الخميس 13/10/1444 هـ الموافق 04/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
درس في التاريخ .....بقلم: إيناس زيادة

لم أكن يوماً ممن يحبون درس التاريخ، إذ شعرت دوماً أنه رواية تُكتب حسب أهواء راويها، وفي عالمنا العربي، يعتري هذا التاريخ الكثير والكثير من المبالغات.  ووجدت لنفسي سبيلا آخر، فعوضاً عن كتاب التاريخ، اخترت التعرف على آداب الثقافات المختلفة فهي أصدق وصفاً لحال الأمم. فمن يؤلف رواية، يحاول من خلالها أن ينقل تجربته التي هي في معظم الأحيان حياة مواطنيه ومعاناتهم وآلامهم وأفراحهم.    

إلى أن جاء هذا اليوم الذي اكتشفت فيه أن فصلا كاملا في كتاب التاريخ لم أسمع عنه في حياتي مطلقاً وأنني لا بد كنت غائبة عن هذا الدرس. 

جاءت مفاجأتي هذه قبل أيام أثناء متابعة نقاش مع أحد جهابذة السياسة الذين تتسابق المحطات الإخبارية على استضافتهم وهو يجيب على سؤال حول أنفاق حزب الله التي اكتشفتها إسرائيل، وهل يمكن أن تتخذها إسرائيل ذريعة لشن حرب، فما كان منه إلا أن استشاط غضباً وهو يكمل لنا حلقة مهمة من حلقات التاريخ.  رد فعل بطولي جعلني استيقظ من غفلتي، وأتساءل متى كان ذلك؟  لماذا لم أعلم؟ 

قال الخبير الكبير أن لبنان سيحارب كما حارب سابقا وانتصر في القضاء على الاحتلال السوري والفلسطيني من قبله.

يا الله، متى كان ذلك، متى كنا نحن المحتل؟ 

منذ ذلك الحين بدأت نبش الكتب العتيقة عساني أجد أثرا لتلك الحقبة.  وجدت أن التاريخ غفل أن يذكر هذه المعلومة، رغم أن هناك بعض الإشارات عن الاحتلال الثاني والوجود السوري في لبنان.  أما الاحتلال الأول فيبدو أنه سقط سهواً من كتب التاريخ، ولم أجد للفلسطيني في لبنان أي أثر سوى في مخيمات ومجازر، أيا ترى جاء المحتل وسكن مخيماً ثم قرر أن ينتحر جماعيا ليمعن في اضهاد وتوريط الدولة التي يحتلها.  أي سيناريو عبقري هذا؟

كيف يمكن للمرء أن يتعلم ويبقى جاهلاً، يقرأ الأدب العالمي ويتعلم اللغات الأجنبية ويغفل أساسيات الأبجدية.

ما هذه إلا عينة من ثقافة عربية مشوهة، تسود في مشهدنا الراهن لتكتمل معها شروط التشرذم وانتشار الفوضى، ومقومات سيادة الآخر أصبحت، ومنذ زمن، كاملة، لكنها الآن مثالية، فلم يعد لدينا من مرجع، لا في تاريخ يجمعنا، ومتفق عليه، ولا في لغة واحدة، ولا حتى في أديان حقيقية. 

ومنذ أن أعلنت الماركسية أن الأديان ما هي إلا أفيون للشعوب، حتى تسارعت الأمم في نزع ثوب الدين الحقيقي، وفصلت لهم الأنظمة أديان بديلة تليق بهم ويسهل معها توجيه القطيع.  فالدين لا يغيب الأذهان، كما أراد ماركس أن يوحي، بل تحييها وتحيي الضمائر والإنسانية، في حين السلع التي تباع بحلة دينية هي طريق الضلال الحقيقي الذي يمكَن من توجيه الشعوب والتحكم بمصائرها.

بهذا أصبح للفلسطيني وسم جدا يضاف لقائمة طويلة من الأوسمة العربية الممنوحة له؛ فهو من باع أرضه، وهو العميل الخائن، وهو المتخاذل، وهو الذي دمر كل مجتمع حل فيه ضيفاً، وهو من استنزف أموال الشعوب لتصرف على قضية وهمية، وكثير كثير من الصفات، ولا ننسى أهمها وهو أنه المحتل الغاشم.

آه من الجهل.  هذه عاقبة من لا يقرأ التاريخ.

2018-12-24