الثلاثاء 14/10/1445 هـ الموافق 23/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
من عصر الانحطاط الى عصر الظلمات ....تميم منصور

  أثناء مرورنا العلمي وقراءتنا عن عصر الانحطاط الذي ظهر بحياة العرب السياسية خلال العصور الوسطى ، خاصة بعد سقوط الامبراطورية العباسية عام 1258م ، كانت مشاعرنا تنتفض من شدة التأثر ، إلى درجة الشعور بالحزن والاحباط ، انحطاط سياسي واجتماعي وثقافي ، هل يعقل بعد هذا الازدهار والسبق العلمي في بغداد والقاهرة وقرطبة ودمشق يكون هذ التردي الى القاع ؟؟ التساؤلات تلاحق بعضها ، لماذا ؟

أين الشعوب العربية ؟

هل جاءت الى المدن المذكورة شعوب أخرى ؟

التساؤلات تتوالى : لماذا لا تتمرد الشعوب على الامراء وشيوخ الفتن المتشدقين الذين صنعوا ديانات جانبية ، تحولت بعد ذلك إلى طوائف ، سنة شيعية ، خوارج ، جبرية ، قدرية ، معتزلة ، أشعرية ، صوفية ، وغيرها من الطوائف ، كان السؤال الأكثر قساوة : كيف يمكن لإمراء أو حكام عرب القيام بدعم الفرنجة والمغول لاحتلال الأراضي العربية ؟

في الاندلس هناك امراء عرب مسلمون قدموا الدعم للقوى المعادية لاستمرار الوجود العربي ، بعد أن دام هذا الوجود ثمانية قرون ،في المشرق العربي ، ساند العديد من الامراء العرب الصليبيين للبقاء في المناطق التي احتلوها، وقدموا لهم الدعم لاحتلال مصر كما فعل " شاور " ، واحتلال دمشق كما فعل الأمير " فخر الدين " نكاية بشقيقه " علاء الدين" .

اعتبرنا هذه الاحداث عابرة ، وبأن عصر الانحطاط الذي مر به العرب عابراً ، ولم ولن يتكرر ، خاصة بعد ان مرت الاقطار العربية بتحولات هامة ، وحصلت في النهاية على استقلالها من بداية أواسط الاربعينات من القرن الماضي ، حتى سنة 1970 ، آمن الكثيرون أن الانقسام الجيوسياسي الذي خطط له المستعمرون سوف يكون قفزة لإصلاح هذا الغبن ، نعم ولى عصر الانحطاط وحل محله عصر الاستقلال ، لكن سرعان ما تبدد هذا الحلم ، لأن الاستقلال تحول من احتلال الدول الامبريالية الى احتلال حكام واسر مالكة تمثل الاستعمار الجديد بكل جوانبه .

نعترف بأن العرب في اقطارهم يعيشون في عصر يفوق عصر الانحطاط ، أنه عصر " الظلمات " السياسية والاجتماعية ، هذا العصر يخدم الحكام ويقهر ويحطم الشعوب منذ عهد الاستقلال حتى اليوم ، لا تزال الشعوب العربية مقهورة ، محاصرة ، ثرواتها منهوبة ، فكرها مصادر ، حريتها محاصرة ، تطورها لا يفي باحتياجاتها الحياتية ، 22 دولة عربية عاجزة عن صنع جهاز حاسوب واحد ، أرادها الاستعمار ان تبقى قوة استهلاكية لمنتوجاته وأسلحته ، فكان له ما أراد .

غالبية الأقطار العربية واقعة تحت سيطرة حكام مستبدون ، حكمهم وراثي أو رئاسي أبدي ، هذه الأنظمة ملتزمة بما خططته الصهيونية وأمريكا وبريطانيا أن توجه حرابها الى بعضها البعض ، أو الى شعوبها ، المغرب غارق في الفساد وفي حالة نزاع وصراع مع الجزائر ومع موريتانيا ، ومع جمهورية الصحراء ، أما الجزائر فإن استمرار رئيسها في السلطة اصبح عاراً على كل مواطن جزائري ، لأنه رئيس عاجز لا يقوى على السير ، مع ذلك يرفض التنازل عن شهوة السلطة ، كما فعل الرئيس التونسي بورقيبة .

ليبيا حولها الحكام العرب الى " لوابي " وكل واحدة من هذه " اللوابي " لها عاصمتها ، وميليشيا خاصة بها ، والسودان رئيس هذا البلد " البشير" مضى على حكمه ربع قرن ، أعاد الاوضاع في بلاده الى الوراء عشرات السنين ، لم يكتف بالحروب الاهلية التي أثارها في بلاده ، بل أصر تحت طائلة الدين تحويل جيشه الى مرتزقة يقاتلون الشعب اليمني ، مقابل فتات من أموال السعودية ، وفي الايام الاخيرة اراد البشير ان يثبت ولاءه للعصابات التكفيرية ، فقد صرح بأن في مقدوره احتلال دمشق ، لو وافقت السعودية على ذلك. هل هناك ظلمة عربية سياسية أكثر سواداً من هذه الظلمة ، الشعب في السودان في حالة غياب ، كالشعب المغربي والمصري وبقية الأقطار العربية ، الشعوب في هذه الدول تركض الى الوراء ، هاربة من الجوع والفقر ، ليس لديها وقت كي تتذكر حكامها ، وماذا يفعلون بها ! الدين الذي ينادي به الأزهر في مصر والبشير في السودان ، أدى الى هجرة مئات الألوف من الشباب اما الى اسرائيل ، أو عبر البحار ، في هذا الهروب يطبقون المثل الذي يقول " من الدلف لتحت المزراب " .

أما مصر نبض العرب السابق ، فهي غارقة حتى أذنيها في غياهب الظلمات ، ظلمتها أكثر سواداً بفضل وجود الحاكم بأمر أمريكا والسعودية واسرائيل ، الطاغية السيسي فيها نجح في سرقة ثورتين متتاليتين ، أنه حاكم مزاجي وهذا يزيد من خطورة استمراره في السلطة ، انه يتخبط ، صادر كافة الحريات ، الصحافة والاحزاب وطلاب الجامعات وعمال المصانع والنقابات ، جميعهم محاصرون ، والكل يتساءل كيف لا زال يسيطر على شعب تعداده 90 مليون نسمة ، لولا أن هذا الشعب في حالة غياب .

زعيم يتنفس من رئة الاستجابة لمطالب اسرائيل وامريكا والسعودية ، اسرائيل لا تريد منه سوى قمع الذين يرفضون التطبيع والاستمرار في حصار غزة والتنسيق الأمني ، امريكا والسعودية يريدان الابتعاد عن محور المقاومة ، وعدم اعادة العلاقات مع سوريا ودعم العدوان على اليمن ، من داخل الظلمات التي تحاصر الشعب المصري استطاع السيسي ان ينسج مسرحية هزيلة ، اسمها انتخابات الرئاسة ، كي يستمر في مخططه الاستبدادي استغل كون الشعب المصري في عزلة عن نفسه وعن حكامه ، لا يفكر سوى بمآسيه ، وكيف سيواجه طوابير الخبز والغاز والحصول على المياه النقية للشرب . عصر الظلمات الذي تعيشه مصر اليوم فريد من نوعه ، لم تشهد مثله من قبل سوى زمن الاحتلال البريطاني .

أما حكام السعودية ومشيخات " القراد " التي تلتصق بها كي تساعدها على الاستمرار في امتصاص دماء شعوبها ، السعودية لا يؤمن حكامها من بني عنيزة بشيء اسمه شعب ، الشعب بالنسبة لهم هو الخنوع وطاعة أولى الأمر ، ليس من حقه ان يعرف وأن يسأل أو يحتج ، كل ما يهم حكامها أن تسوق المواطنين الى المساجد للصلاة ، كي ينالوا قسطهم من تخدير الأئمة . أصبح الحديث عن السعودية وحكامها فيه نوع من الخجل ، لأن عقلية حكامها وخضوع شعبها لا يناسبان هذا العصر ، انهم أداة امريكية ، معادية لكل أنواع الحريات ولأي نوع من المساواة ومقدرات المملكة تذهب لإشباع نفوذهم وملذاتهم، وليس الى الشعب الغارق أكثره في الفقر .

ان عزاءنا بأن الظلم والظلمة والظلمات عاجلاً أم آجلاً سوف تنقشع لأن هذه هي حتمية التاريخ ، واذا الاجيال الحالية العربية لم تحظ بهذا الانقشاع ، فان اجيالاً أخرى سوف تحظى بشروق شموس كثيرة تبدد سحب هذه الظلمات ، كما بددتها في أوروبا والعديد من دول آسيا وأمريكا اللاتينية ، لقد انتصر الشعب الياباني على طغيان الامبراطور ، وانتصر الشعب الصيني بفضل الاشتراكية على الاقطاعيين وانتصرت الشعوب في فنزويلا وكوبا وغيرها على طغيانها .

2018-04-09