الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الدبلوماسية الانفعالية الأمريكية في التعامل مع الرئيس الفلسطيني...أحمد طه الغندور

 من الواضح أن الدبلوماسية الأمريكية باتت مؤخراً تأخذ شكلاً انفعالياً في التعامل مع الرئيس الفلسطيني " محمود عباس "، ويأتي ذلك نتيجة للرفض الفلسطيني لمبادرة الرئيس الأمريكي للسلام والتي لم يفصح عن فحواها بشكل صريح إلى الأن، ولكنها اشتهرت باسم " صفقة القرن "، ولكن من المتيقن أن هناك تهديداً ووعيداً للفلسطينيين إما بقبول الصفقة كما هي أو أنه سيتم تجاوزهم والذهاب إلى الحل الإقليمي بين الاحتلال وبعض الدول العربية لتنفيذ ما يريده ترامب. وجاء الرد الفلسطيني الواضح بعدم الرضوخ للتهديدات الأمريكية بشكل مباشر لفريق ترامب للسلام ـ كما يُسمى ـ أو بشكل غير مباشر عبر وسطاء الضغط العربي كولي العهد السعودي وغيره، ومن هنا بدأت الدبلوماسية الانفعالية الأمريكية تمارس ضد الرئيس الفلسطيني عبر العديد من الإعلانات والقرارات. ولقد اتخذت هذه الدبلوماسية صوراً متعددة؛ ولعل من أول صورها ما يتسم بالمراوغة والتردد من قبل الإدارة الأمريكية، وقد تجسد ذلك في عدم طرح الإدارة لصيغة محددة أمام الفلسطينيين فيما يخص المسيرة السلمية، وكذلك لم يكن هناك موقف صريح بشأن الإبقاء على مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ثم أخيراً نقل السفارة الأمريكية إلى القدس التي اتخذت منحاً خطيراً بإعلان ترامب القدس عاصمة للاحتلال، ومحاولة تخدير الفلسطينيين عبر وسطاء بألا تتسرعوا في الرفض لما سيعرض قريباً من قبل الإدارة الأمريكية.

أما الصورة أو المرحلة الثانية لهذه الدبلوماسية ـ وهي الأخطر ـ فتمثلت في إضافة لغة التهديد والوعيد للقيادة الفلسطينية مع الكثير من الممارسات السرية ـ التي لا ترقى إلى مستوى الممارسة الدبلوماسية ـ مع الاحتلال وأطراف عربية ودولية ضد القيادة والمصالح الفلسطينية، بل ويمكن القول ضد القضية الفلسطينية برمتها. ونجدها ماثلة فيما يجري من ممارسات وتفاهمات مع الاحتلال وأطراف في المنطقة حول القدس وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية، ومحاولات استبدال الرئيس الفلسطيني، والتي يتم الحديث عنها بنوع من الغطرسة الفجة؛ فنجد أن ترامب في حديثه مع ناتنياهو على هامش قمة دافوس قال بأن " مسألة القدس أصبحت خارج الطاولة ولن يتعامل معها، وأن على الفلسطينيين أن يأتوا للمفاوضات حتى تقف العقوبات بشأنهم، وأضاف أن الفلسطينيين لم يحترمونا حين رفضوا لقاء نائب الرئيس بينس، وأنهم يجب أن يحترمونا "، وذلك في إشارة لقضية وقف مساعدات الأونروا وقضية مكتب المنظمة في واشنطن. أضاف الى ذلك، ما ذكرته نيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن " إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أهان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لافتة إلى أن "عباس" رفض دور واشنطن في عملية السلام، وأن خطاب "عباس" الذي يغوص في نظريات "المؤامرة الشائنة"، ليس خطاب شخص يمتلك الشجاعة والرغبة في السلام ـ حسب قولها ـ وأن السلام الحقيقي يتطلب قادة لديهم الإرادة والمرونة بأن يمضوا قدما في عملية السلام ويعترفوا بالحقائق الصعبة ".

لا يمكن تفسير لهذه الممارسات وهذه الكلمات إلا بأن الولايات المتحدة الأمريكية باتت ترى الرئيس الفلسطيني خارج إطار الصورة للحل الذي تود أو ترغب في أن تفرضه على الفلسطينيين ودول الجوار العربي، حتى تتمكن من انهاء القضية الفلسطينية، بينما كانت تراه إلى وقت قريب أفضل الخيارات لإنجاز الصفقة. لذلك من المهم أن ندرك بأن هذه الدبلوماسية غير عقلانية وغير منتجة، بل إنها تضر بالمصالح الدولية وحتى مصالح الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، حتى أن هناك أشخاصاً ضمن المؤسسات الإسرائيلية يؤمنون بأن عليهم دفع ثمن ما نتيجة دبلوماسية ترامب لتمرير صفقته السياسية. وهنا أود التأكيد على كون هذه الدبلوماسية غير مجدية أو منتجة كونها لا تقوم على أي أساس واقعي يقنع أطراف المعادلة أو المجتمع الدولي، لذلك نحن نلمس بشكل يومي مدى التطور والدعم التي تحظى به قضيتنا الفلسطينية في المحافل الدولية، وداخل العديد من المجتمعات بما فيها المجتمع الأمريكي نفسه، ولعل ما أثاره السيد كيري وزير الخارجية الأمريكي السابق في حديثه مع السيد الرئيس بشأن الصمود في وجه ترامب خير دليل على ذلك. أخيراً، لا مندوحة عن القول بأن ترامب ربما نجح في تمرير الرعب إلى بعض الحكام في المنطقة خوفاً على عروشهم، بغض النظر عن مصالح دولهم وشعوبهم، ولكن الأمر لن يمضي بهذه الصورة في فلسطين مهما ساءت عليه الحالة ومهما طال الانقسام بفعل فاعل، ما دمنا نؤمن بعدالة قضيتنا ونسعى بكل إخلاص لتحقيق استقلالنا والوطني، وعلينا ألا نخجل من الحديث عن ديننا الحنيف في التعامل مع قضيتنا كما تفضل شيخ الأزهر، فأعداؤنا يربطونها بادعاءات دينية، فلا حرج علينا من الاطمئنان إلى ديننا الحنيف في ظل هذه الغطرسة المتبجحة، ونطمئن انفسنا وأمتنا العربية والإسلامية بأنه لن يضرنا هذا الصلف، وأنه لن يضرنا تهاوي بعض حكام المنطقة، ثقةً بما أخبر به رسولنا الكريم في الحديث الكريم حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس".

2018-01-27