الأربعاء 19/10/1444 هـ الموافق 10/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
المجلس المركزي من السلطة الى الدولة أو الى المزيد من التيه...بقلم عدنان رمضان

اليوم سوف يعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير في رام الله مرة أخرى ، وعلى ما يبدو فانه في كل اجتماع جديد لأية هيئة من هيئات هذه المنظمة يكون الاجتماع محطة لمزيد من التدهور وعلامة فارقة في انهيار هذه البنية السياسية ، دعونا نتأمل ونتساءل عن الفارق بين الظروف التي عقد فيها المجلس الوطنيقبل اشهر قليلة-وماذا كانتنتائج انعقاد هذا المجلس ، وانا لا اتحدث عن تطبيق قراراته منعدمه بل عن الاثار العامة لمثل هذه الخطوات والمحطات على البنية السياسية الفلسطينية وعلاقتها بالقضية والشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده

وبنظرة سريعة على تاريخ النظام السياسي الفلسطيني حيث شهدت الستينات والسبعينات من القرن الماضي ظهور منظمة التحرير وتعزيز دورها في مرحلة تاريخية اتسمت بظهور حركات التحرر من الاستعمار وصعود الحركات والدول القومية في بلدان ما يسمى العالم الثالث آنذاك وكان ظهور منظمة التحرير آنذاك ليس ردة فعل على النكبة الفلسطينية والاستعمار الصهيوني بل حمل في طياته أحلام التحرر والنهوض خاصة في ظل الدور القيادي لمصر عبد الناصر والآمال بالتخلص من الاستعمار والتبعية وبناء وطنعربي مستقلوحر

 الخطاب في تلك المرحلة اتسم بكونه خطابا ثوريا وبنية السياسة والحركات الفلسطينية انسجمت مع هذا الخطاب وشكلت  حالة جذب ليس للفلسطينيين فحسب وانما بارقة امل للمنطقة للخلاص منالتخلف والدكتاتورية والتجزئة فكانت شعارات الحرية و الثورة والعدالة والوحدة والنهضة ومارست على الارض فعلا ثوريا في مواجهة المشروع الصهيوني وحققت إنجازات سياسية ومعنوية كبيرة مما اثارتخوفات الموقف العربي الرسمي الذيتحفظ عليهافي العلن وتامر عليهافي السر

لكن هذه الحالة الثورية والبنية السياسة المنبثقة عنها شهدت تحولات نوعية بفضل عوامل داخلية فلسطينية ومتغيرات إقليمية ودولية تمثلت فلسطينيا بنمو مركبات بنية التخلف والابوية وقيمها وتغلغلها في بنية م .ت .ف وامتدادات الأنظمة فيها بسميات فلسطينية ولا ادل على ذلك من منهج التفرد والابوية ونهج المهادنة مع الانظمة والسعي وراءالمالوالتمويل الخليجي مما أدى  الى  تأثر بنية المنظمةووحدتها آنذاك واخذت الانقسامات فيها اشكالا مختلفة مثل جبهة الرفض ، كما انعكست هذه التغيرات بتعزيز منهج التوجه نحو الأمم المتحدة وسيادة خطاب المرحلية والتمسك بالشرعية والقرارات الدولية

في مرحلة لاحقة وخاصة بعد حصار الثورة وخروجها من بيروت تراجعت البنية الثورية والخطاب والفعل الثوري لصالح خطاب الاستقلال والدولة الفلسطينية وعدم التدخل في الشؤون العربية والعودة  الى  نظام كامب ديفيد وترافق ذلك مع فيضان التمويل الخليجي(البتر ودولار) و"البطالة الثورية " التي عاشتها معظم قطاعات ومكونات منظمة التحرير وفصائلها وصولا  الى  مؤتمر الجزائر وإعلان الدولة المستقلة الذي مهد لاحقا لمفاوضات مدريد ترافقا مع حرب الخليج الأولى ونتائجها وتراجع المشروع القومي العربي و عودة مصر كامب ديفيد لتلعب دورا إقليميا كبيرا مساندا للسياسات الامريكية وصعود دور السعودية ومبادراتها السياسية كرائد للتنازلات العربية والفلسطينية بغطاء من الجامعة العربية

هذه الفترة أيضا شهدت وبداية صعود الإسلام السياسي متمثلا في ثورة الخميني والحركات الجهادية في مصر وصعود الاخوان المسلمين وانطلاق حركة حماس في بداية الانتفاضة الفلسطينية التي اعادت جزئيا وهج الثورة والفعل الثوري والإرادة الشعبية التواقة  الى  الحرية والتحرر لكنما لبث ان تلاشى هذا الوهج خاصة مع التحولات الدولية كانهيار الاتحاد السوفييتي وتراجع دور حركات التحرر وظهور العولمة كنظام هيمنة وصعود دور المؤسسات الدولية ومنها الانجزة و انتشار مفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان والقانون الدولي وطغيانها على الخطاب السياسي

 

التحول الكبير والمهم في سياق هذا التطور التاريخي لبنية وخطاب المنظمة كان اتفاقية  او سلو والذهاب المستمر  الى مشروع دولة وهمية وانتخابات تشريعية في ظل الاحتلال ومجلس وحكومات وسلطة متحكم بها من قوى عالمية واقليمية ومقيدة باتفاقيات سياسية كان الهدف الإسرائيلي والامريكي والرجعي العربي ممن هذه الاتفاقيات ومازال ان تقوم هذه البنية السياسية الجديدة "السلطة "بتنحية وتهميش منظمة التحرير كليا وان تقوم بعد ذلك بأداء دورين الأول تدجيني سياسي تطبيعي كتغطية وتشريع ومظلة للممارسات السياسية للكيان ومخططاته للتطهير والعنصرية وجسرا للتطبيع العربي وتشريع وجود الكيان الصهيوني ودولته اليهودية الفاشية كدولة "ديمقراطية "

 

 والثاني دور اداري وأمني يتمثل تشكيل جسم فلسطيني يقوم بمهام تسيير الحياة اليومية للفلسطينيين في الضفة وغزة وفي نفس الوقت بناء الفلسطيني الجديد المستعد لتبرير حماية المستعمر بحجة حماية مشروع الدولة الوهمية والمصالح الوطنية

في هذا السياق تراجع دور منظمة التحرير كبنية سياسية فلسطينية ووطن معنوي للفلسطينيين لصالح مشروع الدولة الوهمية على الأرض وتم استدعاء هذه المؤسسة أي م.ت.ف.فقط فيالمناسبات لتمرير قرارات وتوجهات القيادة السياسيةكما تم في المؤتمر الوطني في غزة وتعزز نهج تهميش الفلسطينيون ومؤسساتهم في الخارج بعد التخلي التام عن فلسطيني الداخل

بعد العام 2005عمل على تعزيز دور ما يسمى السلطة وترافق ذلك من تحولات عميقة في المجتمع الفلسطيني على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وظهور الطبقية بشكل جلي وتعزيز الفروقات بين مكونات الشعب في أماكن تواجده وكذلك التغيرات على مستوى القيم والتوجهات وظهور منظومة المال والامن والسلطة كبنية فوق المجتمع وسلطة على المجتمع الفلسطيني وسيادة خطاب بناء المؤسسات والاعتماد على الراعي الأمريكي والتمسك بالاتفاقيات

خلال هذه الفترة نجحت قوى الإسلام السياسي في التحول  الى بنية فاعلة ومؤثرة ومهمة على الصعيد العالمي والإقليمي وترجم ذلك فلسطينيا وتوج بانتصار حماس في انتخابات المجلس التشريعيكبنية سياسة وصولا  الى  الانقسامالسياسيالفلسطيني وظهور منظوماتالحكم المنفصلةفيكلمن الضفة الغربيةوغزةوالتي فتحت الباب واسعا لتراجعمظاهر الهوية الموحدةللشعبالفلسطيني والتراجع الكبيرفي التعبيرات المختلفة التيتمثل الشعب الفلسطينيومشروعه التحرريوطغيانممارساتالتفرد والتغول ونظام الحكم البوليس وشكلانية المؤسسات والبنى السياسية امام إرادة القوى المتنفذة

مع ظهور ما يسمى الربيع العربي والنتائج المدمرةعلى المنطقة العربية تراجع الاهتمام العالمي والعربي بالقضية الفلسطينية وتراجعت مصداقية الثورات على العموم إقليميا وعالمياو كذل ككافة المفاهيم والخطاب الثوري على العموم مع مظاهر ياس الشديد والتساؤلات كبرى المتعلقة باستخدام العنف الثوري وجدواهفي هذا الوقت ساهمت السياسات الفلسطينيةوحالة الانقسام وغياب المشروع والاستراتيجية وعدم وضوح الهوية في تهميش القضية الفلسطينية والتراجع الكبير في ثقة الجمهور الفلسطيني والعربيبالبينة السياسية الفلسطينية وفتح الباب واسعا  الى  شيطنتها والتشنيع عليها مما زاد من حالة الياس وفقدان الامل لدى قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني وادت الهوة بين الطبقة السياسية والجمهور اتساعا مما دفع العديد من الفلسطينيين لإطلاق حراكات شبابية  او  المبادرة لتحركات فردية تأكيدا عفويا لأولوية المعركةمع الاحتلال الصهيوني ومؤسسته العنصرية الفاشيةودفاعا عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني

المتتبع لتطور النظام السياسي الفلسطيني بسهولة يستطيع اني يرى مسار التراجع بدل التقدموالهدم بدل البناءوالتشوه بدل الوضوح والتشرذم مكان الوحدة فالحالة التي يعيشها الشعب الفلسطيني الان ومركبات بنيته السياسيةهي مزيج من التشرذم والانقسام وفقدان الشرعية والقدرة على الفعل والتأثير وغياب المؤسسات الجامعة وعدم وجود خطاب سياسي  او  استراتيجية واضحة لذلك يصبح اطلاق الشعارات  او  الدعوات انعقاد الشكلي لهذه الهيئات والبنى السياسية في هذا السياقهو مزيد من التوهان ،نعم هناك مقاطعون للجلسة واخرين مشاركون لكن غالبية الناس حتى لا تلتفت  او  تعطي اهتمام لهذا الاجتماع لان ثقتها بكل مركبات النظام السياسي الفلسطيني مفقودة

مع الاحترام والتقدير لتراث ومكانة الفصائل الفلسطينية الا انها استنفذت نفسها وما لم تجدد نفسها، برامجها وبنيتهاوخاصة القياديةوطرق ومنهجعملهاستبقى تنتظر شهادة الوفاة  ،المأساة انها وفي ظل حالة الموت السريتستنزف الجميع مع اني اشك في قدرتها التجددان ارادت  او  في رغيةهذه الفصائل بالعمل على التجددفالكثير منهم منتفعون على اكثر من مستوى منحالة التردي هذه

 كل الظروف والعوامل تستصرخ الجميع في الضفة وغزة والداخل والشتات افراد وفعاليات ومؤسسات ان تبادر لعمل  اوسع حوار وإطلاق مبادرات لتجاوز الوضع المأساوي الذي نعيش فيه كشعب فلسطيني ليس عبر الضغط على هذه البنية المتهالكة  او  التوجه اليها بمطالب بل وانتظار قراراتها  او  جولات السياحة السياسية في مصر بل من خارج هذه البنى مجتمعة   .

2018-08-15