الجمعة 17/10/1445 هـ الموافق 26/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
قراءة عاجلة في صفحات انتخابات السلطات المحلية في وسطنا العربي .... تميم منصور

  لا تزال أهمية وقيمة ودور السلطة المحلية في مدننا وقرانا ، تحتل حيزاً كبيراً بين المواطنين العرب ، ولا نبالغ إذا قلنا بأن أهمية هذه السلطات أكثر وزناً من العضوية في الكنيست لدى الكثيرين ، هذا الاهتمام في السلطات المحلية وكل ما يتعلق بها ، كالانتخابات مثلاً ليس من باب المحبة والرضى عن هذه السلطات ، بل لأنه لا يوجد لدى المواطن العربي مؤسسات تساعده وتقف الى جانبه في حل مشاكله غير مؤسسات السلطات المحلية .

السلطة المحلية بالنسبة للمواطن العربي بمثابة حكومة محلية ، قريبة جداً منه ، يراها ويلمسها كل يوم ، هي التي توفر للمواطن الراحة والاطمئنان من خلال المشاريع التي تقوم بها ، أو من خلال اهمالها وتقاعسها عن اقامة مثل هذه المشاريع ، أيضاً بالنسبة للمواطن العربي تعتبر مصدراً رئيسياً وهاماً لتوفير العمل ، لا يوجد أية مؤسسة في الدولة مستعدة لتوفير ملاكات عمل للمواطنين أكثر من السلطة المحلية ، وقد دلت الاحصائيات أن أكثر نسبة للمواطنين في أية مدينة أو قرية عربية تعمل في اطار السلطة المحلية بشتى الوظائف ، فالمدارس وحدها تحتاج الى عشرات وربما مئات من الموظفين خاصة الثانوية منها . أما بقية مؤسسات الدولة ، كالشركات الكبرى ، والسلك الدبلوماسي والوزارات المختلفة ، فأن اماكن العمل التي توفرها للمواطنين العرب محدودة للغاية ، بسبب سياسة التمييز القومي والعنصرية ، فالمصانع الهامة الكبيرة المربحة والموانىء ، وشركات الهايتك فهي مغلقة في وجه أيادي العمل العربية .

كذلك كبرى الشركات والمؤسسات الاقتصادية ، مثل شركات الغاز وشركة الكهرباء والطيران فهي تعتبر منطقة حرام بالنسبة للمواطن العربي ، هذا الحصار جعل المواطن العربي يوجه أنظاره الى السلطة المحلية في بلدته ، ويهتم بها أكثر من أي مواطن في العالم ، أما للعمل ، أو لتوفير الخدمات اللازمة له . هناك سبب آخر لهذا الاهتمام وهو التعصب العائلي والطائفي ، هذه الآفة لا زالت تعشش في نفوس ورؤوس الكثير من المواطنين العرب ، ولا أحد يستطيع الانكار بأن آفة هذا التعصب تشتد أو تعود وتستيقظ في موعد انتخابات السلطات المحلية العربية ، هذه اليقظة والحماس تجرف معها الأجيال الحديثة الشابة ، حيث تتشرب من الروائح الحمائلية والطائفية ، وكل جيل يتبع الجيل الآخر  ، والأخطر من ذلك ان الكثير من الاكاديميين يصعدون في هذا القطار الذي يقودنا الى صحاري الضياع .

تراجعت هذه الظاهرة بعض الشيء في الناصرة وفي أم الفحم وكفر قاسم لكنها عادت وبرزت من جديد ، بسبب تراجع الاحزاب والحركات التي كانت تسيطر على السلطة المحلية في المدن المذكورة . هناك من يرى في الحمولة أو الطائفة غطاءً اجتماعياً وقوة يجب عليه تقويتها والشد من ازرها ، لأن قوة الحمولة بالنسبة لهؤلاء تعتبر نوعاً من الجاه ، والجاه هو الشعور بالفوقية واصطناع الهيبة ، فإذا توفرت مثل هذه الهيبة في مجتمع يسيطر عليه الفراغ الاجتماعي ، يزداد نفوذ العائلة في هذا المجتمع ، وهذا ينعكس على غالبية أفراد الحمولة ، مع أن هذه الهيبة ليست أكثر من الشعور بالتعالي ، لكنها في نفس الوقت تسبب العزلة لهذه الحمولة او تلك . هناك حمائل برجوازية وارستقراطية فلسطينية قد تراجع دورها داخل المجتمع ، وهي في الحقيقة عائلات عريقة ، بسبب قوة نفوذها وعدد المنتفعين فيها وقدراتها الاقتصادية ، لأن الظروف فرضت عليها هذا التراجع ، أما مركبات الحمائل عندنا في الداخل فهي هزيلة ، صغيرة لا يمكن مقارنتها بالحمائل التي ذكرتها في المدن الفلسطينية ، نابلس ، رام الله ، الخليل ، القدس ، غزة وغيرها .

اذا من المفروض أن تنهار هذه الحمائل وتتلاشى لأنها لا تملك أية مقومات سياسية أو اقتصادية ، لكن انتخابات السلطات المحلية العربية هي التي تضح فيها الحياة بين الحين والآخر . ولولا هذه الانتخابات لتغير وضع هذه الحمائل. في الماضي كان زعيم العائلة هو الآمر الناهي ، وقد عملت سلطات الحكم العسكري واجهزة الشاباك على تغذية هذه الروح ، فقامت بدعم رؤساء العائلات كما يذكر الكاتب " هليل كوهين " في كتابه " العرب الجيدون " ، فقد زودت كل واحد منهم بقطعة سلاح ، حتى تزداد هيبته ، مقابل ذلك قدم رؤساء الحمائل كافة الخدمات للسلطة الحاكمة ، في موعد الانتخابات الكنيست ، وفي نقل المعلومات عن رموز الحركة الوطنية في الداخل وملاحقتهم .

لا يوجد اليوم في وسطنا العربي من نوعية هؤلاء ، لأن عامل الوراثة قد انتهى ، وظهر في كل حمولة اكثر من منافس واحد ، كما ان الحمائل انقسمت الى بطون صغيرة ، كما أن تأثير الاحزاب الوطنية قد قلل من هيبة مثل هؤلاء الرؤساء .

اذا قارنا بين انتخابات السلطات المحلية الأخيرة ، مع انتخابات سابقة نجد أن دائرة الكثير من الظواهر قد اتسعت ، وظهرت بعض الظواهر الجديدة ، منها مؤسفة ومنها مرضية .

من هذه الظواهر اتساع وتيرة حالات العنف داخل العديد من القرى والمدن العربي ، غلب عليها طابع العنف الكلامي والتلاسن بالشتائم والقذع و التشهير ، وقد استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة ، حيث ظهر للمرشحين للرئاسة والعضوية ، أكثر من موقع الكتروني واحد ، استخدمت فيها دعاية لصالح المرشحين دون المستوى ، والمؤسف ان العنف الكلامي تحول الى عنف جسدي بعد الانتخابات في العديد من مدننا وقرانا ، لأننا لم نصل بعد الى درجة من الوعي والنضوج التي تفرض احترام رأي الناخب ، كما حدث اعتداء على املاك البعض ، كجزء من هذا العنف . هناك ميزة ثانية ظهرت في هذه الانتخابات ، حدوث تراجع في تماسك وقوة الحمائل ، فقد حدث انقسام داخل هذه الأطر ، الى درجة أن هناك أكثر من مرشح واحد داخل كل حمولة .

هناك ميزة أخرى أن غالبية القوائم التي تنافست داخل القرى والمدن قوائم مستقلة غير تابعة لأحزاب سياسية ، كما هو الأمر في الوسط اليهودي هذه القوائم اعتمدت على تكتلات عائلية وطائفية . أما الميزة الهامة التي ظهرت في هذه الانتخابات منافسة الكثير من النساء داخل هذه القوائم ، وهذا مؤشر ايجابي لواقع المرأة العربية ، فقد تمكنت 26 امرأة من اجتياز نسبة الحسم ، واصبحن عضوات في العديد من السلطات المحلية ، في حين بلغ عدد النساء اللائي وصلن الى عضوية السلطات المحلية في الانتخابات السابقة 22 امرأة ، لكن من المؤسف أنه حتى الآن لم تصل امرأة عربية الى رئاسة السلطة المحلية في اية قرية أو مدينة .

هناك ميزة هامة أيضاً عادت وظهرت في هذه الانتخابات ، هي فشل سلطات الاحتلال في فرض انتخابات السلطة المحلية في المناطق المحتلة . خاصة هضبة الجولان السورية ، وفي مدينة القدس عاصمة دولة فلسطين ، فهناك معطيات تقول بأنه من بين حوالي ثمانية آلاف صاحب حق اقتراع في قرية مجدل شمس المحتلة انتخب حوالي 250 مواطن ، ومن بين 1650 صاحب حق اقتراع في قرية عين قنيا ، انتخبوا فق 21 ، وكان هذا انتصاراً للوطنية السورية التي تقاوم الاحتلال .

2018-11-05