الثلاثاء 11/10/1444 هـ الموافق 02/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
ترقيع الخيمة لن يحمينا من المطر ..... بقلم د . محمد عبد اشتيوي

 لقد مرت القضية الفلسطينية في محطات متتالية ومنعطفات خطيرة، ذهبت بكل تفاصيلها في محاولة لانهاك اركان ومعمدات الوجود الفلسطيني على هذه الارض الطاهرة لصالح الكيان الاسرائيلي ،وهو المتغير الفاعل في المنطقة العربية ككل خلال القرن الذي مضى، وبمتابعة صفحات التاريخ نجد بان اشكالاً عديدة من اساليب الاستهداف مورست للنيل ولتقويض قضيتنا الفلسطينية، كان اخر مخططاتها إحداث الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، من باب تعظيم المكاسب على حساب خسائر الخصوم، وفعلياً سجل التاريخ ان الاحتلال واعوانه نجحوا في فتق الكل الفلسيني وحولوه الى شراذم محزبة، وزرعوا بذور الفتنة والتفتيت في حنايا ثقافتنا الفلسطينية، وللاسف الشديد كنا كفلسطينيين ارضاً خصبة لتقبل تلك التفاعلات، ولنمو حالة من الكراهة والحقد لذواتنا، ومع تنامي حالة الانقسام الحاصلة بين اكبر فصيلين من فصائل العمل الوطني الفلسطيني ، تجد بان البون يتسع في مساحات الفكر والثقافة وحتى النظرة السليمة نحو الوطن، وهذا ما انطلى على اغلب المكونات الفكرية للشارع الفلسطيني ككل، حيث تجذرت حالة الصراع الوهمي في نفوس الطامحين نحو السيطرة والغلبة على الاخر حتى لو كانت على حساب قضيتنا والفلسطينية ككل  التنازل عن ثوابت طالما حافظنا عليها من قبل.
فنجد بان الإسرائيليين ومن لف لفيفهم يسعون الى تغذية وتعزيز الانقسام الحاصل فلسطينياً بكل الامكانات ، فإسرائيل من مصلحتها بقاء حركة حماس كحركة مسيطرة في قطاع غزة ولكن تريدها ضعيفة تحت سيطرتها الامنية والعسكرية، وكذلك الحال لحركة فتح في الضفة الغربية. 
وامام ذلك ظهرت حالة الترقيع السياسي والاجتماعي والانساني بأشكال متعددة خلال الفترة الماضية، وكان العالم وفي مقدمته اسرائيل يريد الفلسطينيين خلال هذه المرحلة كالخشب المسندة، لا تقوى على نصب قامتها تترنح نحو السقوط ما لم يسندها الاخرين، فكانت الادوار المتعددة والمتعاقبة للعديد من الدول لتلعب دور التسنيد  والترقيع الوهمي لقضيتنا ، وذلك من خلال اللعب على اوتار الحاجة الانسانية للشعب الفلسطيني سيما في قطاع غزة المحاصر، فتارة تذهب اركان السياسة الفلسطينية في اذيال قضية الكهرباء، وتارة في اذيال قضية المعابر، وتارة في اذيال قضية المساعدات الخارجية وتارة في قضية المياه وغيرها من الازمات التي يعاني منها قطاع غزة.
فحالات واشكال الترقيع متعددة، كان اخرها حالة المقايضة الواضحة بين إحداث الهدوء وانهاء ظاهرة البالونات الحارقة وتخفيف حدة المواجهة في مسيرات العودة مقابل إدخال سيولة مالية نقدية بطريقة مهينة لانعاش قطاع غزة عن طريق الوسيط القطري، وللأسف حالة الترقيع والتسنيد هذه لن تدوم طويلاً، وهذا ما يعلمه الاحتلال جيداً، وكأنه يدرك بان متطلبات الابقاء على حالة الانقسام وتعزيزها وتغذيتها يحتاج الى جرعات من الاسناد المؤقت، ويدرك تماماً بان استمرار تلك الحالة مرتبط باستمرار تقديم تلك الجرعات متعددة الانواع، ويتوجب علينا ان لا ننسى بان الاحتلال لا يقدم تلك الترقيعات والجرعات حباً فينا كفلسطينيين، ولكنه يعتمد على قاعدة تعظيم المكاسب امام إضعاف الخصوم، وهو فعلياً يعمل ليلاً ونهاراً لتعزيز وجوده على ارضنا وللأسف بأيدينا نحن الفلسطينيين من خلال اصرارنا ان نضعف جبهتنا الفلسطينية، وتعزيزنا للانقسام البغيض، واقصائنا لبعضنا البعض وعدم تقبلنا لبعضنا، وتعزيز ثقافة التفرد الحزبية العمياء، وتغييب مبدأ التكامل الوطني في كل النواحي والاتجاهات،
امام ذلك حري ان ندرك بان كل حالات الترقيع الحاصلة لن تغني عن ان نعيد التفكير في أدائنا الوطني، وان اي حالة من حالات الترقيع لن تجعل من الثوب الفلسطيني صالحاً لخوض غمار حالة التحرر الوطني، فعلينا ان ندرك بان قضيتنا الفلسطينية تحتاج الى اعادة تخليق للفكر الوطني والساسي بما يجعلنا قادرين على النهوض بحالة وطنية اكثر صحية من التي نعيش، فلن نخسر سوى القيد والخيمة. فترقيع الخيمة لن يحمينا من المطر.

 

2019-01-13