الجمعة 14/10/1444 هـ الموافق 05/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
ملاحقة الأخيار....أحمد طه الغندور

 في الوقت الذي يسعى فيه شرفاء في هذا العالم أمثال عضو البرلمان النرويجي " بيونار موكسينس" إلى محاربة السياسات العنصرية للاحتلال الإسرائيلي وتقديم الدعم اللازم للفلسطينيين في نيل حقوقهم المشروعة، وذلك من خلال تقديم ترشيحاً رسمياً لحركة مقاطعة الاحتلال وسحب الاستثمارات منه وفرض العقوبات عليه، والمعروفة اختصاراً باسم (BDS) للحصول على جائزة نوبل للسلام، تثميناً لدور هذه الحركة في النضال السلمي والفعّال من أجل الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني. نجد في المقابل؛ أن الاحتلال يسعى لعقد مؤتمراً إسرائيلياً بمشاركة دولية، يهدف إلى ملاحقة ومحاكمة نشطاء الحركة العالمية للمقاطعة، ويأتي ذلك في الوقت الذي شرّعت في حكومة الاحتلال رزم من القوانين التي تجرم كل من يدعو للمقاطعة. ومن المتوقع أن يشارك في المؤتمر وزراء في حكومة الاحتلال ومنهم خاصة "ما يُسمي وزيرة القضاء أيليت شكيد، ورئيسة المحكمة العليا؛ إستير حيوت والمستشار القضائي للحكومة؛ أفيحاي مندلبليت". وحسب صحيفة "يسرائيل هيوم"، فإن المؤتمر سيعقد يوم الإثنين القادم، وقد بادرت إليه وزارة الشؤون الاستراتيجية ووزارة القضاء بالتعاون مع نقابة المحامين والمعهد القضائي الدولي، حيث رجحت أن يشارك بها مئات الشخصيات القانونية والسياسية من البلاد والعالم، فيما يوصف بأنها "حرب استراتيجية وسياسية يجب خوضها مثل أي حرب عسكرية". فلماذا هذا الحشد الغير مسبوق من قبل الاحتلال والجنوح إلى الحديث المباشر والفج عن " حرب استراتيجية " في أمر مدني له شواهده الإنسانية في كافة عواصم العالم المؤثرة إضافة إلى العديد من المؤسسات الدولية؟ لعل أصدق إجابة على هذا التساؤل قد صدرت عن رموز الاحتلال، فهم يرون أن هذه الحركة تعمل على نزع الشرعية عن كيانهم، وكما يبدو واضحاً للعيان أن الاحتلال بدأ يُعاني بشكل جدي من النجاحات التي تحققها حركة المقاطعة وخاصة على المستوى الدولي. فقد باتت بعض هذه النجاحات تأتي أُكلها وبصور متعددة؛ منها المقاطعة الأكاديمية والثقافية، مع هذا التطور الحادث في المقاطعة السياسية والاقتصادية. فها هو مجلس حقوق الإنسان ومن خلال تقرير أصدره المفوض العام يشير إلى أعداد الشركات العالمية التي تعمل في أو مع المستعمرات الاحتلالية الإسرائيلية الغير شرعية في الضفة الغربية، والبالغة 206 شركة وذلك كخطوة أولى ـ تسبق نشر أسماء هذه الشركات ـ التي لم تتم في هذه المرحلة نتيجة الضغط أو التهديد الأمريكي للمنظمة الدولية. وعلى الرغم من أن حركة المقاطعة تُعرف نفسها بأنها " حركة فلسطينية المنشأ عالمية الامتداد تسعى لمقاومة الاحتلال والاستعمار-الاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيلي، من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين وصولاً إلى حق تقرير المصير لكل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات. وأنها حركة مقاومة سلمية اشتمالية لا إقصائية مناهضة للعنصرية بكافة أشكالها بما في ذلك الصهيونية ومعاداة المجموعات الدينية والعرقية كافة ". فالغريب في الأمر أن تعتبر هذه الحركة بهذا الوصف السلمي الإنساني تهديداً، وأن يعتبر هذا النجاح على مختلف الصعد الأكاديمية والثقافية والاقتصادية والقانونية والأخلاقية، وخاصةً النجاح في الكشف عن وجه الحقيقي للاحتلال الحقيقي باعتباره نظام استعماري استيطاني واحتلال عسكري وفصل عنصري، أن يُعتبر أنه يُشكل تهديداً متصاعداً لوجود هذا الكيان؟! يمكن القول منطقياً؛ إن هذا من غير المقبول، فلا يمكن لمنصف أن يقبل وصف الحركة الإنسانية التي تعمل وفق المعايير والمواثيق الدولية الإنسانية، أنها " تهديداً " بأي شكل من الأشكال، ولكن هل يستسلم الاحتلال للمنطق أو حتى يقبل به؟ بالطبع لا، لن يستسلم الاحتلال ولن يقبل بهذا المنطق، فما العمل في هذه الحالة؟ إذن؛ مادامت حركة المقاطعة تُشكل إزعاجاً قوياً للاحتلال، ومادامت الحركة تتقدم من نجاحٍ إلى أخر، فلماذا لا نقدم الدعم المطلوب لهذه الحركة؟ ولماذا لا نعمل على نقلها إلى مستويات أعلى من الأداء؟ ولعل ذلك يبدأ بدراسة مخرجات المؤتمر الذي يدعو إليه الاحتلال في الأسبوع القادم، ومن ثم إقرار ما يلزم من استراتيجية أو سياسات جديدة لدعم حركة المقاطعة من أجل مزيد من الانهاك للاحتلال، ومزيد من الكشف عن وجهه العنصري والغير حضاري.

2018-02-07