السبت 15/10/1444 هـ الموافق 06/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
بدأت بمزحة وانتهت بفعاليات جابت الأردن.. 'النشميات' يتألّقن بقيادة الأمير علي بن الحسين

بدأ الأمر برمته مزحة، فبعد رحلة تسلق جبلية استغرقت 5 ساعات، وبعد 90 دقيقة من لعب كرة قدم في أجواء المرتفعات الشاهقة قليلة الأكسجين، جلست لاعبات Equal Playing Field لنيل قسط من الراحة، فقد حقَّقن لتوهن رقماً عالمياً قياسياً، بلعب مبارة على أعلى ارتفاع 5714 متراً فوق سطح البحر، وفي فوهة بركان قمة جبل كيليمنجارو.

لكن لِمَ كل هذا؟ هو من أجل تسليط الضوء على قضية عدم المساواة بين الجنسين، بغية إبراز قوة النساء وطموحهن وجدارتهن بالفرص المتساوية.

وسط فرحتهن الغامرة بإنجاز رحلتهن الملحمية، مازحت اللاعبات بعضهن بعضاً عن كيف ستكون المرحلة التالية من رحلتهن، وتندَّرن: ها قد حققنا رقم أعلى ارتفاع، فلم لا نحقق لرقم أكثر الأماكن انخفاضاً كذلك؟

من مزحة إلى خطة في الأردن

لعل المزحة كانت ستظل مزحة وحسب، لولا وجود شابتيْن أردنيتين في أوساطهن، حيث وطنهن الأردن يستضيف كأس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم للنساء.

بدأت المزحة تتحول إلى خطة، فشاطئ البحر الميت الواقع على منخفض 420 متراً تحت سطح البحر هو أكثر الأماكن انخفاضاً على سطح الأرض.

بعد عام واحد، وبالتعاون مع الأمير علي بن الحسين، نائب رئيس الفيفا والمنافس السابق لسيب بلاتر على رئاستها، انطلقت فعاليات Jordan Quest التي جابت فيها فرق Equal Playing Field لكرة القدم طول البلاد وعرضها، متنقلات بين الأرياف والمدن والبتراء الساحرة.

وأقمن معسكرات للعب كرة القدم هناك، قبل المضي لتحقيق رقمهنّ القياسي العالمي الثاني، بلعب مباراة في الأسبوع الأول لأبريل/نيسان 2018 على أرض ملعب بُني خصيصاً لهن في منطقة غور الصافي الفقيرة.

كسر الحواجز

الأردنيتان حنين خطيب وياسمين شابسوغ اللتان تلعبان في فريق Equal Playing Field تران أن هذا المجهود يرمي إلى تغيير السلوكيات النمطية، وكسر الحواجز التي لطالما حالت دون لعبهما لكرة القدم.

وتقول شابسوغ "بدأت لعب كرة القدم من سن مبكرة جدا، وأنا الفتاة الوحيدة في عائلتي كلها، فليس لدي سوى أخ واحد و3 أبناء عم، لذلك كلما اجتمعنا نذهب للعب كرة القدم، وهكذا بدأت".

في حين أن خطيب بدأت بعمر الـ11، حيث قالت "بدأت اللعب في الشارع. كنت البنت الوحيدة التي تلعب فيه، ثم سنحت لي الفرصة كي أنضم إلى مركز محلي بعمر الـ11″.

بعد ذلك تقاطعت طرق الفتاتين والتقتا حينما انضمت خطيب إلى نادي عمّان الذي كانت شابسوغ تلعب فيه، وهناك ثابرتا في مباريات فرق الشبيبة الوطنية، حتى باتتا تلعبان في فرق الكبار.

رحلتهما كانت شاقة، لكن نقطة التحول بالنسبة لهما كانت باستضافة كأس العالم للنساء دون سن الـ17، عام 2016، التي حضر مباراتها الافتتاحية أكثر من 14 ألف متفرج، والتي شاركت الفتاتان في تنظيمها.

تقول شابسوغ "عندما بدأت لعب كرة القدم كان من الصعب اللعب على الفتيات. لقد واجهتنا تحديات كثيرة، ولكن مع مرور السنوات والأعوام برهنّا للجميع أن بإمكان الفتيات لعب كرة القدم، وها نحن نثبت للعالم وللأردن أننا فعلاً ماهرات ونستحق الاحترام والدعم".

المرة الأولى في التاريخ

يطمح الأردن المصنف رقم 51 عالمياً إلى التأهل إلى كأس العالم للنساء عام 2019، الذي سيقام في فرنسا.

تقول شابسوغ "لقد عملنا بجد وتمرنا كثيراً جداً ولدينا فرصة جيدة. إن تأهلنا فستكون المرة الأولى في التاريخ التي يتأهل بها الأردن إلى كأس العالم. سنبذل ما بوسعنا لكننا نأمل حقاً أن ننجح".

مع ذلك قد تكون فرصهن تقلَّصت بخسارة مفاجئة لهن في افتتاح مباريات كأس آسيا أمام الفلبين، المصنفة بعد الأردن بـ21 مرتبة، وأمام قُرابة 10 آلاف مشجع.

بالنسبة لخطيب وشابسوغ ولـEqual Playing Field الذي هو في أساسه مجموعة لاعبات جمعهن الفكر نفسه ورغبتهن في تحسين الأمور، فإن مسابقة Jordan Quest هي أكثر من مجرد تظاهرة عامة دعائية أو زيارة خاطفة، فهن سيتابعن مسيرتهن ويستفدن من الضجة الإعلامية التي رافقت الحملة حتى بعد مغادرة لاعبات Equal Playing Field للأردن.

كما إن الملعب الذي خصص للعب المباراة التي سجلت رقماً قياسياً هو الملعب الوحيد في جنوب الغور، ما وفر للأطفال هناك مكاناً يلعبون فيه بدلاً من الشوارع وعلى الأحجار.

تقول خطيب "عملنا بجد على مدار الأشهر الـ3 الأخيرة لهذا الغرض، فبعد كيليمينجارو كان لنا لقاء بالأمير علي، الذي حصل على الموافقة من أجل مسابقة Jordan Quest التي كانت التحدي الثاني لفريق Equal Playing Field.

وتتابع "في معسكرنا الأول توقعنا 400 إلى 500 فتاة، لكننا حصلنا على 600. ليست المجتمعات التي تزورها مجتمعات مدن، لذا هي بيئة أكثر صعوبة، فالناس فيها لم يألفوا رؤية البنات يمارسن الرياضة أو يمارسن أي شيء، إلا الذهاب للمدرسة.

نمط حياة

معظم الفتيات لا يردن ممارسة الحركة ناهيك عن الرياضة، لذا هدف المبادرة منحهنّ فرصة لمشاهدة الرياضة وتجربتها، وقد تغيّرن عندما دخلن الملعب وأحبوها".

تعبر شابسوغ عن حماستها لإمكانية توسيع آفاق البنات وما قد ينتج عنه، فتقول "بعد تلك المعسكرات عادت الفتيات سعيدات إلى بيوتهن، وأخبرن آبائهن وأمهاتهن أنهن استمتعن، وقابلن لاعبات من شتى أنحاء العالم، وأنهن يردن المضي في لعب كرة القدم. هكذا يمكننا تغيير المجتمع عبر تغيير الفتيات الصغيرات، لأنهن الجيل القادم".

وتتابع بالقول "إن كرة القدم ليست مجرد لعبة، بل نمط حياة تستخدمها في حياتك. تستخدمها عندما تلعب وتكسب بها أصدقاء جدداً، وتبني المزيد من الثقة في نفسك، ولهذا فهي ليست مجرد لعبة، بل هي بناء للذات وللحياة".

وقد نظمت مباراة سجلت رقماً قياسياً عالمياً في جمعها لاعبات من أكثر من 20 دولة، وقد انتهت بانتصار فريق Black Irises على White Tigers بنتيجة 4-2.

2018-04-13