الخميس 13/10/1444 هـ الموافق 04/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
كيف تُبنى الامم؟....مهند طلال الاخرس

 تَعوّد ان تقوم بواجبك وأكثر قليلاً وسيأتيك المستقبل من تلقاء نفسه، وكن واثِقا بالله وبنفسك وبحتمية النصر والايمان المطلق بقدرة عجلة التاريخ على الدوران وانها تنصف الانسان بصفته الانسانية وبأنها تنتصر له كلما اقترب من الانسانية اكثر والتصق بفطرته السوية بشكل اكبر، وكن على ثقة ان الله يمهل ولا يهمل وان على الباغي تدور الدوائر، وان الضوء دائما يكمن خلف الافق وان النور في آخر النفق. لكن عليك انت ان تعلي الهمم وان تبحث عن كل ما هو ايجابي وجميل، وتراث الامة (اي امة) مليء بحجم التجارب التي تحتوي كل معاني العنفوان والعز والانفة التي تبقى على مدى التاريخ في عقول ابنائها وان اعتلاها الغبار، فحتما عند لحظة مقدسة من الزمان يأتي الفرج وينبلج النور من رحم العتمة بعد ان ظن الجميع ان كل شيء منذر بالخراب. وعند البحث في تاريخ الامة(اي امة) تجد فيها اروع القصص والتي تشكل معينا لا ينضب ونهرا يتدفق باستمرار ليملئنا بالعفة والحكمة والوقار ويمنحنا كل اسباب البقاء والاستمرار ويبث فينا العزم والقدرة على تخطي كل اسباب الشقاء والفناء. فعلى مدى كل العصور والازمنة تنتج الامة اروع القصص التي ما تلبث ان تُجدد نفسها في كل العصور التزاما بالقوانين الالهية التي تحكم الطبيعة وتنتصر للانسان في كل اطواره وازمانه وتحفظ الامم من الاندثار وتبث فيها ما يدفعها للامام ويُخرجها من وسط الزحام والركام وكأن هناك من يبث في مسامعها متلازمة ابدية :انتم امة عصية على الاندثار فبتاريخكم الكثير الكثير مما يكفي ليبقيكم على قيد الحياة ويجعلكم جديرين بالبقاء والاستمرار؛ لكن عليكم ان لا تقنطوا ولا تيأسوا وان تستفيقوا فالمستقبل لا ينتظر الاوباش، ومن هنا قالوا قديما :" انما الامم الاخلاق ما بقيت فإن ذهبت اخلاقهم؛ ذهبوا - كان البعضُ من بائعي اللبن يخلط اللبن بالماء، واشتكى المسلمون من هذا الامر، فأمر الخليفة عمر بن الخطاب بإرسال أحد رجاله ينادي فى بائعي اللبن بعدم الغش وعدم خلطه بالماء، ودخل المنادي إلى السوق وقال: يا بائعي اللبن لاتخلطوا اللبن بالماء ومن يفعل ذلك؛ فسوف يتم معاقبته. وفي ليلة من الليالي، خرج عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- مع خادمه أسلم ليتفقد أحوال المسلمين ليلا، وقرر ان يستريح من التجوال بجانب جدار، فإذا به يسمع امرأة تقول لابنتها: اخلطي هذا اللبن بالماء. فقالت ابنتها: يا امي، اما علمتي بأمر امير المؤمنين اليوم؟ قالت الأم: وما كان أمره ؟

قالت الابنه: إنه ارسل مناديا يقول: لا يخلط اللبن بالماء. فقالت الأم: يا ابنتي، قومي بخلط اللبن بالماء في موضع لا يراك فيه عمر، ولا منادي عمر. فقالت الابنة: واللَّه ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، إن كان عمر لا يرانا، فرب عمر يرانا. وعندما سمع عمر بن الخطاب ذلك، أعجب بالفتاة لتقواها. وقال: يا أسلم، علِّم الباب، واعرف الموضع. ثم ذهب فلما أصبح قال: يا أسلم، اذهب إلى الموضع فانظر من القائلة ؟

ومن المقول لها ؟

وهل لهما من بعل (اي هل هي متزوجة). فذهب أسلم إلى المكان، فوجد امرأة عجوزًا، وابنتها أم عمارة، وعلم أنْ ليس لهما رجل، ثم رجع الي عمر واخبره. فدعا عمر أولاده، فقال: من منكم يحتاج إمرأه ليتزوجها، ولو كان بأبيكم حَركة إلى النساء ما سبقه منكم أحد إلى هذه الجارية. فقال عبد اللَّه بن عمر: لي زوجة. وقال أخوه عبد الرحمن: لي زوجة. وقال ثالثهما عاصم: يا أبتاه لا زوجة لى فزوِّجني. فأرسل عمر إلى الجارية فزوّجها من عاصم، فولدت هذه البنت ابنة اصبحت أمَّا لعمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس -رضي اللَّه عنه . وهي أم عمارة بنت سفيان بن عبد اللَّه بن ربيعة الثقفي التي سيذكرها التاريخ دوما، لخوفها من اللَّه تعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور... - وضع أحلامه في امرأة شقراء بيضاء تسر الناظرين ! ولكن عندما تزوجها وكشف عن وجهها وجدها ليست جميلة ! فهجرها في ليلة الزفاف واستمر الهجران فلما استشعرت زوجته ذلك ذهبت إليه وقالت يا أنس {لعل الخير يكمن في الشر} وأتم زواجه ولكن في قلبه ذلك الشعور بعدم الرضا عن شكلها. فهجرها مره ثانية ! ولكن هذه المرة هجرها عشرين سنة ولم يرَ إن كانت زوجته حملت منه. وبعد عشرين عاماً رجع إلى المدينة حيث يوجد بيته ، وأراد أن يصلي فسمع إماما يلقي درسا فجلس وسمع حديثه فأعجب به وانبهر منه فسأل عن اسمه فقالوا: هو الإمام مالك فقال : ابن من هو ؟ فقالوا ابن رجل هجر المدينة من عشرين عاما اسمه أنس فذهب إليه أنس وقال له سوف أذهب إلى منزلك وسأقف على الباب وقل لأمك رجل أمام البيت يقول {لعل الخير يكمن في الشر}. فلما ذهب وقال لأمه قالت أسرع وافتح الباب إنه والدك أتى بعد غياب. لم تذكر أباه طول فترة غيابه بالسوء فكان اللقاء حارا وكان ابنه هو مالك بن أنس رضي الله عنه خادم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وراوي أحاديث الرسول الصحيحة. - ظل نجم الدين أيوب ـ أمير تكريت ـ لم يتزوج لفترة طويلة، فسأله أخوه أسد الدين شيراكوه قائلًا: يا أخي لماذا لا تتزوج؟

فقال له نجم الدين: لا أجد من تصلح لي، فقال له أسد الدين: ألا أخطب لك؟

قال من؟

قال: ابنة ملك شاه ـ بنت السلطان محمد بن ملك شاه السلطان السلجوقي، أو ابنة نظام الملك كان وزيرا من الوزراء العظام الوزير العباسي، فيقول له نجم الدين قائلًا إنهم لا يصلحون لي، فيتعجب منه أسد الدين شيراكوه، فيقول له: ومن يصلح لك؟

فيرد عليه نجم الدين قائلًا: إنما أريد زوجة صالحة تأخذ بيدي إلي الجنة وأنجب منها ولدا تحسن تربيته حتى يشب ويكون فارسًا ويعيد للمسلمين بيت المقدس، في ذلك الوقت كان بيت المقدس محتلًا من قبل الصليبين، وكان نجم الدين وقتها في العراق في تكريت بينه وبين بيت المقدس مسافات شاسعة، ولكن قلبه وعقله كانا معلقين في بيت المقدس، وكان هذا هو ما حلمه أن يتزوج زوجة صالحة ينجب منها فارسًا يعيد للمسلمين بيت المقدس، فأسد الدين لم يعجبه كلام أخيه فقال له: ومن أين لك بهذه؟ فرد عليه نجم الدين: من أخلص لله النية رزقه الله المعين، وفي يوم كان نجم الدين يجلس إلي شيخ من الشيوخ في مسجد في تكريت يتحدث معه، فجاءت فتاه تنادي على الشيخ من وراء الستار، فاستأذن الشيخ من نجم الدين ليكلم الفتاة، فيسمع نجم الدين الشيخ وهو يقول لها: لماذا رددت الفتى الذي أرسلته إلي بيتكم ليخطبك؟

فقالت له الفتاة: أيها الشيخ ونعم الفتى هو من الجمال والمكانة ولكنه لايصلح لي، فقال لها الشيخ: وماذا تريدين؟

فقالت له: سيدي الشيخ أريد فتى يأخذ بيدي إلي الجنة وأنجب منه ولدًا يصبح فارسًا يعيد للمسلمين بيت المقدس ـ الله أكبر نفس الكلمات التي قالها نجم الدين لأخيه هي نفس الكلمات التي تقولها الفتاة للشيخ ـ ونجم الدين قد رفض بنت السلطان وبنت نظام الملك بما لهما من المكانة والجمال، وكذلك الفتاة رفضت الفتي الذي له من المكانة والجمال ماله، كل هذا من أجل ماذا؟ لأن كلا منهما يريد من يأخذ بيده إلى الجنة ومن ينجبان منه فارسًا يعيد للمسلمين بيت المقدس، فقام نجم الدين ونادى على الشيخ أيها الشيخ: أريد أن أتزوج من هذه الفتاة، فقال له الشيخ: إنها من فقراء الحي، فقال نجم الدين: هذه من أريدها، أريد زوجة صالحة تأخذ بيدي إلى الجنة، وأنجب منها ولدًا يصبح فارسًا حتى يعيد للمسلمين بيت المقدس: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها ـ فتزوج نجم الدين أيوب من هذه الفتاة ست الملك خاتون، وبالفعل من أخلص النية رزقه الله المعين، فأنجب نجم الدين ولدًا أصبح فارسًا أعاد للمسلمين بيت المقدس هو: صلاح الدين الأيوبي - عندما كان صــلاح الدّيــن صغير و يلعب مع الصّبية في الشّارع ، شاهده أباه فأخذه من وسط الأطفال ورفعه عالياً بيديه - وكان أباه رجل طويل القامة - و قال له : ما تزوجت أمك و ما أنجبتك لكي تلعب مع الصبية !! ولكن تزوجت أمك و أنجبتك لكي تحرّر المَسجـد الأقصـَــى !! وتركه من يده فسقط الطفل على الأرض .. فنظر الأب إلى الطفل فرأى الألم على وجهه فقال له : آلمتك السقطة ؟ قال صلاح الدين : نعم آلمتني ! فقال له أباه : لِمَ لم تصرخ ؟ قال له : ما كان لـ مُحــرّر الأقصى أن يصرخ ! - كانت أم محمد الفاتح تُربي ولدها وتقول له: أترى تلك؟؟ وتُشر إلى القُسطنطينية؛ فيجيبها: نعم أراها يا أماه. فترد عليه: وعد رسول الله ﷺ أن يفتحها فارسٌ.. وأنا أراكَ ذاكَ الفارس فاتحاً لها. وما أن جاء اليوم المشهود .. فكان "محمد الفاتح" فاتحاً للقُسطنطينية. - " لا يضر الشاه سلخها بعد ذبحها " تلك هى الجملة التى قالتها أسماء بنت أبي بكر عندما جاء إليها ابنها " عبد الله " ليودعها الوداع الأخير حيث إنه كان من معارضي الحكم الأموي وكان يحارب الأمويين وكان قائد الأمويين فى ذلك الوقت قائد عنيد يدعى " الحجاج بن يوسف الثقفي " واستطاع بقوته و ذكائه أن يسترد قواه وملكه بعدما قد سيطر على البلاد " عبد الله " ولكن دارت حروب دامية بين جيش " عبد الله " وجيش " الحجاج " ومات كثير من جيش " عبد الله " واستمر " الحجاج " فى مطاردته حتى وصل إلى العاصمة " مكة المكرمة " واستولى عليها حتى لم يبقى أمامه سوى المسجد الحرام والبيت العتيق الذى اتخذه مقرا لقيادته ثم دعاه " الحجاج " وقد تغلب عليه إلى الاستسلام وله ما يريد من المال والاراضي ومتع الحياة والعيش الناعم المريح لكنه أبى وامتنع وصمم على القتال حتى الموت أو النصر ولكن اشتد الحصار على ابن الزبير واستطاع قبل الفجر التسلل فى الخفاء ليذهب إلى أمه ليودعها الوداع الأخير وطرق الباب ودخل وما إن سمعت الأم صوته حتى فتحت له ذراعيها وحضنته ثم اضطجعت فى فراشها ودار بينهما حوار وهو كالتالى عبد الله : كيف تجدينك يا أماه؟ أسماء : ما أجدنى إلا شاكية فداعبها ولدها قائلا : إن فى الموت لراحة ! أسماء : لعلك تتمنى الموت لى ! عبد الله : لا والله يا أماه ما أتمناه ولكن .... أسماء : وماذا بعد ولكن ..... اسمع يا عبد الله لا أحب أن أموت إلا بعد أحد الأمرين إما أن تنتصر على أعدائك ، أو أن تموت وأحتسبك عند الله. ساد الصمت بينهما قليلا ثم أخذ يشكو لها بمرارة خروج أصدقائه عليه والأعداء عرضوا عليه المال والجاه إن هو استسلم . أسماء : أو تستسلم ؟!! يا بني أنت أعلم بنفسك إن كنت على حق أو تدعو إلى حق فاصبر عليه فقد قتل أصحابك عليه وإن كنت أردت الدنيا فلبئس العبد أنت أهلكت نفسك وأهلكت من معك كم خلودك فى الدنيا ؟ والله لضربة سيف فى عز خير من ضربة سوط فى مذلة. عبد الله : أخاف يا اماه إن مت أن يمثلوا بجسدي أسماء : وهل يضر الشاه سلخها بعد ذبحها فاقترب عبد الله وقبلها فى جبينها وقال : هذا والله رأيى ما رجعت عنه ولكنى أحببت أن أعلم رأيك فزدتني بصيرة فانظري يا أماه فإني مقتول فى يومي هذا فلا يشتد حزنك وجزعك على وسلمي الأمر لله حبست الأم دموعها وتغلبت على ما يخالجها من آلام ثم قالت :- إنى لأرجوا أن يكون عزائي فيك حسنا أخرج حتى أرى ما يصير إليه أمرك ثم ضمته إلى صدرها وكانت الضمة الأخيرة ورفعت يدها إلى السماء وقالت : " اللهم إني قد سلمته لأمرك فيه ورضيت بما قضيت فقابلنى في عبد الله بثواب الصابرين الشاكرين" وقد استشهد عبد الله ومثّل بجسده وصلب على جذع نخلة على ثنية عند الحجون وعندما علمت أسماء جاءت إليه مسرعة وقالت للحجاج : أما آن لهذا الفارس أن يترجل ؟ الحجاج : تقصدين المنافق يا بنت أبا بكر؟ أسماء : لا والله ما كان أبدا منافقا ولكنه رضي الله عنه كان صواما بالنهار قواما بالليل بارا بوالديه والمسلمين. فأمر عبد الملك بن مروان بتنزيله ودفن وبعد ذلك بأيام توفيت أسماء وهي صابرة محتسبة مؤمنة رحمها الله ورضي عنها. - "من يمد قدمه لا يمد يده" دخل جبار الشام إبراهيم باشا بن محمد علي حاكم مصر المسجد الأموي في وقت كان فيه عالم الشام الشيخ سعيد الحلبي يلقي درسا في المصلين . ومر إبراهيم باشا من جانب الشيخ ، وكان مادا رجله فلم يحركها ، ولم يبدل جلسته ، فاستاء إبراهيم باشا، واغتاظ غيظاً شديداً ، وخرج من المسجد ، وقد أضمر في نفسه شراً بالشيخ . وما أن وصل قصره حتى حف به المنافقون من كل جانب ، يزينون له الفتك بالشيخ الذي تحدى جبروته وسلطانه ، وما زالوا يؤلبونه حتى أمر بإحضار الشيخ مكبلا بالسلاسل . وما كاد الجند يتحركون لجلب الشيخ حتى عاد إبراهيم باشا فغير رأيه ، فقد كان يعلم أن أي إساءة للشيخ ستفتح له أبواباً من المشاكل لا قبل له بإغلاقها. وهداه تفكيره إلى طريقة أخرى ينتقم بها من الشيخ، طريقة الإغراء بالمال ، فإذا قبله الشيخ فكأنه يضرب عصفورين بحجر واحد، يضمن ولاءه، ويسقط هيبته في نفوس المسلمين ، فلا يبقى له تأثير عليهم .

وأسرع إبراهيم باشا فأرسل إلى الشيخ ألف ليرة ذهبية ، وهو مبلغ يسيل له اللعاب في تلك الأيام ، وطلب من وزيره أن يعطي المال للشيخ على مرأى ومسمع من تلامذته ومريديه . وانطلق الوزير بالمال إلى المسجد ، واقترب من الشيخ وهو يلقي درسه ، فألقى السلام ، و قال للشيخ بصوت عال سمعه كل من حول الشيخ : هذه ألف ليرة ذهبية يرى مولانا الباشا أن تستعين بها على أمرك . ونظر الشيخ نظرة إشفاق نحو الوزير ، وقال له بهدوء وسكينة: يا بني، عد بنقود سيدك وردها إليه، وقل له: إن الذي يمد رجله، لا يمد يده. - فارس الخوريي في الجامع الاموي يوم أبلغه الجنرال غورو أن فرنسا جاءت إلى سورية لحماية …مسيحيي الشرق، فما كان من فارس الخوري إلا أن قصد الجامع الأموي في يوم جمعة وصعد إلى منبره وقال: إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سورية لحمايتنا نحن المسيحيين من المسلمين، فأنا كمسيحي من هذا المنبر أشهد أن لا إله إلا الله …فأقبل عليه مصلو الجامع الأموي وحملوه على الأكتاف وخرجوا به إلى أحياء دمشق القديمة في مشهد وطني تذكرته دمشق طويلا وخرج أهالي دمشق المسيحيين يومها في مظاهرات حاشدة ملأت دمشق وهم يهتفون لا إله إلا الله … وفارس الخوري في مجلس الامن: في اجتماع لمجلس الأمن كانت قد طلبته سوريا من أجل رفع الانتداب الفرنسي عنها ،جلس فارس ممثل سوريا في المجلس آنذاك(مع العلم أن فارس الخوري أحد مؤسسي مجلس الأمن)،في المقعد للنائب الفرنسي في مجلس الأمن ،فلما جاء النائب الفرنسي وجد فارس الخوري جالساً في المقعد المخصص له..أثار هذا الموقف غضبه وطلب من رئيس المجلس أن يأمر فارس الخوري بإخلاء المقعد بالمقعد المخصص لسوريا...وهنا كان رد فارس الخوري: (لقد جلست على مقعدك دقائق معدودة و تستحمل ذلك ،فما بالك و أنتم تجثمون على صدورنا منذ خمس و عشرون سنة..) وقد كان هذا الموقف من الدعائم الأساسية في مجلس الأمن لحصول سوريا على الاستقلال - عمر المختار والغرياني "الحاصلة سقيمة والصقر ما يتخبل" أثناء مكوث عمر المختار في السجن أراد المأمور رينسي وهو السكرتير العام لحكومة برقة في أمسية الرابع عشر من سبتمبر أن يُقحم الشارف الغرياني في موقف حرج مع عمر المختار فأبلغه بأن المختار طلب مقابلته أي الغرياني وأن الحكومة الإيطالية لا ترى مانعًا من تلبية طلبه. وذهب الشارف الغرياني إلى السجن لمقابلة المختار وعندما التقيا خيم السكوت الرهيب ولم يتكلم المختار فقال الشارف الغرياني مثلًا شعبيًّا مخاطبًا به المختار :"الحاصلة سقيمة والصقر ما يتخبل". وماكاد المختار يسمع المثل المذكور حتى رفع رأسه ونظر بحدة إلى الشارف الغرياني وقال له: الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه وسكت هنيئة ثم أردف قائلًا ربِ هب لي من لدُنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا أنني لم أكن في حاجة إلى وعظ أو تلقين أنني أومن بالقضاء والقدر وأعرف فضائل الصبر والتسليم لإرادة الله أنني متعب من الجلوس هنا فقل لي ماذا تريد؟

وهنا أيقن الشارف الغرياني بأنه غرر به فزاد تأثره وقال للمختار ما وددت أن أراك هكذا ولقد أرغمت نفسي للمجيء بناءً على طلبك فقال المختار كالجبل الشامخ: أنا لم أطلبك ولن أطلب أحدًا ولا حاجة لي عند أحد ووقف دون أن ينتظر جوابًا من الشارف الغرياني وعاد اللغرياني إلى منزله وهو مهموم حزين وقد صرح بأنه شعر في ذلك اليوم بشيء ثقيل في نفسه ما شعر به طيلة حياته. ولما سُئل الشارف الغرياني عن نوع الثياب التي كان يرتديها عمر المختار أهي ثياب السجن أم ثيابه التي وقع بها في الأسر كان جوابه بيتان من الشعر: عليه ثياب لو تقاس جميعها بفلسٍ لكان الفلس منهن اكثرا وفيهن نفس لو تقاس ببعضها نفوس الورى كانت أجل وأكبرا وعمر المختار والضابط الايطالي"السبابة التي تشهد ان لا اله الا الله لا يمكن ان تكتب الباطل. عندما استجوب الضباط الايطالي عمر المختار على اثر اسره في احد المعارك ضد المستعمر الايطالي انظر ماذا قال عمر المختار وكيف بقي هذا الحوار والموقف خالدا في التاريخ. سأله الضابط: هل حاربت الدولة الايطالية؟

عمر المختار: نعم وهل شجعت الناس على حربها؟ نعم وهل أنت مدرك عقوبة مافعلت؟

نعم وهل تقر بماتقول؟

نعم منذ كم سنة وأنت تحارب السلطات الايطالية؟

منذ عشر سنين هل أنت نادم على مافعلت؟

لا هل تدرك أنك ستعدم؟

نعم فيقول له القاضي بالمحكمة: أنا حزين بأن تكون هذه نهايتك فيرد عمر المختار: بل هذه أفضل طريقة أختم بها حياتي. فيحاول القاضي أن يغريه فيحكم عليه بالعفو العام مقابل أن يكتب للمجاهدين أن يتوقفوا عن جهاد الأيطاليين ، فينظر له عمر ويقول كلمته المشهورة: (إن السبابة التي تشهد في كل صلاة أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ، لايمكن أن تكتب كلمة باطل). انا على يقين دائما بانه ليس هناك ما هو أفضل من تجديد الأمل في النصر وفي المستقبل فإياكم والإحباط؛ فإن المحبَطين لا يُغيِّرون، واليائسين لا ينتصرون وأن في العلاقة الإنسانية بين افراد الامة ما يحيي التفاؤل في النفس، ويعطيها الثبات، للمضي في طريقها في ظروف حرب أو صراع، حيث تكون الغلبة فيه للمجالدة والصبر والعزيمة وللأكثر قدرة على الديمومة والاستمرار ومراكمة الانجاز ومقاومة الخراب، فلا يولد الجنين دون ألم ولا ينبلج النهار إلا من رحم العتمة وإنا لنراها قريبة وانا لصادقون فنحن نعلم ان اشد ساعات الليل حلكة هي التي تسبق الفجر.

هنا يكمن غرس البذرة وتنميتها وتحفيزها تجاه القيم والأسس السليمة للتربية، وهكذا تنهض الامم وتنفض عن نفسها غبار الاحباط والتقاعس والقنوط وتبني الغد وتصنع المستقبل. فالآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات واصحاب الراي والنخبة والصفوة والطليعة وقادة المجتمع في شتى المجالات يغرسو أنبل ما فيهمَّ .. حتى تقطف الامة والمجتمع أجمل ما فيهم لهذا كله وأكثر قالوا منذ القدم" الحياة كلها وقفة عز فقط".

2018-12-06