الجمعة 21/10/1444 هـ الموافق 12/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
وايزمن والعرب ' 1 ' .....تميم منصور

  من بين الاصدارات الجديدة للباحث والمؤرخ الاسرائيلي المعروف " بيني موريس " كتاب بعنوان ( من دير ياسين الى كامب ديفيد ) ، الكتاب يحتوي على مجموعة من المقالات التي نشرت لأول مرة باللغة العبرية ، واختيار هذه المقالات من قبل المؤلف المذكور تعكس مواقفه السياسية والفكرية ، فهو كاتب يساري يؤمن بالفكر الصهيوني ، أصيب بجراح بالغة أثناء حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية ، ورفض تأدية خدمة الاحتياط في جيش الاحتلال في الضفة الغربية أثناء الانتفاضة الأولى التي بدأت عام 1987- 1993 ، وقد كلفه هذا الرفض السجن عدة أشهر .

من بين المقالات التي نشرها " بيني موريس في كتابه ، مقالاً هاماً ، حيث كشف من خلاله جوانب من عنصرية أحد زعماء الحركة الصهيونية الرئيس الأول لدولة اسرائيل " حايم وايزمن " . مع أن جميعهم عنصريون إلا أن هذا فاقهم بنظرته العنصرية التاريخية ، ومع أنه سجل تجربته في إنشاء الدولة من اسرار ولقاءات ومفاوضات سرية وعلنية مع العرب والبريطانيين ، والمساعدات التي ساهمت في نشوء وترعرع الدولة في كتابه ( التجربة والخطأ ) إلا أن بيني موريس كشف في مقاله عن عمق عنصرية " وايزمن " ونظرته الدونية للشعب الفلسطيني ، فقد اعتبر حايم وايزمن أن الفلسطينيين هم الدخلاء في وطنه ، وهو صاحب الحق الشرعي في هذا الوطن .

من خلال الصفحات يحاول الكاتب " بيني موريس " التغلغل في فكر وعنصرية " وايزمن " الذي أضفى الشرعية على نفسه وعلى شعبه الاسرائيلي ،رغم أن قدمه لم تطأ ثرى فلسطين فقد قام بعملية تزوير لمجريات وصفحات التاريخ. مع أنه لم يتنفس هوائها ويشاهد جبالها وسهولها وسماءها إلا عام 1907 .

إذ لأول مرة يزور أرض فلسطين وببطاقة سياحية استمرت أسبوعيين ، ركز خلال هذه الزيارة على زيارة المدن المختلطة مثل مدينة القدس وحيفا ويافا ، كما زار مدينة الناصرة ، تجول في طول البلاد وعرضها مما أتاح له الفرصة للمرور بعشرات القرى العربية ومضارب البدو ، حيث سجل استغرابه من تخلفهم . بلغ عدد السكان الفلسطينيين في وطنهم في ذلك الحين حوالي 800 الف فلسطيني ، في حين تواجد بضعة آلاف من اليهود غالبيتهم عاشوا على المساعدات الخارجية ، واختاروا مدينة القدس وبعض المدن الأخرى للعيش فيها لاسباب دينية .

خلال الزيارة بعث "حايم وايزمن " رسائل إلى زوجته التي كانت متواجدة في مدينة مانشستر ، وبعث عدداً من الرسائل الى صديقة رجل الأعمال الصهيوني " يوسف كرينيسكي " الذي كان مقيماً في مدينة فينا ، وأيضاً بعد عودة وايزمن الى وطنه بريطانيا ، بعث برسائل الى العديد من اصدقائه وكان عنوانها " زيارتي للأراضي المقدسة " المدهش أنه تجاهل من خلال هذه الرسائل وجود أي عربي فلسطيني على أرض فلسطين ، لم يذكر سكان البلاد الأصليين بكلمة واحدة .

كانوا بالنسبة له غير موجودين ، وهنا أشار " بيني موريس " أن وايزمن تعمد هذا التجاهل ، لأنه أراد أن يقول بأن هذه البلاد خالية من السكان العرب ولا يوجد فيها سوى اليهود .

وأشار أيضاً أنه بعد مضي عدة أسابيع على زيارة وايزمن لفلسطين وعودته إلى بريطانيا ، القى خطاباً في مدينة منشستر ، تطرق فيه الى المواطنين العرب ، ذكرهم بلغة ساخرة وفيها روح الاستخفاف ، حتى أن تمسكهم بالأرض اعتبره ( أنهم حريصون على تمسكهم بالأرض كي يحافظوا على تخلفهم وتأخرهم ، وأنني أخشى بانهم سوف يدعون في يوم من الأيام بأنه لهم حق شرعي في هذه الأرض ) . نعرف ان دافيد بن غوريون – أول رئيس وزراء بعد قيام دولة اسرائيل - الذي زار هو الآخر أرض فلسطين لأول مرة عام 1906 ، على متن سفينة روسية ، لكن في رسائله التي بعثها الى جهات عديدة ، اعترف أن العائلات العربية التي تواجدت على ظهر السفينة الروسية وكانوا في طريقهم الى وطنهم فلسطين ، كانوا يتميزون بالحضارة ، يتحدثون بصوت منخفض وتميز سلوكهم بالأدب ، وأضاف أن أول من ساعده عندما وطأت قدميه ارض فلسطين، بعد أن رست في ميناء يافا ، رجلاً عربياً نقله من السفينة في قارب صغير الى اليابسة ، وكان انطباعه الأول عن العرب ايجابياً .

يؤكد " بيني موريس " أن استقبال العرب في ميناء يافا وطريقة التعامل تختلف بين وجهة نظر وايزمن وبن غوريون ، لكن التنكر اللامبالي الذي تقيأ به " وايزمن " بكلماته العنصرية قد أصبحت قاموساً صهيونياً تردد بعد ذلك على صفحات التاريخ . لقد تناسى وتجاهل " وايزمن " المدن والقرى الفلسطينية الممتدة على طول الساحل الذي مر به، لقد اعتبرها تجمعات متخلفة تعاني من الفقر والجوع والاهمال والأمراض ، لا يمتون الى الحضارة بصلة ، بل هم العبء على البشر ، لقد كتب عن مدينة يافا بأنها ليست جميلة ، لم يعجبه أصحاب الحوانيت الذين كانوا يدخنون الارجيلة ، والكسل مسيطر عليهم . لقد تناسى أن الدولة العثمانية هي المسؤولة عن كل حالات الفقر والتخلف ، بسبب النظام الفاسد فيها ، وبسبب نزيفها البشري والاقتصادي الدائم ،لإصرار قيادتها على المشاركة في حروب دائمة مع روسيا ، ومع الشعوب التي كانت واقعة تحت احتلالها . لقد قام وايزمن بمقارنة يافا بمدينة لندن عاصمة الامبراطورية التي لا تغيب الشمس عن املاكها ، وكان شعبها ومن ضمنهم وايزمن وجميع اليهود مستمرون في امتصاص ثروات الشعوب الواقعة تحت احتلالهم . لقد حمل وايزمن معه في زيارته الى فلسطين تلك النظرة المتعالية ، البريطانية اليهودية الاستعمارية والتعصب لليهودية ، هذه المواقف المسبقة التي سمعها من " هرتسل " ، و التي استمدها من عقلية ما عرف " سياسة الرجل الأبيض " ويعترف في رسائله انه يرى في بعض المستوطنات التي اقامها اليهود من أعضاء الهجرة الأولى والثانية بأنها امتداد للتواجد الكولونيالي للرجل الأبيض فيما وراء البحار .

يتبع

2018-07-03