الثلاثاء 7/10/1445 هـ الموافق 16/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
أنا جاسوس إذت أنا موجود ....تميم منصور

 عذراً ديكارت لأني قمت باستغلال فلسفتك " أنا أفكر إذن أنا موجود " لأني لم أجد أمام أصابع اسرائيل التجسسية التي تدخل في كل مكان وزمان ، إلا هذا القول ، حيث اسرائيل تريد اثبات قوتها حتى لو بلغة التجسس.

عندما قامت اسرائيل عام 1948 وضعت لنفسها ثوابت استراتيجية طويلة الأمد ، كانت ولا تزال بمثابة سكة طويلة متعرجة ، لا بد من بقاء عجلات الدولة تسير فوقها مهما كان الثمن . أولى هذه الثوابت : الوقوف ودعم كافة القوى الامبريالية وأحلافها في استعبادها وقهرها للشعوب الأخرى ، وان اسرائيل مستعدة لأن تكون الخنجر الذي تستخدمه هذه القوى تحت كل الظروف التزاماً بهذه السياسة ، فقد وقفت حكومة بن غوريون ، وتبعتها حكومات أخرى ضد حركات التحرر العربية التي كانت تسعى لتخليص الشعوب العربية من الامتيازات الأجنبية ومن وقف عملية امتصاص ثرواتها .

دعمت الحكومات الاسرائيلية حتى عام 1979 شاه ايران ، لأنه كان اداة طيعة بأيدي الامبريالية الامريكية والبريطانية ، قبل قيام الثورة الايرانية ، هذه الثورة وضعت حداً للهيمنة الامريكية وقطعت دابر الوجود الاسرائيلي في ايران ، وقفت اسرائيل بقوة وحزم ضد سياسة الاتحاد السوفياتي والكتلة الشيوعية ، لأن هذه السياسة اتخذت طرقاً واضحة ، اعتمدت محاربة القوى الاجنبية وقواعدها ، خاصة في منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى في العالم ، مثل أمريكا اللاتينية والقارة الافريقية . لم تتأخر اسرائيل بالوقوف ضد الثورة الكوبية والثورة الجزائرية ، وقامت بدعم الأنظمة الفاسدة والدكتاتورية داخل ما عرف بجمهوريات الموز في امريكا اللاتينية ، كما وقفت ضد حركات التحرر في هذه القارة ، مثل كولومبيا وتشيلي وغيرها . وقفت اسرائيل الى جانب الطاغوت الأكبر الولايات المتحدة الامريكية ، في حربها ضد الشعب الفيتنامي ، الى درجة ان موشه ديان قام بزيارة فيتنام أثناء اشتعال سعير الحرب بين حركة التحرر الفيتنامية ، وبين الجيش الامريكي ، هذه الزيارة كانت مكشوفة ، فضحت الدور الاسرائيلي في هذه الحرب .

دعمت اسرائيل منذ بداية وجودها ، حكومة الابرتهايد في جنوب أفريقيا ، وهذا يعتبر أكبر عار لحق بتاريخ الحركة الصهيونية ، لم يقتصر هذا الدعم على الجانب المعنوي أو الاعلامي ، بل تعداه الى تقديم السلاح وأشياء أخرى لا زالت سرية ، لكن هذا الدعم لم يمنع انتصار حركة التحرر الوطني في جنوب افريقيا ، بقيادة القائد والزعيم الاسطوري نيلسون مانديلا. لم تتردد الحكومات الاسرائيلية من دعم الأنظمة العربية الرجعية والاحلاف التي انخرطت بها هذه الأنظمة ، مثل حلف بغداد وحلف جنوب شرق آسيا ، وعندما كادت حركة التحرر الوطني في الاردن ان تطيح بالنظام الحاكم ، حركت اسرائيل قواتها للتدخل ولحماية عرش الملك حسين في عمان .

في سنة 1956 شاركت اسرائيل كل من بريطانيا وفرنسا في عدوانهما على مصر ، للقضاء على الثورة التي قام بها الضباط الاحرار للتخلص من النظام الملكي الفاسد وتحرير مصر من النفوذ البريطاني ، وعندما أقدمت الثورة على تأميم قناة السويس بدأ العدوان الثلاثي المعروف ، وكانت حجة اسرائيل انها تريد منع الجيش المصري من استيعاب صفقة الاسلحة التي حصلت عليها مصر من الاتحاد السوفياتي وعرفت باسم صفقة الاسلحة التشيكية .

عندما بدأ العدوان السعودي على اليمن تحت غطاء امريكي قبل مدة وجيزة سارعت وسائل اعلام اسرائيلية للاعتراف بأن اسرائيل دعمت السعودية ،عندما حاولت الأخيرة افشال الثورة التي قام بها الجيش اليمني للقضاء على نظام الأئمة المتخلف في اليمن عام 1961 ، واعترفت اسرائيل بأنها كانت ترسل الطائرات لنقل الأسلحة ، ولا نستبعد اليوم بأن اسرائيل شريك في الحرب الدائرة ضد الشعب اليمني الى جانب التحالف السعودي .

اعترفت اسرائيل أيضاً بأنها قدمت الدعم للمتمردين في جنوب السودان ، الذين كانوا يسعون للانفصال عن حكومة السودان المركزية في الخرطوم العاصمة ، كما أن اسرائيل لعبت دوراً في تأجيج الصراع في العراق بين الاكراد وحكومة بغداد ، وقد ساعدت على تدريب المتمردين الاكراد ودعمهم بالأسلحة منذ سنوات الستينات من القرن الماضي ، عندما كان مصطفى البرزاني يقود التمرد .

هذه مشاهد سريعة وخاطفة من أصابع اسرائيل التسللية ومواقف الحكومات الاسرائيلية ودورها في دعم قوى الامبريالية والطغيان ضد تحرير الشعوب ، ان جميع مواقفها سلبية لا تعرف إلا الدسائس ، والعمل في الظلمة ، لأن سفك دماء الابرياء وقهر الشعوب المغلوبة جزءاً لا يتجزأ من نهجها ومن ثوابتها واستمرار وجودها . حتى اليوم هذه السياسة لم تتوقف ، العكس هو الصحيح فقد اتسعت دائرتها ، وازداد عدد الدول والحركات التي تتلقى الدعم من الحكومة الاسرائيلية ، وغالبية هذا الدعم لمصلحة الأنظمة المستبدة التي تسعى لمصادرة ارادة وحرية شعوبها . ان دماء ضحايا العدوان المتكرر على سوريا دعماً للقوى التكفيرية لم تجف بعد ، وقد بات معروفاً بأن حكومة نتنياهو كانت تقدم الدعم المادي العسكري لهذه القوى ، وكانت تحلم بإقامة دويلة فاصلة بينها وبين دمشق شبيهة بدولة سعد حداد التي اقيمت في جنوب لبنان ، لكن صمود الشعب السوري وجيشه أحبطوا جميع هذه المخططات .

هذا لا يعني بأن اسرائيل سوف تتوقف عن دعم قوى الظلام وعصابات التكفير ، ودعم رؤوس القوى الطائفية في كل من لبنان وسوريا . ان اسرائيل لم تعد تخجل او حتى تتستر على سياستها هذه فقد حولها جشعها وحلمها بالتوسع وسط النفوذ الى قبلة تتوجه اليها كافة القوى الشريرة في العالم ، فقد كشفت صحيفة " هآرتس " في عددها الصادر 19/10/2018 بأنها اجرت بحثاً اعتمدت من خلاله على حوالي مائة مصدر ، استقتها من داخل 15 دولة ، كشف هذا البحث بأن اسرائيل أصبحت تتصدر الدول في العالم التي تقوم بتصدير أجهزة متطورة حساسة خاصة في التجسس وملاحقة المواطنين ، هذه الاجهزة ساعدت آلاف الطغاة والمستبدين في العالم من كشف القوى التي تعارضهم والقوى الرافضة لسياستهم الاستبدادية ، بمساعدة هذه الأجهزة الاسرائيلية تمكن هؤلاء الحكام المستبدين من ملاحقة معارضيهم والكشف عن كل تحركاتهم واتصالاتهم مع بعض ، كشف التحقيق الذي اجرته الصحيفة المذكورة ان هذه الاجهزة ساعدت هؤلاء الحكام على ملاحقة نشاط المدافعين عن حقوق الانسان وملاحقة كل الذين يقاومون الانظمة الاوتوقراطية كالنظام السعودي وغيره ، وقد حددت صحيفة " هآرتس " الدول التي تحصل على هذه الاجهزة مثل البحرين ، اندونسيا ، انغولا ، جمهورية الدومينكان ، موزنبيق ، اذربيجان بوتسوانا ، بنغلادش ، السلفادور، بنما ، ماليزيا ، المكسيك ، كولومبيا ، نيجيريا ، الامارات العربية وغيرها هذا يؤكد ان نظام الحكم في اسرائيل أصبح معادياً لغالبية شعوب العالم وبالتأكيد أن هذا العداء سوف يرتد في يوم من الايام ضد الشعب الاسرائيلي.

2018-10-22