الأحد 12/10/1445 هـ الموافق 21/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
من ديوان حنين الهزار للشاعرة سعاد قرمان (1995)- الجزء الأول

ملح الجراح ... سعاد قرمان

صديقتي.. بالرّغم من آلامنا الكثيرة

بالرّغم من ملحٍ يُرَصُّ في الجراح

بالرّغم من ضياعِنا

وأدمُعٍ أسيرةٍ

تأبى انطلاقًا .. ترفُضُ البُواح

لا زالَ في الآمال واحةً صغيرة

تضُمُّ في أهدابها الأقاح!

البيتُ المهجور/ سعاد قرمان

"إلى أحبّتنا الّذين تفصلنا عنهم أمتارٌ قليلة قهرتنا، ومحيطاتٌ شاسعة قهرناها"

حان الرّحيل أُمَيْمتي وطوى أحبّتُنا المتاعا

وطوَوْا بهِ أفراحنا.. وتحدّرَ الدّمع التياعا

لكنّني أمسكته وخنقت في قلبي الصّراعا

ورسمتُ في شفتي ابتسامةَ هانئٍ رامَ الوداعا

كي لا تُراعي يا حبيبة إذ ترَيْنَ بي ارتياعا

فالعمرُ في سُبُلِ الضّياع يَسيرُ قهرًا وانصياعا

أحبابنا يا أُمُّ.. كيف تراهُمُ ابتعدوا وساروا؟

دارتْ بهم أيّامهم، ونبا بهِمْ عنّا المزارُ..

البيتُ أصبح موحشًا.. وعلا زواياه الغبارُ

والشّرفةُ الخضراءُ مذ غابوا عراها الاصفرارُ

لا هندُ.. لا بُشرى.. ولا كاسٌ يُصَبُّ ولا يُدارُ

وأنا وأنتِ وحيدتانِ وذكرياتٌ وانتظارُ

هذا قميصُ حبيبتي أختي، أشمُّ العطرَ فيهِ

وهنا كتابُ أخي الّذي شدَّ الرّحالَ إلى أخيهِ

ومن الجدارِ تُطلُّ صورةُ راحلٍ.. مَن لي بفيهِ

يُلقي النّكاتِ كعهدِهِ، ويُثيرُ بهجةَ سامعيهِ؟

راحوا.. ترى مَن مِنهم سأراهُ بعدُ وألتقيهِ؟

راحوا.. وظلَّ البيتُ يَشكو في حنينِ هاجريهِ!!

على القِممِ/ سعاد قرمان

صمتٌ.. هدوءٌ حالمٌ يُسربلُ السّماء

نجتاحُهُ، نَغوصُ في أعماقِهِ

كذائباتِ الثّلج .. تَهوي

قطرةً.. فقطرةً عن الرّبى الشّمّاء

وتنحني .. لتلتقي سيْلًا قويًّا هادرا

يُصارع الصّخور.. والجبالَ.. والفضاءْ

تشدُّني القِممْ!

تهزُّني ألحانُها خفيّةُ النّغم

أجوبُها.. أتيهُ في غمامةٍ بيضاءْ

لطيفةُ الشّذى .. نقيّة السّناء

تُزيلُ عن نفسي .. رواسبَ الأسى

وتغسلُ الآلام من منابع الشّقاء!

حلمٌ أنا

يَسري بقلبِ طامحٍ .. للحُبِّ والجَمالِ والهناءْ

حُلمٌ يُراودُ المُنى .. يبعثُها انتفاضةً خضراءْ

تَسعى إلى الحياةِ في مَرابعِ الرّخاء!

أمُدُّ ناظريَّ للمَدى البعيد..

في كلِّ قطر إخوتي

يُصارعونَ الجورَ في مَلاجئِ التّشريد

كذائباتِ الثّلجِ .. في مَسارِها العنيدْ

تُلاطمُ الصّخور والسُّدودَ والفضاءْ

وتَستوي .. لِتلتقي في واقعٍ سعيدْ

تعتصرُ الحياةَ

مِنْ شَرائعِ السّماء!

البعث/ سعاد قرمان

عندما ينسابُ نهرُ اليأسِ في عُمقِ المغارة

تَمَّحي مِن عالمِ الضّوء رُؤاه

وتُحيطُ الظّلّمةُ الدّكناءُ كاللّيلِ نهارَه

تَسلبُ العمرَ مَداه .. وتُحيلُ العيشَ بؤسًا ومرارة

ما الّذي يَحلو لقلبي يومَها

غيرُ نوْمٍ قاتلٍ .. لا صَحْوَ فيهِ أو بشارةْ؟

عندما أبحثُ عن أحبابِ قلبي

فأراهم في هواهِم يرتعون

كلُّهُم لاهونَ في غمرّة ميْدانِ التّجارة

يَدَّعونَ الحُبَّ والقلبُ سَلاه .. ويُراؤونَ نِفاقًا ودَعارة

ما الّذي يَحلو لقلبي يومَها

غيرُ نوْمٍ قاتلٍ .. لا صَحْوَ فيهِ أو بشارةْ؟

عندما تعصفُ في كهفي الرّياح

وظلامُ الويْلِ يَستلقي على جفنِ الصّباح

وأرى حوْلي مَن يرتعُ في بئرِ القذارة

خُدّرتْ أرواحُهُم في رصْدِ ربحٍ أو خسارة

ما الّذي يَحلو لقلبي يومَها

غيرُ نوْمٍ قاتلٍ .. لا صَحْوَ فيهِ أو بشارةْ؟

غيرَ أنّي عندما هَبَّ النّيامْ

يُشعلونَ النّورَ في قلبِ الظّلّام

ويَذودونَ عن العِرضِ بأكوامِ الحجارة

مَسحوا عن مُقلتِي دَمعَ المَرارة

وأعادوا لي حنينًا للحياة

بتُّ كالطّفل الّذي مقلاعُهُ صَدَّ الغُزاة

باعثًا في الكوْنِ صحوًا.. وبشارة!

يا ليل

سعاد قرمان

محزونةٌ يا ليلُ، لا تزرعْ سوادَكَ في دمي

دعْ فيهِ لونَ الأرجوانِ، وضَعْ بريقَ الأنجمِ

واترْكْ لقلبي خفقةَ الأملِ الخفيِّ المُبهَمِ

واجعلْ هدوءَكَ بلسمًا للرّوح، أحلى بلسمِ!

أهفو إليك كتوأمٍ يسعى للُقيا التّوأم

وأحنُّ للظّلماءِ تُخفي حسرتي وتألّمي

فتلفُّني بغلالةٍ .. وتضمُّني بتكتُّمِ

وتبثُّ في جسدي ارتياحًا بعدَ طول تبرُّمِ

فأُسَرّحُ الشّوقَ الدّفينَ مِنَ الفؤادِ المُفعَمِ

وأعود يا ليلَ التّأمُّلِ للهدوءِ المُلهمِ

وأفيضُ في بثّي إلى الأحبابِ سِرَّ تألّمي

فأنِرْ إلهي دربَهم مِن كلِّ جهلٍ مُظلمِ

وأَعِدْهُم لي سالمينَ.. مُكلَّلينَ بمَغنمِ!

ضياع.. سعاد قرمان

جُنَّ خوْفي

وَبَرى الشّكّ فؤادي

وتعالتْ في كياني العاصفة..

وعَلا في مُهجتي

صوتٌ .. يُنادي

ويُدوّي في سمائي الرّاجفة

مَنْ أنا؟

يا ربّ.. يا ربّ..

بل يا رَبِّ قُلْ لي

كم أنا

في عُمق أعماقي..

وفي أصداء ذاتي الخائفة؟

 

لا تُطفئ الشّمس

سعاد قرمان

 

لا تُطفئِ الشّمس .. بل لمْلِمْ جوانحَها

وصُبَّ منها شعاعًا .. في مآقينا

لا تُطفئِ الشّمسَ .. بل لمْلِمْ جوانحَها

ورُشَّ منها بِذارًا .. في بوادينا

لا تَقطفِ الزّهرَ .. بل داعبْ براعمَهُ

وامسحْ بثغرِكَ .. أحداقًا تُناجينا

فكلُّ نرجسةٍ .. بالحُبِّ خأفقةٌ

والأقحوانُ عيونُ السّحر تُصْبينا

اِحرقي يا شمسُ وجهي .. علَّ روحي تتطهّر

واضرمي القلبَ لهيبًا .. فيهِ عزمي يَتبلور

طالَ في الظّلّ رقادي .. وصدى صوتي تبعثر

فمتى ينجابُ ليلي .. ومتى بالحقِّ أجهر؟

أنا والتّتار/ سعاد قرمان

انا أزرعُ الكلماتِ

في التّاريخِ .. في قلبِ الضّمير

أنا أبذُرُ الأفكارَ في النّبضاتِ

في وعيِ الصّغير

أنا أعشقُ الأزهارَ .. أرمقُها كطفلٍ في سرير

وأرأفق الأطيارَ .. أرسُمُ ظلَّها فوقَ الغدير

انا بنتُ فلّاحٍ .. يشقُّ الصّخرَ في حَرِّ الهجير

بندى الجبينِ روى التّرابَ .. وزرَعَهُ أملٌ كبير

والقلبُ كالزّيتونِ إيمانُا.. وموسمُهُ نضير

عيناهُ شامختانِ

للأفق المٌوًشّى بالعبير:

"أسلافُنا زرعوا .. ونزرعٌ للبنينِ وللدّهور"!

في غفوةِ التّاريخِ أو في غفوتي

هجَمَ التّتار .. على سياجِ حديقتي

اغتصبوا السّحابَ .. ودمّروا الأعشاش

وانتهكوا حِمى زيتونتي..

يا قاتلينَ براءتي .. ومُمزّقينَ وداعتي

ومُمرّغينَ بوحْلِ ويلاتِ الشّقاءِ

طفولتي

لن تنزعوا عنّي هُويّتي العريقة

فهي ميراثُ العصورْ

وأنا هنا

في الصّبرِ .. في الزّيتونِ

في النّسماتِ

في نبض الصّخورْ!

تَحَمَّلْ/ سعاد قرمان

أجوبُ أجوبُ.. أهيمُ.. أصيحُ.. أقولُ سأرحل!

كرهتُ المهانةَ.. عِفتُ المَذلّة

وفاضَ الأسى بفؤادي المُعلّل

سأمضي بعيدًا عن القهرِ .. عن كلِّ مأساة شعبي المُكبّل

لأرتاحَ في بلدٍ أجنبيٍّ .. بعيدٍ.. رخيٍّ

كريمِ الوفادةِ.. سَمِحٍ هَنِيٍّ.. فأسعى، وأعمل

وتَلقى جهودي مجالًا فسيحًا .. وأحيا مدلّل!

ولكنَّ قلبي يصيحُ حذارِ .. تَرَوَّ... تَعقّل!

أتتركُ أرضّ الجدودِ الحبيبة

مهدَ الطّفولةِ طوْعًا.. وترحل؟

أتنزعُ جسمَكَ مِن روحِهِ.. وأحلامِ عمرِكَ .. ذكرى هواكَ

أحقًّا تُجافي الرّبوعَ.. وترحل؟

أتحيا بدون شذاها بعيدًا؟

ستبكي إذا أزهرَ البرتقالُ

وإنْ فاحَ عطرُ الخزامى ستُقتل!

وتقضي حنينًا لشاطئِ حيفا

وكلُّ الجبالِ بعينيْكَ كَرْمِل!

أحقًّا ستنزعُني مِن بلادي .. وتحلُمُ أنّي سأحيا مُدلّل؟

هي الأيّامُ يا صاحبي

إنْ قسَتْ عليكَ .. فحُبُّكَ أوفى وأشمل

معاذ الهوى أن أكونَ بعيدًا .. وأحيا سعيدا..

صديقي.. تَحَمَّلْ!!

مُنيَتي/ سعاد قرمان

مُنيَتي أن نتّفقْ..

مُنيَتي أنْ نملأَ الدّنيا وئامًا .. وجمالًا وألقْ

مُنيَتي أن نغمرَ الأرضَ فِعالًا

لا نشيدًا وأهازيجَ حماسٍ وحكايا تَنسحِق

فجُذوري اقتُلِعتْ مِن أرضِها

وتراثي يَحترقْ

مُنيَتي أن تستفيقَ بنا الحَمِيّة .. فعذارنا يُعَرَّيْنَ بأيدٍ همجيّة

وفناءُ المسجدِ الأقصى تُخَضِّبُهُ .. دماءُ شبابِنا الغُرِّ الزّكيّة..

وصحارى أقدسِ البُلدانِ .. داستْها النّعال الأجنبيّة

بينما نحنُ نُخاصِمُ ونُعادي بعضَنا باسْمِ القضيّة ..

نطلب العون من العادين .. من سلبوا كنوز بلادنا

يا لِلْخَزِيّة!

حنين/ سعاد قرمان

تجتاحُني.. وتَهُزُّ عُمقَ سريرتي

أطيافُ نجمٍ قد هَوى

ما جلجلَتْ أصداؤُهُ

أو ضجَّ في جوفِ السّماءِ إذِ انْطَوى

بلْ راحَ يَخبو في هدوءٍ قاتلٍ

ما حدَّ مَسْراهُ رجاءٌ أو جَوى

وتحوّلَتْ أنوارُهُ في مهجتي

نارًا تأجّجَ حرقةً بعدَ النّوى

تكوي فؤادي بالحنينِ لِبلبلٍ

بالشّوك شكَّ فؤادَهُ جُرحُ الهوى

وشدا يغرّدُ للحبيبِ غرامَهُ

ودماؤهُ روّى الورودَ خضابُها

حتّى ذوى.    

2018-01-01