السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
في مدرسة بادية القدس...تحسين يقين

لا فرحة مثل الدخول إلى مدارس التحدي!

هو تحد حقيقيّ، وتحدّ جميل للإنسان في الإصرار ليس على البقاء فقط، بل البقاء الإبداعي المقاوم والإنساني.

ها نحن ندخل المدرسة، التي تشعّ بجمالها وسط تجمع بدوي جبع، مدرسة جميلة بالطلبة وطاقم التعليم والإدارة، ولا تغادرها الا وفي نفسك البقاء فترة زمنية أكثر، والتفكير بالعودة؛ فهنا وهنا بالذات يتجلى التعليم كأنبل وأجمل ما يكون.

وهو عمل وطني وإنساني؛ فعلى مدار عدة أعوام اهتمت وزارة التربية والتعليم العالي بشكل جاد للوصول إلى أماكن وتجمعات البدو بشكل خاص، والتجمعات الريفية بشكل عام لتقديم خدمة التعليم، وهو جاء في سياق حكومي، مرتبط بوعي سياسي ومشاعر وطنية تجاه المكان والإنسان هنا، من أجل دعم البقاء ليظل الزمان أيضا فلسطينيا.

لقد صار تعليم هذه التجمعات أمرا مهما، فكان الوصل لأطفالهم هناك هو ضمان التعليم، ولا يخفى علينا أهمية التعليم في بقائنا، وتربية الجيل الجديد هنا على الهوية والانتماء الوطني والقومي، والمواطنة، من أجل توظيف طاقات أبناء وبنات شعبنا، صغارا وكبارا، للتأكيد على تجانس مجتمعنا ووحدته، في ظل الإعلانات الاحتلالية عن نوايا خبيثة لضم تلك التجمعات من منطلق عنصري: أرض أكثر ناس أقل"!

أما نحن فنقول إن الإنسان هو صانع الإبداع حتى ولو كان فردا، أو عائلة، لأنه ليس هناك قوة قادرة على نزع الانتماء والهوية من أحد.

إن تقديم الخدمة التربوية هنا يعني أيضا التأكيد على دور التعليم في قضيتنا العادلة والنبيلة على مدار سنوات النكبة والنكسة، التي يريد الاحتلال تحويل حياتنا إلى نكبة دائمة.

ها نحن ندخل المدرسة، وندخل هذه المنطقة من الوعي، والشعور الوطني والإنساني، حيث عشرات الأطفال يتلقون التعليم الأساسي فرحين فعلا بما يتعلمونه، منسجمين/ات معا، غير مضطرين للسير كيلو مترات على الأقدام والتعرض لمخاطر الحوادث والمستوطنين على الطرق، تبرق من عيونهم/ن رسائل عميقة، حيث يملكون سرعة بديهة وذكاء فطريا وقدرة فائقة مدهشة في التواصل.

ولعلنا نعيد الشكر لأهله، لصانع القرار بتعليم أطفال البدو في أماكنهم، وللطواقم العاملة، التي نفخر بأدائها، حيث يجد المعلمون/ات صعوبة يوميا في الوصول، ولكن ثمة أمل يراودهم، ولعل فرحة الأطفال هنا تعمق من عملهم.

مدرسة بنيت بما تيسّر في ظل منع البناء هنا، فتصبح الكرافانات غرفا صفية جميلة، بما يملك الكل الفلسطيني هنا من إمكانيات.

تنشط المعلمات هنا، والطلبة، وكل وأمله، وكل وما يسعى له شخصيا ووطنيا، لإثبات وجوده الفردي والجمعي، ثمة علم ونشيد، وكتب ودفاتر، وساحة صغيرة تكبر بالمحبة..وكثير من الأمل..

لقد دافعت منظمات ومراكز حقوقية عن التجمعات البدوية المتواجدة البرية، لأن الاحتلال يسعى لإخلائها في سعي صار معلنا لتحويلها إلى منطقة استيطانية بامتياز، مما يجعل الحديث عن دولة على حدود العام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس غير قابل للتحقيق، وهذا جزء من خطة سياسية للحكومات الإسرائيلية لإخلاء منطقة شرق القدس والخان الأحمر من الفلسطينيين لصالح خلق تواصل بين المستوطنات التي هي ضمن حدود العام ١٩٦٧ لخدمة المشروع الاستيطاني المعروف باسم E1، وبالنتيجة  سيكون شمال الضفة معزولاً عن جنوبها والقدس الشرقية بحدودها المعرفة دولياً، ستصبح جزيرة صغيرة داخل مستوطنة "معاليه ادوميم" المتصلة مع غربي القدس".

ماذا يعني تهويد برية القدس والغور غير نسف مشروع الدولة الفلسطينية؟ أين سيكون فضاء الدولة إن تم مصادرة فضائها الشرقي والغربي والجنوبي والشمالي! إن أراضي الدولة هي للشعب، وهي المتنفس والمصدر الاستراتيجي لزيادة السكان واستثمار الأرض، أليس أي شعب يكثر ويتزايد؟

مدرسة بادية القدس ومدرسة الخان الأحمر، وباقي المدارس في التجمعات البدوية والقروية في الغور ومناطق جيم، تحقق الأمل بالبقاء، وتأكيد إمكانية وضرورة قيام دولة هنا على خطوط عام 1967.

ولا إنجاز دون أمل، وإن بقاء البدو يساهم في بقاء وحدة الأرض، وكل ما يحتاجونه القليل من الدعم، والقليل، لذلك فإن الاهتمام بهم يعد عملا وطنيا، فسيحرسون ونحرس معا أرض دولتها القادمة..

 في الطريق إلى أريحا، يلفت نظر المسافرين طلبة البدو وهم يحملون حقائبهم على ظهورهم وأعينهم تحدق نحو الشمس بثقة، نحو مستقبلهم الذي يصنعونه بسواعدهم، للتأكيد على الاندماج بالعصر والمحافظة على الهوية والخصوصية الثقافية والبيئية؛ فحياة البرية ارتبطت بأسلوب معين من العيش والثقافة والعادات والتقاليد. ولعل التعليم هنا يلعب دورا خصوصا في النشاطات حتى لا يشعر الطلبة بالاغتراب تجاه مناهج التعليم المعدّ للمدن والقرى بشكل عام؛ حيث بالإمكان توظيف البيئتين البشرية والطبيعية.

 إن التحاق طلبة البدو هنا بالذات يمكن أن يخطط لمستقبل يخف فيه الاعتماد على العمل في الورش والمصانع التابعة للمستوطنات، من خلال تطوير مشاريع صغيرة إنتاجية تؤمن دخلا مناسبا، لأن الاعتماد على الرعي وحده لم يعد كافيا في عصرنا.

 لقد طرأت على حياة القرويين والبدو تحولات حولت جزءا منهم من مزارعين نبات وحيوان، إلى عمال بروليتاريا في الورش الإسرائيلية، في خطوة احتلالية لتحقيق هدف تفريغ الأرض وضرب المنهج الفلسطيني الاقتصادي المستقل، ومرة ثانية فإننا نعول على التعليم المرتبط بالتنمية المعتمدة على الذات.

فلسطين ذات سكان مدن عريقة في المدنية، وذات سكان فلاحين في القرى والأرياف، وفيها البدو، وهم جزء أصيل ومكون أساسي من سكان فلسطين، ولعل التعليم هنا يراعي التعددية والتنوع الثقافي والبيئي، فكلها عناصر غنى لفلسطين. 

ظاهرة مدارس التحدي في جميع مناطق فلسطين لا تستحق الثناء عليها وتقديرها عاليا تربويا ووطنيا وسياسيا وإنسانيا، بل انها تدعو لتأمل هذه الظاهرة الأكثر نبلا وجمالا، من منطلقات حيوية في الحقوق والبقاء.

إن دراسة هذه الظاهرة، يأتي من خلال منهجية الإعلام عنها، وإنتاج معرفي وطني وعربي وعالمي، يحقق هدفا وطنيا وهو البقاء الإبداعي، والذي من خلال تكثيف كمي ونوعي في الاحتفاء بها، سيؤدي أولا إلى تعميق شرعنة الحياة الثقافية والاجتماعية لكل هذه التجمعات، وحقها في اختيار أسلوب عيشها، وممارسة حرية الإقامة كما مارسها الآباء والأجداد.

مدارس التحدي من شمال جنين الى جنوب الخليل، في الضفة الغربية، تحدت الاحتلال، وانتصر القلم على البنادق، كما انتصرت "سناسل" الفلاحين على الجدار العنصري..

ولعل الدراسة تشمل تجربة الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة عام 1948، فالعنصرية واحدة!

وأخيرا فإنها دعوة للقطاع الأهلي والخاص لتخصيص موازنات لدعم تلك المدارس التي تعانق الشمس باتجاه الإصرار على الوجود.

[email protected]

2019-03-16