الأربعاء 12/10/1444 هـ الموافق 03/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
بؤساء لندن النائمون في الشوارع.. حقيقة بعضهم صادمة

في ثلاثينيات القرن الماضي، كتب الروائي البريطاني جورج أورويل رواية بعنوان “متشرد في باريس ولندن” أزال فيها الضباب عن لندن لينقل للقارئ صورة عما يجري في أعماق هذه المدينة وعن ظروف من هم عالقون في قاع المجتمع.
وما حكاه أورويل ما زال حاضرا في الليالي الطويلة هنا، مع مشردين يتوسدون الأرض ويلتحفون السماء في أرقى شوارع لندن وبجانب أغلى فنادقها المصنفة وقرب أفخم محلاتها التجارية، ولو بحثت في أرشيف حياة بعضهم لتملّكك العجب، إذ كشفت صحف بريطانية هويات بعضهم، فكان منهم الجندي السابق والموسيقي المتجول وعالم الفيزياء.. إلخ.
لا مدافئ تقيهم برد فصل الشتاء في بلد من البرد تموت حيتانه، ولا مكيفات تخفف عنهم بعضا من حرارة لندن التي أصبحت درجاتها ترتفع في فصول الصيف خلال السنوات الأخيرة.
وقد وصفت بعض الصحف البريطانية الظاهرة بالمأساة الوطنية والفضيحة، بينما أنحى آخرون باللائمة في استشرائها على نقص أعداد المساكن الاجتماعية وضعف التعويض عن البطالة وارتفاع أسعار الإيجارات.
وراء كل مشرد حكاية
تحدثت مع أحد المشردين، واسمه كريستيان (48 عاما) فقال إنه “أتى من رومانيا قبل سنتين، لكنه لم يجد ما كان يصبو إليه هنا، فاضطر للمبيت في الشوارع”، وأكد أنه “لا يريد الرجوع إلى رومانيا ولا يريد العيش مشردا هنا”، ولا سيما أن السلطات كما يقول “تعاقب المتسولين من المتشردين”.
وكانت صحيفة غارديان قد كشفت في عدد لها أن السلطات تتعقب أولئك الذين ينهجون “التسول المستمر والعدواني” و”التسكع” باعتبارهما سلوكين معاديين للمجتمع، ويغرم بعض المشردين بشكل روتيني بمئات الجنيهات ويرسلون إلى السجن إذا ما ألقي عليهم القبض مرارا وتكرارا وهم يطلبون المال.
من المشردين من كان يرفض الحديث معي، في وقت بدت فيه على محيا بعضهم علامات اللامبالاة أو حتى الخلل العقلي، ومنهم من كان يحمل لوحة كتبت عليها عبارات شاعرية لاسترداد عطف المارة.
قد يكون بعضهم بحاجة للمال فعلا، إلا أن بعضا من حكاياتهم تظهر ثراء سريا، إذ كشف تحقيق للقناة الرابعة البريطانية بعنوان “60 يوما في الطريق” عن مشردين يملكون عقارات في أماكن لا يستطيع مواطن عادي دفع ثمن إيجارها، كما أن بعضهم يجنون أرباحا يمكن أن تبلغ 800 دولار في اليوم الواحد.
على مرأى من ممثلي الشعب
قبل أسابيع فقط عثر على جثة طباخ مجري متشرد يبلغ من العمر 43 عاما بالقرب من محطة مترو وستمنستر وفي ممر يستخدمه النواب في طريقهم إلى مبنى البرلمان، وكان ثاني اثنين يعثر عليها بلا مأوى وميتين في الممر نفسه في بضعة شهور.
وأكد صديق لهذا الطباخ المتشرد أنه جاء إلى بريطانيا من هنغاريا، وكان يتجول في العاصمة البريطانية لندن منذ حوالي 5 سنوات.
كان ينام في وقت سابق بحديقة في بيكاديللي وسط لندن، ورغم أنه حصل على وظيفة مساعد رئيس الطهاة في مطعم إيطالي فإن أجرته كانت هزيلة للغاية، فآثر التشرد.
“النائمون ليلا” لكن في الشوارع
قبيل أيام فقط من عطل أعياد الميلاد، اجتمع الوزراء فقرروا تشييد 11 مركزا لإيواء المشردين بحلول ربيع هذه السنة، ويأتي ذلك بعدما عثر على ما مجموعه 3103 أشخاص نائمين في شوارع مدينة الضباب خلال صيف 2018، وهو رقم دل على ارتفاع صادم في أعداد المشردين، كما تؤكد ذلك شبكة رصد المشردين في المملكة المتحدة والتي كشفت أن نسبتهم في لندن ارتفعت السنة الماضية فقط بـ17% مقارنة بالسنة التي سبقتها.
ونشرت جامعة هيريوت وات البريطانية رقما آخر مرعبا يهم المملكة المتحدة كلها، إذ يتعلق الأمر بـ12 ألف شخص ينامون في سياراتهم أو في خيام ينصبونها بالليل، كما تشير أرقام رسمية إلى وجود أكثر من 120 ألف طفل مشرد في إنجلترا وحدها.
وأكدت مؤسسات عدة في ديسمبر/كانون الأول الماضي أن سياسة التقشف التي نهجها حزب المحافظين قد تكون سببا رئيسيا في تشرد الآلاف، وهو ما بادر المستشار ووزير الخزانة البريطاني السابق جورج أوزبورن لنفيه.
وكان وزير الإسكان في حكومة الظل لحزب المحافظين المعارض غرانت شابس قد قال أمام البرلمان في وقت سابق من عام 2012 إن أعداد من يبيتون في شوارع مدينة نيويورك الأميركية تزيد على أعداد من يبيتون في شوارع لندن بعشرة أضعاف.
غير أن مسؤول ملف الإسكان في حزب العمال حاليا يؤكد أن أرقام المشردين ارتفعت بطريقة مشينة منذ تسع سنوات، في حين تؤكد إحصاءات مستقلة أن مشردا واحدا على الأقل يلقى حتفه كل يوم في بريطانيا مع تسجيل وفاة حوالي 500 شخص السنة الماضية، إما بسبب الانتحار أو بعد إصابتهم بأمراض الكبد أو تناولهم جرعات زائدة من المخدرات.
ويقول الرئيس التنفيذي لخلية الأزمات في شبكة رصد المشردين جون سباركس إن ما يقع يعد جرس إنذار يدعو الجميع في المملكة المتحدة “لنصحو ونتعامل مع التشرد كملف طارئ ونضعه ضمن الأولويات”.
لكن ناطقا باسم وزارة الإسكان يرد على هذا مؤكدا أن وزارته “تصرف 1.2 مليار جنيه إسترليني لتطويق كل أشكال التشرد، وبحلول عام 2027 ستصبح لندن مدينة بدون مشردين”.

المصدر : الجزيرة

2019-04-01