الخميس 9/10/1445 هـ الموافق 18/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
'حروب كبيرة و..حروب صغيرة' ....عبد الهادي شلا

 يعيش الوطن العربي حروبا متعددة الأشكال والصور على أرضه وفي سمائه من بعضها يتردد أصوات المدافع وهذه هي الحروب الكبيرة، ومنها ما يقض المضاجع من صراخ الأبرياء وأخرى حرب صامتة تغلي نارها في الصدور ،وأخرى... وأخرى ..وهي الصغيرة التي تخلفها الكبير.!!؟

ورغم كل ما يشعر به الإنسان العربي من خوف مما تحمله الأيام التي اعتاد أن تفاجأه بما لا يتوقع،رغم  هذا فإن الحياة تسير، حيث يرى البعض بأن التاريخ البشري مليء بمثل هذه الحالات و أن الحروب قامت منذ بداية الخليقة بدأت بنزاع صغير بين ولدي سيدنا آدم ولم تهدأ منذ ذلك الوقت ،ولكل حرب مبررات وحجج لا تنتهي إلا بانتصار طرف على الأخر أو بالصلح -إستسلام- مع العلم أن كل أطرافها خاسرون..!!

 

إمكانيات زماننا الحالي متعددة ومتشعبه وفتاكة إن استخدمت إمكانياتها الشريرة من أسلحة ،فالضرب قائم بحديد ساخن ليس بتدمير الإنسان جسديا فقط،بل وبأساليب ناعمة أيضا ،أقلها وسائل الإعلام المفتوحة على كل شيء وهي متعددة الأوجه ومتلونة و كثير منها يصيب الهدف وإن احتاج إلى وقت أطول..!

 

 من الحروب الكبيرة أيضا،ما هو سافر وواضح في العلن ،إلا أن الأخطر ماكان منها مستتر ويعمل بصمت في الخفاء يرسل على فترات بالونات اختبار لمشاريعه الكبرى ينتج عنها حروب أخرى صغيرة في حدود ضيقة بين أفراد البلد الواحد حين تحقق بالونات الاختبار غايتها و تخترق عقول بعضهم أو ينقسمون عليه ويقفون منه ضدا،وهذه ظاهرة مدمرة اتسعت دائرتها منذ فترة ليست قليلة.

 

الحالة المفزعة ،وهذا الضجيج في كل مناحي الحياة خلق حربا صغيرة في داخل كل فرد ينام بها ويصحو عليها ويكاد لا يجد وقتا ليبدع في أقل الأشياء حاجة،فهذه الحالة التي تتغلغل وتفتت الروح لايمكن أن يخرج من رحمها قيم جميلة ولا إبداع متناسق مع أصل طبيعة البشر من الحاجة إلى التآلف والترابط في مجتمعات متكافلة.

 

هذا الفزع اليومي لا يمكن تجاهله وسط ما يحاول البعض تغيير إتجاه بوصلة التفكيرالعام من حوله ،لأنه يصيب جوهر القيم السامية ويتغلغل في روح التقاليد والموروثات محاولا التشكيك في بعضها وازدرائها بحجة تطور العصر وأدواته التي مازال البعض يتمسك بها ولكن الخوف دائما يكون على الأجيال الناشئة التي تتشبع بما يقدم لها من قيم جديدة هي غريبة في كل شيء وإن كان بعضها ضروري لا يمكن الاستغناء عنه .

 

اللافت للنظر في هذه الحروب الصغيرة ،ما هو موجه إلى الثقافة والإبداع وبات واضحا تسلل الأفكار الغير سوية والمتطرفة فيما يقدم عبر الكتابات والفنون التي تغير مضمونها وأسلوبها وشكلها الذي يتلقاه العامة،ولا يمكننا أن نقول بأنها موجة مؤقتة تعبر عن الحالة العامة التي يعيشها المواطن العربي لأن هذه المضامين ترسخ في عقول وأذهان الأجيال التي تتآلف معها وتعتاد عليها فلا تجد جمالا أو إبداعا إلا فيها،وهنا يكمن الخطر حين يكون الخروج عن القيم النبيلة والسامية في الثقافة أو إلغائها والتمسك باللاقيم التي هي أقرب إلى التهريج وضياع الوقت لتصبح الحياة مزرية إذا ما كانت الحروب الفتاكة مصاحبة لها.

 

الخروج من شرنقة الضغوط اليومية سيحتاج إلى وقت غير منظور في القريب، وهذا يستدعي من بعض المبدعين والمثقفين الذي احتجبوا حين هبت العاصفة وآثروا الصمت أن يعودوا ويتقدموا صفوف المواجهة برؤية جديدة ، و قيم متطورة تطابق حاجة العصر ويحتضنوا كل صاحب رؤية من الناشئة يتوسمون فيه خيرا لتقويم اعوجاج طرأ على الحالة الإبداعية والثقافية وبهذا تكون الحروب الصغيرة قد واجهت فكرا مستنيرا قويما يتطلع إليه أصحاب الفضائل والمثل العليا على أمل أن تخفف من قرع طبول الحروب الكبيرة والصغيرة.

 

2018-05-12