي الحياتي . آخر الفتاوى – التحريضية – تحريم معايدة ابناء الطوائف المسيحية في أعيادهم ، لا نعرف كيف صدرت الفتوى من رجل دين هو يعلم حقيقة العلاقات في مجتمعنا ، جيران وأصدقاء واعمال وشراكة وطلاب مدارس .. الخ ، وما هو القصد من هذه الفتوى !!؟ لقد وجدت في الفتاوى تعرية نفسية وجهل هؤلاء . لأنهم لم يقرأوا التاريخ كي يعرفوا ويدرسوا دور المسيحيين العرب في رفع شأن هذه الأمة ، دورهم في زرع بذور اليقظة القومية خاصة في بلاد الشام ومصر ، إنهم بددوا الظلمات التي سببها العثمانيون ، ان آباء وأجداد الأئمة الذين طالبوا بتحريم معايدة الأخوة المسيحين ، تعلموا في المدارس والمعاهد التي أنشأها المسيحيون العرب في دمشق وبيروت والقدس وحيفا ويافا وغيرها ، لقد قرأوا في الكتب والصحف التي أصدرها اعلام المسيحيين العرب . عليهم مراجعة ما ذكره العلامة ساطع الحصري في كتابه " العروبة أولاً " اذ قال ان فكرة القومية العربية وفكرة اصدار الصحف وانشاء المدارس في الشام نشأت عن المفكرين المسيحيين ، قبل أن تنشأ بين المسلمين . نطالب قادة الحركة الاسلامية الشمالية والجنوبية شجب هذه الفتوى ، ونطالب أيضاً بلجم هؤلاء الذين يشوهون مجتمعنا بفتواهم وتصريحاتهم التي تكون غالباً نابعة من عقلية المخابرات .

2017-12-25