الخميس 9/10/1445 هـ الموافق 18/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الشباب الطموح يعاني من الجروح ....عزات جمال الخطيب

 واقع مرير ذلك الذي يعيشه الشباب في كثير من المجتمعات العربية، لابد من الاعتراف بذلك؛ إذ يكفي دليلا على ذلك أن الشباب في هذه المجتمعات يترك ليشكل حسب ما ترسمه ظروفه وبيئته المحيطة به، والمتفاوتة في جميع المجالات وعلى كافة الأصعدة: فهذا الجانب الفكري تتنازعه التيارات، وتكتنفه الحيرة وهو يتابع تلك الصراعات الدائرة في كافة جنبات الوطن الفكرية، وهو بعد لم يتسلح بمنطق يهديه، أو خبرة تعصمه، وهو كذلك لم يشف بعد من صراعه المرير مع تغيراته الفسيولوجية، إبان مرحلة النضج الجنسي، وحتى اكتمال تلك الفترة العصيبة.
شباب هم براعم الربيع لشجرة المجتمع، هم كالبذور المخفية في الزهور والنوى التي تحملها الثمار، وإن الحياة المشرقة والمزدهرة سوف تولد من هذه البذور والنوى، الشباب يعني المستقبل، ومستقبل أي أمة بدونهم يعتبر منعدماً. وإذا كان نقل قيم الأمة الإنسانية إلى الأجيال القادمة عبئا، فالحامل المقدس لهذا العبء هم الشباب.

 

وعلى إثره يجب ضمان وجود شباب أقوياء من كل الجوانب. شباب ذي أخلاق نبيلة، وقلوب شجاعة، وعقول واعية ومشرقة. يقول الراوي المعروف جورج دونالد: "تنتهي وظيفتنا في الحياة عندما نتوقف عن فهم الشباب". أي أن الشباب هو المجهول الذي يجب معرفته، وكلمة السر لباب المستقبل التي يجب إيجادها.
 

إذا قارنا هذا الزمان بالشجرة، فإن ماضيها هي الجذور، ومستقبلها هو الثمرة، وللحصول على ثمار ناضجة من شجرة هذه الأمة يجب أن نوجه الشباب إلى شمس الحق والحقيقة. يقول المؤرخ المعروف ويليام سنلمان: "التخلي عن الشباب كترك الحقل لوحده دون اهتمام، فينمو فيه الشوك والنبات الطفيلي"، أي أن روح الشباب يحتاج إلى عناية خاصة، ومشاعرهم، وأفكارهم، وأحاسيسهم تحتاج إلى اهتمام ومراقبة.
 

الذي يريد أن يفتح الدائرة الكهربائية لتنوير المجتمع، يجب عليه أن يأخذ مصابيح عقول الشباب ضمن أولوياته، حيث أن تطور المجتمع وازدهاره لا تتحققان إلا بتلك العقول
إن الأمة تبدأ بفقدان هويتها عندما ينحرف شبابها عن الأخلاق والسلوكيات الأصيلة، فتملؤهم الشهوات الهابطة، ظنا منهم أن هذه الشهوات تشبع ظمأهم فيكونون مثلهم كمثل العطشان في صحراء قاحلة يعرض عليه ماء البحر فيزيد عطشاً بدلا من إروائه، فعلينا أن نبعد الشباب عن هذه الغرائز والمسكنات الدنيوية الفانية كما نبعد النار عن البارود، لأن تدهور أوضاع الشباب وانحطاط أخلاقهم لا يدمرهم وحدهم وحسب، بل يسبب انحطاط الأمة بأكملها.

 

إن التربية والتعليم هما العنصران الأكثر أهمية في تنمية الشباب المثالي، وإذا لم تتبن مؤسسات التعليم منهج الإرشاد إلى القيم الأخلاقية والشعور بالأمة الواحدة فسيكون الشباب الناشىء في هذه الصروح التعليمية في عداد المفقودين. فالذي يريد أن يفتح الدائرة الكهربائية لتنوير المجتمع، يجب عليه أن يأخذ مصابيح عقول الشباب ضمن أولوياته، حيث أن تطور المجتمع وازدهاره لا تتحققان إلا بتلك العقول والأفكار الشبابية التي تنتمي إلى ثقافة أمتها.
 

وبناء عليه فإن الثقل الكبير يقع على عاتق المربين والمعلمين، إذ يجب عليهم أن يكونوا مثل الطير الذي أطلق جناحه لضم الشباب وتعزيزهم بالأمل والمثابرة، فلا يخفى علينا أن الشباب بحاجة إلى من يخاطب قلوبهم قبل عقولهم. إذن، آمالنا التي نريد تحقيقها في المستقبل تعتمد اعتماداً كلياً على كيفية بنائنا للشباب، وتوجيه سلوكهم وطريقة تفكيرهم ، فالشمس لن تشرق على مستقبل أمة فقد شبابها الأمل، والعزم، والغيرة والهوية، إذن سيعم الضباب، ويعمي أفقهم، ويريهم المستقبل غامضاً ومظلماً.
 

أما الثقل الأكبر فيقع على عاتق الشباب أنفسهم، حيث إن تثقيف وتطوير الذات عندهم أمر حتمي لابد منه والتي تترتب عليه أمور مطلوبة يجب أن يتم مراعاتها وتحديدها. فعلى كل شاب وشابة أن يقوموا بالتحليل الذاتي، وإثبات ما يمكنهم القيام به، لأنه مع تقدم العمر يجب التركيز على المجالات الذي سيتم التعمق بها، وبالتالي تكثيف الجهود عليها. وفي نفس الوقت تشخيص الأسباب التي تشكل عائقاً أمام نموه، وترقيته، وإيجاد السبل التي يمكن من خلالها التخلص من تلك الموانع بصورة تدريجية.

العنوان " الشباب الطموح يعاني من الجروح 
بقلم الكاتب : عزات جمال الخطيب
عضو مجلس ادارة الهيئة العامة الفلسطينية للكتاب 

2019-02-28