الثلاثاء 11/10/1444 هـ الموافق 02/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الإسلام السياسي : ما يخفونه عنكم من حقائق 'حلقة 1' (مترجم)...كمال ازنيدر

عندما نطرح السؤال حول "من هم أشد أعداء الإسلام ؟" أو "من هم أكثر الناس إساءة للدين الإسلامي ؟"، أدمغتنا تذهب أوتوماتيكيا اتجاه الغرب أو بنو إسرائيل. لكن ! إن فتحنا القرآن الكريم وبحثنا عن الإجابة فيه، فسنجد أن أشد أعداء الإسلام وأكثر الناس إساءة للدين هم العرب وليس الغرب أو بنو إسرائيل.

الله سبحانه وتعالى يقول في ذكره الحكيم : "الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم" الآية 97 من سورة التوبة.

حينما نتمعن جيدا في تاريخنا الإسلامي، نجد أن أعظم الإساءات التي تعرض لها الإسلام كان أبطالها سلالات عربية لا أشخاص أو جماعات من الغرب أو بني إسرائيل... فلقد كانوا عربا من انقلبوا على حكم الإسلام ووضعوا حدا لزمن الخلافة الراشدة. ألغوا نظام الشورى وأحلوا محله نظاما ملكيا يتوارثه الأب عن الجد. هؤلاء العرب هم من أسسوا لفقه لا يحمل من الإسلام إلا الإسم، شوه الصورة الجميلة للدين بتحاريفه الدينية وقوانينه الحيوانية المستبيحة لأسوء العادات وأبشع الجرائم ضد الإنسانية.

الإسلام ألغى العبودية، وهؤلاء العرب إستحلوها من جديد. الإسلام ينهى عن محاربة الشعوب الكافرة التي لا تحارب المسلمين، وهم إستحلوا مهاجمتهم، إحتلوا أراضيهم، نهبوا خيراتهم، قتلوا رجالهم واستعبدوا نساءهم وصبيانهم. الإسلام جاء ليكرم المرأة وليمنحها حريتها وحقوقها، وهم أنتجوا فقها لا يحمل من الإسلام إلا الإسم أهان النساء بتحاريفه الدينية وحرمهن من حريتهن وحقوقهن مرة ثانية.

الله جل وعلا يقول في قرآنه الكريم : "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين" الآية 27 من سورة الإسراء. والحكام العرب الذين يدعون بأنهم "أمراء المؤمنين" يبذرون ما لا يبذره حكام الغرب أو حكام بنو إسرائيل. يغتنون بتفقير وتجويع شعوبهم. يبنون القصور ويشترون السيارات والمراكب البحرية والمروحيات ويتركون شعوبهم بدون مأوى ولا مدارس ولا مستشفيات... عوض أن يساهموا في بناء ورقي عالمهم، يتسببون بتبذيرهم هذا في خلق أزمات إقتصادية واجتماعية تجبر العديد من مواطنيهم على امتهان الدعارة أو الاتجار في المخدرات لإنقاذ أنفسهم وأهاليهم من التشرد والهلاك.

إذا ما مواطن ثار في وجههم وندد بظلمهم وجورهم أو شكك في إسلامية فكرهم وسياساتهم، إعتقلوه وأذاقوه أشد العذاب لكي لا يفكر في الثورة عليهم مرة ثانية. وإن رفض الخضوع لجبروتهم وأصر على إنتقادهم، فقد يصل بهم الحد إلى حد اتهامه بالردة أو بالمساس بالمقدسات ليحلوا تصفيته ويخمدوا صوته بصفة نهائية.

كل هذا يمارسونه بإسم الإسلام. كل هذا الظلم وكل هذا الفساد يتم استحلاله بإسم الدين. هذا ما يجعل الآخر ينظر لهاته الفظائع وكأنها جزء لا يتجزأ من الإسلام. هذا ما يجعل الآخر ينفر من هذا الدين... عوض أن يحبه ويدافع عنه، يكرهه ويحاربه بكتاباته أو رسوماته وبقية أعماله الفنية. هذا أيضا ما يؤدي إلى إرتداد العديد من أبناء المسلمين عن دين آباءهم وأجدادهم.

الاعتقاد بأن كل من يحاربون الإسلام وكل من ارتدوا عنه، يحاربونه أو ارتدوا عنه بسبب رغبتهم في شرب الخمر والتعاطي للمخدرات وممارسة الجنس خارج إطار الزواج ولعب القمار، إلى آخره، أمر خاطئ. فالعديد ممن ارتدوا عن الإسلام والعديد ممن يحاربونه اليوم، لا علاقة لهم بممارسة هاته المحرمات. ردتهم ومعاداتهم للإسلام لها علاقة بالخلط الحاصل بين الإسلام الحقيقي وإسلام الدولة. إعتقادهم بأن ما يقوم به أمراء المؤمنين وبقية الإسلاميين من ظلم وإجرام هو الدين الإسلامي، هو سبب محاربتهم للإسلام وارتداد العديد عن هذا الدين واعتناقهم لأديان أو معتقدات أخرى.

فحقا أي إله هذا يأمر بقتل المرتد وحرق المثليين وإخضاع الشعوب الغير مسلمة بالقوة واحتلال أراضيهم، سلب ممتلكاتهم، قتل رجالهم واستعباد نساءهم وأطفالهم ؟! و أي دين هذا يأمر بالجبن والرضا بالذل والظلم ؟! أي دين هذا يأمر معتنقيه بتقبل الديكتاتورية والصمت أمام جرائمها ضد الإنسانية وعدم معارضة حكامها ؟! أي دين هذا يتعامل بسياسة "عفا الله عما سلف" مع كبار المجرمين ويعاقب ضحاياهم ؟! هذا الدين، يستحيل أن يكون نتاج إله. واضح جدا أنه نتاج لوبيات الإجرام التي استغلت الدين وحرفت معانيه لخداع البشرية والاستيلاء على خيرات العالم.

هذا المسخ، يجب علينا محاربته بكل ما نمتلكه من الوسائل. علينا إقباره لكي نعيد للإسلام صورته الجميلة وسمعته الطيبة، ولكي يضيء نوره مجتمعاتنا وعالمنا مرة ثانية.

إن حاربنا هذا المسخ وبرأنا الإسلام منه ومن جرائمه وعاداته الجاهلية، إن صرخنا بأعلى صوتنا بأن نبينا لم يتزوج يوما فتاة عمرها ست سنوات ولم يأمر يوما بقتل المرتد وإكراه الكافر على الإسلام كما أنه لم يأمر بعقاب من أهانوه وضربوه بل سامحهم ودعا لهم بالمغفرة، فسنكون قد قدمنا أعظم الخدمات لديننا... أما إذا تخاذلنا في لعب دورنا، صمتنا عن هذا المسخ أو دافعنا عنه فنكون قد أسأنا لديننا ولنبينا وساهمنا في إضلال الشعوب الكافرة وارتداد المزيد منا بتكريس نظرتهم الخاطئة عن إسلامنا ومقدساتنا.

كمال ازنيدر

(*) كاتب مغربي فرنكوفوني. مؤلف كتابي "الإسلام، أجمل ديانة في العالم" (2014) و "الإسلام السياسي، الإرهاب والسلطوية... صلة حقيقية أم وهمية" (2017).

2018-03-13