الثلاثاء 3/11/1444 هـ الموافق 23/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
القدس .....حرب في كل الإتجاهات .... بقلم راسم عبيدات

من الواضح بان حكومة الإحتلال وكل أجهزتها الأمنية والمدنية ومستوياتها السياسية والعسكرية والقضائية تصعد بشكل غير مسبوق من حربها الشاملة على سكان مدينة القدس العرب الفلسطينيين،والحرب ليست وقفاً على البشر،بل هي تطال الحجر والشجر أيضاً، وتستهدف المقدسيون في كل مناحي وتفاصيل حياتهم اليومية ....إنه صراع على الوجود والبقاء وعلى الحيز العام والمكان .......

من بعد قرار المتصهين الرئيس الأمريكي ترامب وفريق إدارته الأكثر صهيونية من حكومة الاحتلال بنقل سفارة بلادهم من تل ابيب الى القدس وإعتبار القدس عاصمة لدولة الإحتلال،وجد الاحتلال بان هذا القرار يوفر له فرصة تاريخية لكي يستثمر هذا القرار سياسياً،كحلقة مهمة في مسلسل تهويد مدينة القدس وأسرلة سكانها،ولذلك كشفت حكومة الاحتلال عن مخطط وخطة خماسية (2018-2023) لما يسمى بدمج سكان القدس العرب ضمن المجتمع والإقتصاد الإسرائيلي،وبما يشمل الإستثمار السياسي لذلك، وأيضاً تجريد المقدسيين من ممتلكاتهم ومقدساتهم،وبما يصفي وجود وعمل ومؤسسات ومراكز ومقرات وكالة الغوث واللاجئين الفلسطينيين" الأنروا" في مدينة القدس،إستفادة وإستغلالاً للقرار الأمريكي  بتجفيف المصادر المالية لوكالة الغوث بوقف المساهمة الأمريكية بشكل كلي في ميزانيتها وتقييد تعريف اللاجىء،بحيث يشمل التعريف الأجداد دون الأباء والأبناء،كواحد من عناوين ما يسمى بصفقة القرن لشطب وتصفية القضية الفلسطينية.  

من بعد الانتخابات الإسرائيلية للبلديات والمجالس المحلية في 30/10/2018،ومن ضمنها بلدية " القدس" ،والمقاطعة شبة الشاملة لها من قبل العرب المقدسيين،للتأكيد بان القدس مدينة محتلة،وبما لا يشرعن إجراءات ضمها وتهويدها من قبل الاحتلال،وكذلك رفض التساوق مع الخطة الأمريكية المسماة بصفقة القرن،بتكريس وشرعنة إحتلالها .

رئيس بلدية الإحتلال السابق  المتطرف " نير بركات"  بدأ بجس النبض لتصفية عمل وكالة الغوث في القدس،وإغلاق مؤسساتها وتصفية وجودها،من خلال اقتحام عيادة الوكالة في زاوية الهنود في البلدة القديمة،تحت حجج وذرائع معرفة أصناف وأنواع الأدوية في صيدليتها ومصدرها وصلاحيتها،ليعقب ذلك بإقتحام شرطته وبلدوزراته لمخيم شعفاط من اجل جمع القمامة من شوارع وأزقة المخيم،مع التهديد بالإستيلاء على أرض المخيم واغلاق مدارس ومراكز الوكالة الصحية والأمومة فيه وتحويل مراكزها المجتمعية الى مراكز جماهيرية تابعة لبلدية الاحتلال.

وفي زيادة للضغط على المقدسيين ودفعهم الى خانة اليأس والإحباط وفقدان الثقة بأي مرجعية وطنية ،او رسمية  بدء الكشف عن عمليات تسريب بعض ضعاف النفوس والمتجردين من أي قيم ومعاني الإنتماء الوطني والأخلاقي للعديد من الأراضي والعقارات في بلدة سلوان والبلدة القديمة،والتي في التركيز عليها وتضخيمها أثارت عاصفة  قوية عند المقدسيين،ورغم الخطورة العالية لمثل تلك العمليات المشبوهة،إلا ان الهدف واضح هو ضرب الحالة المعنوية عند المقدسيين،والسعي لجعل عملية بيع وتسريب العقارات والأراضي المقدسية للجمعيات التلمودية ( العاد ) و( عطروت كوهونيم) ،عمليات شرعية وطبيعية.

التصدي لمثل هذا المخطط والمشروع المستهدف لتغيير طابع مدينة القدس ومشهدها العام من مشهد عربي إسلامي  - مسيحي من قبل القدس وقواها ومؤسساتها وجماهيرها والسلطة وأجهزتها،التي باتت محط اتهام المقدسيين بالتقصير وعدم المتابعة والمساءلة والمحاسبة،لمن يقومون بمثل هذا العمليات،دفع الاحتلال وأجهزة مخابراته الى  اعتقال محافظ القدس عدنان غيث  لعدة أيام،تحت حجج وذراع اختطاف مواطن مقدسي والتحقيق معه حول تلك العمليات،وكذلك جرى إعتقال عدد من المواطنين المقدسين على خلفية ذلك أيضاً،ولم تكتف مخابرات الاحتلال والأجهزة الأمنية الإسرائيلية بذلك،بل عمدت الى اقتحام وزارة شؤون القدس ومحافظتها في ضاحية البريد ،حيث اعتدت على العاملين فيها ،والذين أصيب عدد منهم نتيجة قمع قوات الاحتلال،ناهيك عن عمليات التكسير والتخريب التي طالت أجهزة الكترونية من حواسيب ومكاتب وغيرها،وكذلك مصادرة العديد من الكاميرات والأجهزة  والكثير من الوثائق والملفات،وبث الرعب والخوف في صفوف العاملين/ ات،ليس بسبب وحشية الإقتحام فقط،بل من خلال الإستدعاءات المتكررة للعديد منهم الى مراكز التحقيق.

المحتل أرفق تلك الإجراءات والممارسات القمعية لفرض مشروعه التهويدي على المدينة ،بمنع العديد من الأنشطة والفعاليات،والتي أخذت شكل لقاءات  مع  محافظ القدس عدنان غيث وكذلك توفير ملابس شتوية لأطفال،تحت حج وذرائع مشاركة شخصيات من السلطة والقوى السياسية في تلك الأنشطة والإدعاء بتمويلها.

 كان من الواضح بأن رئيس بلدية "القدس" الجديد يريد أن يظهر بانه اكثر " حربجية" من سلفه،وبأن الأقدر على قمع المقدسيين العرب والتنكيل بهم ومصادرة حقوقهم  والعمل على طردهم وتهجيرهم،فما أن جرت عملية تصفية الفتى عبد الرحمن أبو جمل بدم بارد من قبل قوات الاحتلال وشرطته،تحت ذريعة انه اقتحم مقر شرطة الاحتلال " عوز" المقام على أراضي جبل المكبر،وطعن عدد من رجل شرطته،ليستشهد لاحقاً بعد تعرضه لضرب مبرح من قبل جنود وشرطة الإحتلال،ولتقوم بلدية الاحتلال ووزارة داخليتها بشن حملة إنتقامية كبيرة على الحجر تركزت في جبل المكبر ومخيم شعفاط،حيث جرى هدم عشرات المنشئات التجارية ،وهدم حوالي عشرين متجراً في مخيم شعفاط،واضح انه لها بعداً سياسياً بإمتياز،ألا وهو العمل على تصفية قضية اللاجئين ،وانهاء مخيم شعفاط،فالإحتلال لا يمتلك صلاحية الهدم في المخيم،لكون الوكالة هي المسؤولة عنه فيما يخص الخدمات التعليمية والصحية وجمع النفايات وعمليات البناء.

من بعد إقرار ما يسمى بقانون القومية الصهيوني،والمستهدف القيام بعمليات تطهير عرقي واسعة بحق المقدسيين،لقلب الواقع الديمغرافي في المدينة لصالح المستوطنين المتطرفين،وتغيير المشهد الكلي للمدينة،ولذلك وجدنا أن هناك تواطؤ ما بين الجهاز القضائي الإسرائيلي وما يتفرع عنها من محاكم مع الجمعيات التلمودية والتوراتية في السيطرة على أراضي المقدسيين وطردهم وتهجيرهم منها تحت حجج وذرائع انها كانت أملاك يهودية قبل أكثر من مئة عام،كما هو الحال في ملكية أراضي بطن الهوى في سلوان،والمستهدف طرد وتهجير 700 مقدسي منها،وكرم المفتي في الشيخ جراح واستهداف  29 عائلة مقدسية بالطرد والتهجير،ورغم اعتراف  ما يسمى بقضاة المحكمة العليا الإسرائيلية  بوجود فساد وعيوب في عمليات نقل تلك الأراضي الى الجمعيات التلمودية والتوراتية من قبل  القيم" الوصي على أملاك الغائبين الى الجمعيات الإستيطانية  ،إلا أنه شرعنت طرد العائلات المقدسية منها،وهذا  يثبت  تواطؤ "الدولة" مع عصابات المستوطنين المسجلة كجمعيات لتيسير عملية السطو على بيوت الفلسطينيين، وبالتالي إخلائهم وإحلال المستوطنين في منازلهم، لتغيير الديمغرافيا وفرض حقائق سياسية جديدة على الأرض.

الإحتلال واصل عملياته المستهدفة  إنهاء دور ووجود وعمل وزارة القدس ومحافظتها في مدينة القدس،وأي شكل من أشكال ومظاهر السيادة الفلسطينية في القدس،حيث منعت المخابرات الإسرائيلية وزير القدس المهندس الحسيني من السفر لبيروت للمشاركة  في مؤتمر حول وكالة الغوث لمدة ثلاثة شهور واحتجزت جواز سفره،وكذلك كان هناك قرار من قائد المنطقة الوسطى بمنع محافظ القدس  عدنان غيث من دخول الضفة لمدة ستة شهور وقرار آخر  من ما يسمى بقائد المنطقة الداخلية والقائد العسكري قراراً يقضي بعدم التواجد أو الحضور أو الاتصال بشكل مباشر أو غير مباشر مع مجموعة أسماء لشخصيات فلسطينية من القدس وخارجها،واعقب ذلك قيام مخابرات الاحتلال بإقتحام مقر وزارة التربية والتعليم ومدرسة دار الأيتام في البلدة القديمة من القدس،حيث جرى مصادرة عدة أجهزة حاسوب وكاميرات المراقبة،ناهيك عن عمليات التكسير.

في إعتقادي الجازم بان الاحتلال وأجهزة مخابراته،لكي ينهوا دور ووجود وعمل وزارة القدس ومحافظتها في المدينة،وأي مظهر سيادي فلسطيني أخر يعملون على أكثر من إتجاهه،ليس فقط من خلال الإقتحامات والترهيب  والإعتقالات وأوامر الإبعاد والمنع من السفر وغيرها،بل هم يوظفون قضية اعتقال المدعو عصام عقل عند السلطة لخدمة أهدافهم السياسية والأمنية،وكلما خف الإهتمام بقضايا تسريب العقارات والأراضي في المدينة،يوعزون لجهات معينة ،من أجل إثارة القضية من جديد،وبرمجة العقل المقدسي وتطويعه فيما يخدم الهدف الذين يريدون الوصول اليه،لأن لهم مصلحة في إستمرار خلط الأوراق وبث الفتن والخلافات والإتهامات في أوساط المجتمع المقدسي،وهم يحركون أدواتهم واذرعهم في هذا الجانب،وهذا يتطلب ليس فقط توعية وتحذير المقدسيين باهداف وطبيعة المخطط المشبوه لضرب وحدتهم ونسيجهم المجتمعي وحالتهم المعنوية،بل لا بد من الإسراع في نشر نتائج لجنة التحقيق التي شكلها رئيس الوزراء،لكي تقطع الطريق على إستمرار هذا المسلسل ،فهو حلقة في الحرب الشاملة والمستمرة التي يشنها المحتل على المقدسيين.

 

القدس المحتلة – فلسطين

2018-11-22