الثلاثاء 11/10/1444 هـ الموافق 02/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
عذراً من أقدام الشهداء ....شوقية عروق منصور

  بصراحة اهتمامي بلعبة كرة القدم لا يتعدى الاهتمام بمعرفة الفريق واللاعبين وتصريحاتهم وسلوكهم اتجاه القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني ..!

وهل يصرحون تصريحات مسيئة للعرب ..! وهل يدعمون الصهيونية في جميع صورها وأشكالها حتى في قتلها وحصارها ..! وهل وقت اللحظات الإنسانية نجدهم يقفون ويجندون الأموال ويسافرون ويحضنون ويكونون فعلاً سفراء الإنسانية .

وهذا أيضاً ينطبق على الفن والفنانين والممثلين والمطربين وغيرهم ، هذا أنا.. وهناك من يناقشونني في قضية الابداع والفن وجوائز الاوسكار وتصفيق الجماهير والرفع على الاكتاف وحصد المليارات ، لكن لا أستطيع فصل قضية شعبي ومعاناته عن ابداع الفنان ، لأن الإنسانية لا تتجزأ ، والمبدع تقع على عاتقه مهمة رفع منسوب الإنسانية ، لأنه يتحرك في أعماقها ويتنفس من خلالها ، فالفن الذي يمارسه بكافة صوره ،هو اهداء الإنسان صورته المشرقة ، وتثبيت آدميته على الأرض بعد أن لوثتها أصابع السياسيين والحروب .

عندما رفع اللاعب المصري " أبو تريكه " أثناء لعبه في مباريات كأس أفريقيا ، فانلته وظهر تحتها مكتوباً بالانجليزية " تعاطفاً مع غزة " ، شعرت أن هذا اللاعب خارج من تحت زمن اللامبالاة ، داخلاً في زمن الانتباه لقضية عالقة في شارع مزدحم بسيارات ضخمة وآلات وونشات ، من الصعب اجتيازها بسيارة صغيرة جداً، لكن هو سيجتاز الشارع بقدميه ، وصدره الذي فتحه على الشاشات العالمية فكانت غزة ، ورغم أن حكم المباراة حذره عندما أدخل الهدف الأول من رفع الفانلة ، إلا أنه في الهدف الثاني رفع فانلته مرة أخرى .

فجأة وجدت حولي العواصف تهب ، واسم " محمد صلاح " يدق الجدران والامسيات والاحاديث ، وعندما سألت اولادي عن "محمد صلاح " نظروا الي بقسوة ، "بتعرفيش محمد صلاح .. العالم يهتف لمحمد صلاح وانت بتعرفيش .. عيب .." الى هذه الدرجة العيب كبرت ، وفتشت وعرفت أن " محمد صلاح " ظاهرة كروية يلعب في الجناح الأيمن مع نادي ليفربول الإنجليزي ، وأن هناك نيه في بيعه بمبلغ 200مليون جينه إسترليني، أول مرة أرى بلاد الانجليز ، بريطانيا التي طعنتنا في الظهر ، وما زالت مربط خيلينا ، تُقدر قدم عربية وتدفع المبالغ الطائلة ، وترفع أسهم الرجل العربي ، في الوقت الذي في بورصة السياسة تحاول بريطانيا اللعب بأقدامها وأصابعها ومؤامراتها وخبايا اسررها ، حتى يصل المواطن العربي الى الصفر ، ويبقى بلا قيمة ولا أهمية . هل نشكر " محمد صلاح " الذي يجلس في حضن بريطانيا ، وينتف ذقنها الكروي الآن – حسب المثل العربي – بقعد في الحضن وبنتف الذقن – لكن من جهة أخرى ، هل هناك من يقدر أقدام الشهداء، رجال الصحافة الفلسطينيين أو " فرسان الحقيقة" كما أطلق عليهم ، الذين قتلوا مؤخراً ، وهم يركضون وراء الأحداث ليسجلوا اهدافاً في مرمى الحقائق البائسة ، الظالمة ، ولكي يعرف العالم بالصوت الصورة ماذا يحصل على الشريط الحدودي في قطاع غزة .

الصحفيان " ياسر مرتجى و أحمد أبو حسين " بقدر ما كرهوا الاقفاص ، صنعوا أجنحة فلسطينية ، وطاروا وكتبوا وصوروا وسجلوا ، لكن الحكم – القناص – استطاع قنصهم . حتى العالم الدكتور الفلسطيني ابن غزة – فادي البطش – الذي خرق مرمى الذل والسكون ،وقرر أن يسير في طريق العلم ليرفع من شأن شعبه ، فسافر بعيداً الى ماليزيا ، لعل العلم يكون سلاحه ، لأنه لا يستطيع رفع فانلته ، ما دام سيرفع رأسه ، لكن كان هناك – الحكم القناص – الذي قطع رأسه ومسيرته . نعرف أن الحرب تقتل كل شيء ، وان قوافل الشهداء لا تنتهي ، وغزل الكرة مع القدم لا ينتهي ، ولكن حين تتحول وجوه الشهداء الى أرغفة ساخنة ثم تبرد ، وتلقى بعد ذلك فتاتاً لعصافير الرحيل الصامت ، وأقدامهم التي ركضت فوق عشب الحقيقة تتحول الى سطور في ذاكرة متخمة ، ولم يعد لها متسعاً إلا لأقدام لاعبي كرة القدم، ونحن نشعر بالبؤس اليومي ، وانحياز العالم الى مظلات ملونة تقفز من السماء ، ثم تغيب دون تأنيب ضمير، دون نوم يتخلله كوابيس الظلم الإنساني والسياسي . ليس كرهاً باللاعب المصري " محمد صلاح " وليس طعنة للذين يعشقون كرة القدم ، لكن هي محاولة لقرض حبل الشهداء الذي يحيط بالاعناق ، ويشد الحبل لدرجة الاختناق .

من كان منكم بلا حبل شهيد ، فليبدأ ويقصه بمقص الذاكرة .

2018-04-28