الخميس 9/10/1445 هـ الموافق 18/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الصّورة الشّعريّة في قصيدة ' كَمْ بِتُّ أَسْتَجْدِي مُحَالَكِ!'للشاعرة آمال عوّاد رضوان ....بقلم الناقد: عبد المجيد اطميزة

أوّلًا: النّصّ الأدبيّ

"كَمْ بِتُّ أَسْتَجْدِي مُحَالَكِ!/ آمال عوّاد رضوان

وَتَتَوَغَّلِيـــــــــــــــــــنَ بِــــــــــــي!؟

يَا مَنْ بِلَوْنِ أَمَانِيكِ .. تَشَرْنَقَتْ دوّامة احْتِرَاقِي

تَـــتَــــشَــــاكَــــى  .. فِي قَطْرَةِ زَمَنٍ شَجِيٍّ!

***

بشَجَنٍ مُشَاغِبٍ

نَمَّشْتِ عَلَى صَلِيبِي .. نَمْنَمَاتِ رُوحِكِ

وَفِي مَكَامِنِ جَنَّتِي!

***

أَنَا مَنْ أَحُومُ .. عَلَى شفَتَيْ آهَةٍ

مِنْ عَهْدِ فَقْدِي الطّوفان

تَاهَ فِرْدَوْسُ حَرْفِي

فِي غَيْبُوبَةِ غَمَامٍ مَغْمُوسٍ .. بِدَوَاةِ حُلُمٍ رَمَادِيِّ الأَجْيَالِ

يُنَاغِي خَتْمَ قَزَحِكِ الْمُقَدَّس!

***

قَرَابِينُ رَسَائِلِي .. تَشَدَّقَتْ بِنُورِ الْخَيَالِ

تَرَتَّقَتْ أَرَقًا .. عَلَى أَرْفُفِ صَمْتِكِ!

***

ضُلُوعُ أَبْجَدِيَّتِي

تَمَرَّدَتْ.. عَلَى مُرُوجِكِ الزُّمُرُّدِيَّةِ

أَنْبَتَتْ أَجْنِحَةً شَيْطَانِيَّةً .. عَلَى مُنْحَنَى رَوَابِيكِ

أَتَهَبُ مَلَكُوتَ الْعَدْلِ فِتْنَةَ انْبِعَاثٍ؟

***

مَا أَشْقَاني

تَخُونُنِي إِلَيْكِ.. خُطَايَ الذَّائِبَةُ!

أَتُرَاهَا جِنِّيَّة سَحَابِكِ .. تَرْفُلُ بِمَلاَمِحِكِ الْعَصِيَّةِ

أَم تَلُوذُ بِشَامَةِ حَنِينٍ.. عَلَى خَدِّ غُرُورٍ؟

***

سُحُبِي الصّوفيّةُ

تَستمِرّئُ مَرَاعِيَ الْمَلاَئِكَةِ

أَجْهَشُكِ نُذُورَ صَمْتٍ

أَنَا الْمُكَلَّلُ بِثَرْثَرَةِ الدّهشة!

ولَمَّا تَزَلْ كُؤُوسُ أَبْجَدِيَّتِكِ الرَّاعِفَةِ

تُنَادِمُ تَضَرُّعِي .. تُشَاكِسُ سَوَاحِلَ فَيْضِي

وَمَا أَنْهَكَهَا فَنَارُكِ !

***

عِصْمَتُكِ.. بَصْمَةٌ بِدَمِي

انْسَابَتْ قُدْسِيَّةُ عُرْيِهَا .. فِي جَنَّتِي

عَانَقَتْ تَمْتَمَاتِ جِنّي .. وَمَا خَدَشَهَا صَخَبُ ضَوْئِي

***

بِأَجْنِحَةِ طُفُولَةٍ مُعَمَّدَةٍ.. بِمَاءِ الْحُبِّ

رَ~ فْ~ رَ~ فَ~ تْ

تَنْهِيدَتُكِ الْمَزْفُوفَةُ.. بِمَرَاثِي مَلاَئِكَتِكِ

وَ~ حَ~ طَّ~ تْ

عَلَى كَتِفِ تَرْتِيلَةٍ عَاجِيَّةٍ .. مَعْقُودَةٍ بِقُوتِ عُمْرِي الْمُرِّ

فِي مَحَافِلِ وَجَعِي الْمُرَفَّهِ!

***

مَشْبُووووبًا .. أَبْحَرْتُ عَلَى مَتْنِ أُمْنِيَةٍ

وعَرَائِشُ الْمَاءِ .. تُوَشْوِشُ نَوَاعِيرَ اشْتِعَالِي

بِشَذَاكِ الْغَضِّ!

***

توَسَّدْتُ شِرَاعَ أُفُقُكِ النَّدِيِّ!

تَسَرْبَلْتُ مَاءَكِ.. طَلاَسِمَ وِشَاحٍ

وَطُفْتُ بِحَلَقَاتِ مدَادٍ زِئْبَقِيٍّ

أُنْصِتُ لِشَفَافِيَّةِ جَنَائِنِ قُرُنْفُلِكِ!

أَأَفْتَرِشُ صَدْرَ سَمَاءٍ .. تَكَدَّسَتْ بِنَقَائِكِ

وَمَا اتَّسَعَتْ لابْتِسَامَاتِ رَبِيعِي؟

أَصَابِعُ لَوْزِكِ اسْتَأْثَرَتْ.. بِرِهَامِ فَيْحَائِي

وَانْهَمَرْتُ ضَحِكًا فَيْرُوزِيًّا!

مَزْهُوًّا؛

تَوَلَّهْتُ بِتَسَابِيحِ مُرَاوَغَتِكِ .. وَاتَّكَأْتُ عَلَى فُسْحَةِ لِحَاظِكِ

تُلَألِئُنِي

وَتَلْهَجُكِ بَسَاتِينُ وَقْتِي!

***

عَرّيْتِ أَنْفَاسَ صَمْتِي .. بِإِغْوَاءَاتِكِ الْمُقَدَّسَةِ

وَعُنْوَةً

انْسَدَلْتُ انْثِيَالَاتٍ تَتَوَهَّجُ .. علَى عَتَبَاتِ غَمَامِ الْحُرُوفِ!

***

أَيَا وَجْدِي الصَّاخِبُ

كَمْ بِتُّ أَسْتَجْدِي مُحَالَكِ!

فِي حُقُول الْكَلاَمِ .. تَعْصِفني رَيَاحِينُكِ

أَتَستمِرّئُـــــنِـــي .. سُحُبِي الْـــتَجْهَشُكِ

زَخَّاتٍ أَبَدِيَّةِ الضِّيَاء!؟

ثانيًا: التّحليلُ الأدبيّ 

1* تستهلُّ الشّاعرة آمال عوّاد رضوان نصَّها بقوْلِها: "وَتَتَوَغَّلِيــــــــــــــنَ بِـــــــــي!؟/ يَا مَنْ بِلَوْنِ أَمَانِيكِ/ تَشَرْنَقَتْ دوّامة احْتِرَاقِي/ تَـــتَــــشَــــاكَــــى/ فِي قَطْرَةِ زَمَنٍ شَجِيٍّ!/ بشَجَنٍ مُشَاغِبٍ/ نَمَّشْتِ عَلَى صَلِيبِي/ نَمْنَمَاتِ رُوحِكِ/ وَفِي مَكَامِنِ جَنَّتِي!"

**العنوان:"كَمْ بِتُّ أَسْتَجْدِي مُحَالَكِ!"

تبدأ الشّاعرةُ عنوانَها بلفظةِ "كم" التّكثيريّة، دلالةً على كثرةِ شكواها، ويتكوّن أيضًا من جملةٍ فعليّة، وللعنوانِ أهمّيّةٌ كبيرةٌ، "فالعنوانُ في الشّعرِ الحديثِ صارَ مُكوّنًا قائمَ الذّات، مُنسجمًا يُحقّقُ مجموعةً من الأهداف والوظائف، سواء تعلّقَ الأمرُ بما بينَهُ وبينَ خطابِ النّصّ، أو بالتّأثير الّذي يُحدثُهُ في نفسِ المُتلقّي الّذي يُحاولُ فكّ شفراتِهِ، وإعطاءَهُ دلالاتٍ وأبعادٍ، سعيًا وراءَ فهْمِهِ واستيعابه. إنّ الشّعرَ الحديثَ جعلَ مِنَ العنوانِ نصًّا ثانيًا مُوازيًا للقصيدة، فأصبحَ بالإمكانِ الحديثُ عن شعريّة العناوين، كما كنّا نتحدّثُ عن شعريّة القصيدة.(1).

لقد نجحتِ الشّاعرة آمال في اختيارِها لعنوانِ القصيدةِ، فهو مُعبِّرٌ عنِ المُحتوى والمَضمونِ، فالعنوانُ مُرتكزُ أساسٍ سعَتِ الشّاعرة إلى تحقيقِهِ، وليسَ لذاتِهِ وفي ذاتِهِ، فجعلتْ منهُ مُكوّنًا نستطيعُ بهِ استنباطَ الرّسالةِ الّتي تودُّ الشّاعرة إيداعَها في أعماقِنا ودَواخلِنا، ولعلّ الجماليّةَ الّتي يَكتسيها هذا العنصرُ، نابعةٌ مِنْ كوْنِهِ يتألّفُ من عناصرَ فنّيّةٍ وجماليّةٍ، تتجلّى في حيثيّاتٍ مُتعدّدةٍ، لعلّ أبرزَها تلكَ الوظيفة الّتي يَلعبُها العنوانُ في النّصِّ الشّعريّ الحديث، فهو "الّذي يُسمّي القصيدةَ ويُعيّنُها، ويَخلقُ أجواءَها النّصّيّةَ والتّناصيّة، عبْرَ سياقاتِها الدّاخليّ والخارجيّ، علاوةً على السّؤالِ الإشكاليّ الّذي تطرحُهُ القصيدةُ، وهذا ما يمكنُ أنْ نُدلّلَ بهِ على ما تعرفُهُ السّاحةُ الأدبيّةّ- بخصوصِ الإبداعِ الشّعريّ- مِن نزوعِ العنونةِ الشّعريّة نحوَ التّعمّقِ والوَسْمِ، والبحثِ عن الوسائلِ الّتي بإمكانها أنْ تجعلَ مِنَ العنوانِ أكثرَ شاعريّة، وأكثرَ دلائليّة على النّصّ، خصوصًا إذا أخذنا بعينِ الاعتبارِ، ما لهُ مِن وظائفَ كثيرةٍ يُسهمُ «تحديدُها في فهْمِ النّصِّ وتَفسيرِهِ، وخاصّةً إذا كانَ نصًّا مُعاصرًا."(2).

والصّورةُ الشّعريّةُ تتمثّلُ في أنَّ المُحالَ في هيئةِ رجلٍ يُساعدُ ويُستجدى، والصّورةُ الشّعريّةُ كما يرى بريتون؛ "الأداةَ الرّئيسيّةَ لخلقِ عالمٍ جديدٍ نَحلمُ بهِ، ونُحلُّهُ مَحَلَّ العالمِ القديم ليستْ شيئًا، سوى ما يدعوهُ الشّاعر بالصّورة".(3) 

"وَتَتَوَغَّلِيـــــــــــــــــــنَ بِــــــــــــي!؟": الحديثُ على لسانِ مدينةِ القدس، والخطابُ مُوجّهٌ للمحتلّ، والسّطرُ كنايةً عن السّيطرةِ الإسرائيليّة على الأراضي الفلسطينيّة شيئًا فشيئًا.

"يَا مَنْ بِلَوْنِ أَمَانِيكِ/ تَشَرْنَقَتْ دوّامة احْتِرَاقِي/ تَـــتَــــشَــــاكَــــى/ فِي قَطْرَةِ زَمَنٍ شَجِيٍّ!":

تستهلُّ الشّاعرة سطرَها بالأسلوبِ الطّلبيّ، والنّداء يُفيد تحسُّرُ القدسِ عمّا حلَّ بها وبما حوْلَها، والقدس تتجسّدُ في صورةِ إنسانٍ مذهولٍ أفزعَهُ ما يحصُلُ، فكأنّهُ يعيشُ في دوّامةِ شتّى الفِكَر، يحترقُ فيها لهَوْلِها، والصّورةُ الشّعريّةُ تتمثّلُ في أنَّ للأماني لونًا، والقدس إنسان يحترق.

"تَشَرْنَقَتْ دوّامة احْتِرَاقِي": كنايةً عن أنَّ ما يحصلُ في القدس، ولّدَ للقدسِ دوّامةً مِنَ الأفكارِ الحارقةِ، والصّورةُ الشّعريّةُ هنا تتمثّلُ في الدوّامةِ الّتي تتشرنقُ وتحترقُ، و"الصّورةُ الشّعريّةُ كيانٌ فنّيٌّ نابضٌ بالحياةِ الإنسانيّة".(4) 

"تَـــتَــــشَــــاكَــــى": كنايةً عن تظاهُرِ المُحتلِّ بأنّهُ مظلومٌ في مُحيطِهِ ويستحقُّ دولةً.

 "فِي قَطْرَةِ زَمَنٍ شَجِيٍّ!": وهنا تُسندُ الشّاعرةُ القطرةَ للزّمن، وتريدُ أهلَهُ ومَنْ يَعيشُ فيهِ.. مجازٌ مُرسلٌ علاقتُهُ الزّمانيّة، والصّورةُ الشّعريّةُ تتمثّلُ في صورةِ زمنٍ يَشعرُ بالشّجى والحزن، فالشّعراءُ المُميّزونَ هم الّذين يَنسجونَ الصّورَ الجديدةَ مِنَ المعاني المُجدَّدة؛ في قوالبَ جديدةٍ مُبتكَرةٍ، مِن خلالِ تكوينِ علاقاتٍ غيرِ مألوفةٍ سلفًا، حيث إنَّ "مُهمّةَ الشّاعر أنْ يُحسِنَ صياغتَها، ويُخرجَها في صورةٍ جميلة".(5) 

"بشَجَنٍ مُشَاغِبٍ/ نَمَّشْتِ عَلَى صَلِيبِي/ نَمْنَمَاتِ رُوحِكِ/ وَفِي مَكَامِنِ جَنَّتِي!"

"بشَجَنٍ مُشَاغِبٍ": في السّطرِ انزياحٌ في التّقديمِ والتّأخير، فقد قدَّمتِ الشّاعرة هذا السّطرَ على السّطرِ الّذي يَليهِ، والتّقدير: "نَمَّشْتِ عَلَى صَلِيبِي/"بشَجَنٍ مُشَاغِبٍ" فقد قدّمتِ الشّاعرة شِبهَ الجملةِ "بشجن مشاغب"، وحقّها التّأخير على الجملةِ الفعليّة "نمَّشت.."، وحقّها التّقديم، وفي سطرِ "بشجنٍ مشاغبٍ" أيضًا انزياحٌ تركيبيّ، يتمثّلُ في المضاف "شجن" والمضاف إليه "مشاغب"، فعندما يسمعُ المُتلقّي كلمةَ "شجن"، يتوقّعُ أنْ يليها مثلًا كلمة "حزين"، لكنّهُ يتفاجأُ بكلمةِ "مشاغب"، ومثله أيضًا في السّطرِ الثّالث: "نَمْنَمَاتِ رُوحِكِ".

إنّ جماليّةَ الانزياحِ تكمنُ في أنْ تخلقَ اللّغةَ الإبداعيّةَ هوامشُ رحبة، على حساب اللّغةِ المعجميّة وانطلاقًا منها، ففيها يتأتّى للقارئِ الإقبالُ على العملِ الفنّيّ، وتذَوُّقُهُ ومُدارستُهُ ومُحاورَتُهُ، بشغفٍ ونهمٍ كبيريْن، إلى درجةِ الاستمتاعِ والإثارةِ والاقتناعِ بهِ فنّيًّا وجماليًا؛ أي أنّ المُحتلَّ يُنادي بحزنٍ، وهو حزنٌ مشاغبٌ وليسَ طبيعيًّا، بأحقّيّتِهِ في القدس، لتكون عاصمةً لهُ، وتُوافقُهُ أمريكا وعلى رأسِها زعيمها ترامب.

"وتُعَدُّ ظاهرةُ الانزياحِ مِنَ الظّواهرِ المُهمّة، وبخاصّةٍ في الدّراساتِ الأسلوبيّةِ الحديثةِ الّتي تُدَرِّسُ النّصَّ الشّعريَّ، على أنّهُ لغةٌ مُخالِفةٌ للمألوفِ العاديّ(6).    

وتتوالى الصّورُ الفنّيّةُ، فالشّجنُ يُشاغبُ كما الشّخصُ المشاغبُ المشاكسُ، والقدسُ كائنٌ حيٌّ يتقلّدُ في عنقِهِ صليبًا، وصورةُ الرّوحِ الّتي لها نمنماتٌ، وللجنّةِ مَكامن، وترى نازك الملائكة في الصّورةِ الشّعريّةِ أنّها: (تقدّمُ لذةً عاطفيّة، تعينُ على تطوّرِ الحواسّ الجماليّة عندَ الإنسان، وتساعدُهُ على النّموِّ العاطفيّ).(7)

والمعنى كما جاءَ على لسانِ القدس: أنا الفلسطينيُّ المَنهوبُ المَخدوعُ مَسلوبُ الإرادة، لا زلتُ أتلوَّى في دوّامةِ احتراقٍ، والمُحتلُّ يتَشاكى ويتَباكى وهو يتغوَّلُ ويتوغّلُ دونَ حدودٍ، ويتفنّنُ في تلوينِ حرائقي، ليُحقّقَ أمانيهِ اللّامحدودة، ويتفنّنُ بنقشِ آلامي على صليبِ عذابي، وفي كلِّ رُكنٍ مِن أركانِ أرضي وجَنّتي وقُدسي ومُقدّساتي.

2* وتنشدُ الشّاعرة في المقطعِ الثّاني فتقول: "أَنَا مَنْ أَحُومُ/ عَلَى شفَتَيْ آهَةٍ/ مِنْ عَهْدِ فَقْدِي الطّوفان/ تَاهَ فِرْدَوْسُ حَرْفِي/ فِي غَيْبُوبَةِ غَمَامٍ مَغْمُوسٍ/ بِدَوَاةِ حُلُمٍ رَمَادِيِّ الأَجْيَالِ/ يُنَاغِي خَتْمَ قَزَحِكِ الْمُقَدَّس"!

"أَنَا مَنْ أَحُومُ/ عَلَى شفَتَيْ آهَةٍ": وتستهلُّ الشّاعرة هذا المقطعَ بالأسلوبِ الخبريّ، لتأكيدِ ذاتِها وتصويرِ مأساتِها، والسّطرانِ كنايةً عن الوجعِ الّذي يُخيِّمُ على أقبيةِ قلبِ القُدسِ، والصّورُ الشّعريّةُ مُبتكَرةٌ، فالقدسُ كإنسانٍ هائمٍ على شفاهِ الآهاتِ والأوجاعِ، وتُصوّرُ الشّاعرة الآهةَ بشخصٍ لهُ شفتان! صورتانِ شعريّتانِ مُبتكَرتانِ، و"لعلّ خيرَ بدايةٍ ننطلقُ منها للحديثِ عن تقنيّاتِ الصّورةِ المفرَدة، أنْ نتذكّرَ أمرَيْنِ يَخصَّانِ القصيدةَ المعاصرةَ، أولُهُما: أنّها ألغتْ ثنائيّةَ التّعبير المعروفة: فكرة+ صورة، وجعلتِ التّعبيرَ عن الفكرةِ يتمُّ مِن خلالِ الصّورةِ أو بالصّورةِ. وثانيهُما: أنّها رأتْ في الصّورةِ أداةَ الخَلقِ أو التّعبيرِ الوحيدةِ عن التّجربةِ الشّعوريّةِ بأبعادِها كلِّها، ومضامينِها وخصائصِها، أي جعلتْ مِنَ الصّورةِ المُكوِّنَ الرّئيس لها".(8)

ولعلّ ما تنطقُ بهِ الصّورةُ الفنّيّةُ يَنسجمُ والمقولة المعروفة الّتي أطلقَها بيلنسكي في تعريفِهِ للفنّ وهي: "الفنُّ تفكيرٌ في صُوَر".(9)

"مِنْ عَهْدِ فَقْدِي الطّوفان/ تَاهَ فِرْدَوْسُ حَرْفِي": وتُسخِّرُ الشّاعرة الموروثَ الدّينيّ، فتستخدمُ الطّوفانَ كقناعٍ، والشّاعرة تَرجعُ للأسطورةِ كقناعٍ فنّيّ مِن خلالِ توظيفِها لها، والمُتمثّل في لفظةِ الطّوفان، و"فهْم الموقفِ المُعاصرِ وإذابتِهِ في شبيهِهِ الأسطوريّ، ليكونَ الكلَّ الّذي يُعطي الإحساسَ بالصّدقِ التّلقائيّ".(10)   

إنَّ "القناعَ هو مُحصّلةُ التّفاعلِ القائمِ على التّجاذبِ المُتبادَلِ بينَ طرفي القناع– أنا الشّاعر– أنا الآخر."(11).

وما حلَّ بفلسطين والقدس طوفانٌ مُدمِّرٌ، فإنّ الواقعَ الّذي يعيشُ فيهِ الشّعراءُ، لا يمكنُ إلّا أنْ يَتركَ أثرَهُ وتأثيرَهُ عليهم، كما في هذا النّصّ. وكما أنّ التّراثَ الإنسانيَّ الثّقافيَّ بمختلفِ تجلّياتِهِ يُمارسُ ضغطَهُ على وعيِهم، وبالتّالي فهُم يجدونَ أنفسَهم مَشدودينَ إلى واقعِهم على الأرضِ وعقلِهم الباطنيّ، وهذا يبدو جليًّا في النّصّ، فالشّاعرة على بيّنةٍ بقيمةِ الموْروثِ الإنسانيّ في خدمةِ النّصِّ الشّعريّ، "بعد أن أصبحَ الرّمز؛ القناعُ والمرآةُ والمرايا والإشاراتُ ومضاتٍ، تُهيّئ المناخَ الشّعريَّ العربيّ للتّواصلِ مع روح الأمّة".(12)  

"تَاهَ فِرْدَوْسُ حَرْفِي": كنايةً عن الضّياعِ الّذي حلَّ بالقدس خاصّةً والفلسطينيّين عامّة، فمنذ النّكبةِ وما جاءَ بعدَها من نكسةٍ، أصيبَ الفلسطينيّون بالهذيان، وضاعَ الجَمالُ والافتتانُ بضياع الأرض، والصّورةُ الشّعريّةُ تتمثّلُ في القدس الّتي تتجسّم في شخصٍ لهُ حرفٌ يتوهُ في الّتيهِ والضّياع، والحرفُ مجازٌ مرسل، ذكرتِ الشّاعرة الحرفَ وهو الجزءُ وأرادتْ بهِ الكلّ، وهو الكلامُ والتّعبير.

"فِي غَيْبُوبَةِ غَمَامٍ مَغْمُوسٍ/ بِدَوَاةِ حُلُمٍ رَمَادِيِّ الأَجْيَالِ/ يُنَاغِي خَتْمَ قَزَحِكِ الْمُقَدَّس!": كنايةً في كلٍّ عن ضياعِ القدس، وإتيانِ المُحتلّ بحججهِ الّتي يتشدّقُ بأحقّيّتِهِ الدّينيّةِ بالقدس وفلسطين. والصّورُ الشّعريّةُ تَتوالى: فالغمامُ لهُ غيبوبةٌ كما الإنسانُ الّذي يفقدُ وعيَهُ، والغمامُ لونُهُ رماديٌّ يَسطرُ لونَ الأجيالِ القادمةِ بقتامةٍ، لهُ حلمٌ، وللحلمِ مِحبرةٌ تُلوّنُ سطورَ التّاريخ بحِبرِها القاتم. و"تُعتبرُ الصّورة الشّعريّةُ "المحوري الّذي تُبنى عليهِ القصيدةُ المعاصرة بأسْرها."(13)، وهي في نفسِ الوقتِ "جزءٌ حيويٌّ في عمليّةِ الخَلقِ الفنّيّ".(14)

3* وتُتابعُ الشّاعرة شدْوَها في المقطعِ الثّالث، مُستهلّةً إيّاهُ بالأسلوبِ الخبَريِّ لتجسيد مأساتها: "قَرَابِينُ رَسَائِلِي/ تَشَدَّقَتْ بِنُورِ الْخَيَالِ/ تَرَتَّقَتْ أَرَقًا/ عَلَى أَرْفُفِ صَمْتِكِ!"

"قَرَابِينُ رَسَائِلِي": كنايةً عمّا قدّمتْهُ فلسطينُ مِن شهداءَ في سبيلِ التّحرُّرِ، والحديثُ يَجري على لسانِ القدس الّتي أطبقَ عليها الرّئيسُ ترامب بقبضتِهِ، فكأنّي بالشّاعرة تتساءلُ: أين ستذهبُ قافلةُ الشّهداءِ ومِدادُهم وسيْلُ دمائِهم وما خطّوهُ، بعدما قدَّم ترامب القدسَ للمحتلّ هديّةً على طبَق؟ وفي هذا السّطرِ انزياحٌ إضافيّ، فعندما يَسمعُ المُتلقّي كلمةَ "قرابين"، يتوقّعُ أن يَسمعَ مضاف إليه مناسبًا ككلمةِ "الشّهداء"، لكنّهُ يُفاجَأ بسماعِ كلمة "رسائلي"، وجمالُ هذا يتمثّلُ في الدّهشة وإثارة روع المُتلقّي.

"تَشَدَّقَتْ بِنُورِ الْخَيَالِ/ تَرَتَّقَتْ أَرَقًا/ عَلَى أَرْفُفِ صَمْتِكِ!": والسّطورُ حافلةٌ بالصّورِ الشّعريّةِ، فللرّسائلِ قرابينُ وشهداءُ وتتشدّق، وللنّور خيالٌ يُتَشدَّقُ بهِ كما الكلام، والقرابينُ تترتّقُ وتَشعرُ بالأرق، ولِصمتِ المُحتلِّ رفوفٌ.. وإلخ. صورٌ شعريّةٌ فنّيّةٌ مُتتابعة، و"إنّ الصّورةَ في الشّعرِ لا تُفرَضُ مِنَ الخارج، وليستْ زينةً أو حِليةً خارجيّةً في القصيدة، بل جزءٌ مِنَ التّفكير وطريقة التّعبير. ومِن هنا، فالاستعارةُ أو التّشبيهُ أو الكنايةُ، أو غيرُها مِن الوسائلِ البيانيّةِ والبديعيّة، ما هي إلّا طريقةً للتّفكير، لا مُجرّدَ أدواتٍ تزيينيّةٍ مُضافةٍ للقصيدة(15).   

4*وتنشدُ الشّاعرة آمال في المقطعِ الرّابع على لسانِ القدس، مُخاطبةً المُحتلَّ والمُطبِّعينَ والمُطبّلينَ العرب: "ضُلُوعُ أَبْجَدِيَّتِي/ تَمَرَّدَتْ.. عَلَى مُرُوجِكِ الزُّمُرُّدِيَّةِ/ أَنْبَتَتْ أَجْنِحَةً شَيْطَانِيَّةً/ عَلَى مُنْحَنَى رَوَابِيكِ/ أَتَهَبُ مَلَكُوتَ الْعَدْلِ فِتْنَةَ انْبِعَاثٍ؟"

"ضُلُوعُ أَبْجَدِيَّتِي": "الأبجديّة" كنايةً عن اللّغةِ العربيّة، لغةُ القدسِ ولغةُ مَن تخلّى عن عروبتِهِ وأصالتِهِ، كنايةً عن موصوف.

"تَمَرَّدَتْ.. عَلَى مُرُوجِكِ الزُّمُرُّدِيَّةِ": كنايةً عن عدمِ إذعانِ القدس لأوامرِ أمريكا ورئيسِها، بنقلِ السّفارةِ الأمريكيّةِ إليها.

"أَنْبَتَتْ أَجْنِحَةً شَيْطَانِيَّةً": كنايةً عن رفضِ القدس المُطلقِ لقرارِ نقلِ السّفارةِ للقدس. 

"عَلَى مُنْحَنَى رَوَابِيكِ": كنايةً عن رفضِ القدس للفِكرِ الأمريكيّ في كلّ مكان.

"أَتَهَبُ مَلَكُوتَ الْعَدْلِ فِتْنَةَ انْبِعَاثٍ؟": وتنتقلُ الشّاعرة للأسلوبِ الطّلبيّ، والاستفهامُ يُفيدُ التّعجّبَ والاستغراب، ويَحملُ في طيَّاتِهِ السّخريةَ والاستهزاءَ بالقرارِ الأمريكيّ، والّذي يُحوِّلُ العدلَ إلى ظلمٍ بنقلِهِ السّفارةَ للقدس. 

وتتتابعُ الصّورُ الشّعريّةُ في هذا المقطع، فللأبجديّةِ ضلوعٌ كما الكائن الحيّ، وذكَرتِ الشّاعرة آمال "المروج" أي المكان، وأرادتْ مَن يسكنُ فيها، مجاز مرسل علاقته المكانيّة، والضّلوعُ تَنبُتُ كما تنبُتُ الأرض، وللنّباتِ أجنحةٌ شيطانيّة، وللعدلِ ملكٌ وملكوتٌ، وللانبعاثِ فتنة، وتتّكئُ الشّاعرة في صوَرِها الفنّيّةِ على الرّمز، و"الرّمزُ هو ما يُتيحُ لنا أنْ نتأمّلَ شيئًا آخرَ وراءَ النّصّ، فالرّمز هو، قبلَ كلِّ شيءٍ، معنى خفيٌّ وإيحاءٌ. إنّه اللّغةُ الّتي تبدأ حين تنتهي لغةُ القصيدةِ، أو هو القصيدةُ الّتي تكونُ في وعْيِكَ بعدَ قراءةِ القصيدة".(16)

والرّمزُ يمكنُ أنْ ننقُلَ الأشياءَ بوساطتِهِ مِن دالِّها الطّبيعيّ إلى مدىً أوسعَ وبعيدٍ عنِ التّصريح، حيثُ يُمكنُنا أنْ نسوقَ لها مدلولاتٍ غيرَ الّتي تَظهرُ بها، فيكونُ الدَّالُّ الظَّاهرُ إطارًا خارجيًّا لمضمونٍ يُستوْحى منهُ، وقد يكونُ هذا النَّقلُ مُوافقًا ومُطابقًا لِما قصَدَ إليهِ الأديبُ، وربّما يكونُ خلافَهُ، ويُستنبَطُ المعنى مِن مجموعِ الدّلالات الّتي تَلحَقُ بهِ، ويكونُ الاستنتاجُ هو الرَّابطُ بينَ الدَّالِّ والمَدلولِ، وهذا ما اتُّفِقَ على تسميته "الرّمزيّة"، وهي "طريقةٌ في الأداءِ الفنّيِّ، تعتمدُ على الإيحاءِ بالأفكارِ والمَشاعرِ وإثارتِها بدلًا مِن تقريرِها، أو تسْميتِها أو وصْفِها".(17). والتّلميحُ أبلغُ مِنَ التّصريح، فـ "ليستِ الصّورةُ الشّعريّةُ حلى زائفةً، بل إنّها جوهرُ فنّ الشّعر".(18). 

5* وتقولُ الشّاعرةُ في المقطعِ الخامسِ على لسانِ القدس، والمخاطَبُ المُحتلُّ والمُطبّعونَ العربُ وأمريكا ترامب: "مَا أَشْقَاني/ تَخُونُنِي إِلَيْكِ.. خُطَايَ الذَّائِبَةُ!/ أَتُرَاهَا جِنِّيَّة سَحَابِكِ/ تَرْفُلُ بِمَلاَمِحِكِ الْعَصِيَّةِ/ أَم تَلُوذُ بِشَامَةِ حَنِينٍ.. عَلَى خَدِّ غُرُورٍ؟"

وتَستهلُّ الشّاعرةُ مَقطعَها بما التّعجّبيّة، فتتعجّبُ مِن شقائِها لتَكالُبِ المُحتلّ والأمريكان والمُطبّعينَ العرب على طمْسِ هُويّتِها، وتهويدِ القدس خاصّةً وفلسطينَ عامّة.

"تَخُونُنِي إِلَيْكِ.. خُطَايَ الذَّائِبَةُ!": كنايةً عن الوهمِ الّذي حاقَ بالفلسطينيّين، فكانوا يَعتقدونَ أنَّ الحلَّ العادلَ بيد أمريكا.

"أَتُرَاهَا جِنِّيَّة سَحَابِكِ": والاستفهامُ يُفيدُ التّقرير.

"تَرْفُلُ بِمَلاَمِحِكِ الْعَصِيَّةِ": كنايةً عن تجَهُّمِ الأمريكان وخذلانِهم للقدس وفلسطين. 

"أَم تَلُوذُ بِشَامَةِ حَنِينٍ.. عَلَى خَدِّ غُرُورٍ؟": كنايةً عن المتصهينينَ الأمريكانِ الجُدُدِ، وغرورِهم الجامح، ووقوفِهم الصّلب بمساندةِ المُحتلّ، ويَزخرُ المَقطعُ بالصّور الفنّيّة، فالخطى تَذوبُ وتخونُ، وللسّحابِ جنّيَّةٌ تَرفلُ وتتبخترُ، وللشّامةِ حنينٌ يُلاذُ به، وللغرورِ خدٌّ كما الإنسان.

6* وتَستمِرّ في المقطع السادس: "سُحُبِي الصّوفيّةُ/ تَستمِرّئُ مَرَاعِيَ الْمَلاَئِكَةِ/ أَجْهَشُكِ نُذُورَ صَمْتٍ/ أَنَا الْمُكَلَّلُ بِثَرْثَرَةِ الدّهشة!/ ولَمَّا تَزَلْ كُؤُوسُ أَبْجَدِيَّتِكِ الرَّاعِفَةِ/ تُنَادِمُ تَضَرُّعِي/ تُشَاكِسُ سَوَاحِلَ فَيْضِي/ وَمَا أَنْهَكَهَا فَنَارُكِ!"

"سُحُبِي الصّوفيّةُ": كنايةً عن الزُّهدِ.

 "تَستمِرّئُ مَرَاعِيَ الْمَلاَئِكَةِ": كنايةً عن استطابةِ القدسِ للعدل.

"أَجْهَشُكِ نُذُورَ صَمْتٍ/ أَنَا الْمُكَلَّلُ بِثَرْثَرَةِ الدّهشة!": كنايةً عن الصّمتِ العربيِّ المُطبِقِ في نقلِ سفارةِ أمريكا إلى القدس، وعمّا أصابَ القدسُ مِن ذهولٍ، إثْرَ القرارِ الأمريكيِّ بنقلِ السّفارة.

"ولَمَّا تَزَلْ كُؤُوسُ أَبْجَدِيَّتِكِ الرَّاعِفَةِ/ تُنَادِمُ تَضَرُّعِي/ تُشَاكِسُ سَوَاحِلَ فَيْضِي": كنايةً عن الاستمراريّةِ في ترسيخِ الاحتلالِ للقدس، واعتبارها عاصمة للمحتلّ.

 "وَمَا أَنْهَكَهَا فَنَارُكِ!": كنايةً عن صمودِ القدس، ورفض لِما يَحصُلُ رغمَ القدراتِ الأمريكيّةِ الهائلة.

وتتوالى الانزياحاتُ المختلفةُ الّتي تُثيرُ خلد المُتلقّي، وتتعاقبُ الصّورُ الشّعريّةُ وما فيها مِن رموز، فمِنَ الصّور الفنّيّة: لِمَذهَبِ الصّوفيّةِ سُحبٌ كسُحبِ السّماء، وللملائكةِ مَراعٍ مُحبّبةٌ، وللصّمتِ نذورٌ تجهشُ وتستعدُّ للبكاء، وللدّهشةِ ثرثرةٌ لها إكليلٌ كما العروس، وللكؤوسِ لغةٌ وأبجديّةٌ ترعفُ كما يرعفُ أنفُ الشّخصِ بالدّم، والكؤوسُ لها نديمٌ، وللقدس دعَواتٌ وتضَرُّعٌ ولها سواحلُ، و"أمّا الصّفاتُ الّتي تتّصفُ بها الصّورةُ الحداثيّةُ الّتي تحقّقتْ في النّصّ، فيُمكنُ إجمالُها بالأمورِ التّالية:

أـ تُعدُّ الصّورةُ الفنّيّةُ أحدَ مُكوّنيْنِ اثنيْن في القصيدةِ المعاصِرة، وقد عبّرتْ عن تجاربِ الشّعراءِ رؤيةً وبناءً، أمّا المُكوّنُ الثّاني فهو الإيقاعُ.

ب ـ إنّ أساسَ الصّورةِ الفنّيّةِ يَكمُنُ في الخلْقِ لا في المُحاكاةِ، كما كانَ سائدًا في الشّعرِ العربيّ، فقد تخلّتِ الصّورةُ المعاصرةُ عن وظائفِ الصّورةِ التّقليديّةِ في الشّرحِ والتّزيين.

ج ـ أضحتِ الصّورةُ في الشّعرِ المعاصرِ وسيلةَ الخلْقِ والكشْفِ والرّؤيا، وأداةَ التّعبيرِ الوحيدةَ عن العلاقةِ المتشابكةِ المُعقّدةِ ما بينَ الأنا  والآخر، والدّاخل والخارج.

د ـ تلاحمَتِ الصّورةُ بشكلٍ أوضحَ وأقوى معَ أنساقِها الخارجيّةِ والدّاخليّة.

هـ ـ مِن الصّعوبةِ الحديثُ عن بُنيةٍ عامّةٍ ثابتةٍ للصّورة في القصيدةِ المعاصرةِ.(19)

7* وتقول في المقطع السابع: "عِصْمَتُكِ.. بَصْمَةٌ بِدَمِي/ انْسَابَتْ قُدْسِيَّةُ عُرْيِهَا/ فِي جَنَّتِي/ عَانَقَتْ تَمْتَمَاتِ جِنّي/ وَمَا خَدَشَهَا صَخَبُ ضَوْئِي".

"عِصْمَتُكِ.. بَصْمَةٌ بِدَمِي": كنايةً عن أنَّ صفقةَ القرنِ الّتي أعلَنَها ترامب وزوجُ ابنتِهِ، لنْ تَمُرَّ إلّا بمُوافقةٍ فلسطينيّةٍ، وهذا لنْ يَحصل.

"انْسَابَتْ قُدْسِيَّةُ عُرْيِهَا": كنايةً عن أنّ ترامب يُريدُ أنْ يَسلخَ القدسَ عن قُدسيّتِها.

 "فِي جَنَّتِي"/ "عَانَقَتْ تَمْتَمَاتِ جِنّي": كنايةً عن السُّخطِ الّذي حلَّ بالقدس.

"وَمَا خَدَشَهَا صَخَبُ ضَوْئِي": كنايةً عن السّكوتِ المُطبِقِ للعربِ لقراراتِ ترامب، والدّاعيةِ لنقلِ السّفارة للقدس ولصفقةِ القرن.

وتتتابعُ الصّورُ الشّعريّةُ، فقد أسندَتِ الشّاعرةُ آمال البصمةَ للعِصمة، والبصمةُ تكونُ بلونٍ، لكنّها هنا بالدّمِ الفلسطينيّ، والفاءُ تفيدُ المُقابلة؛ أي مُقابلَ دَمي، والقدسيّةُ تنسابُ كما الماءُ ولها عُرْيُها، والتّمتماتُ تُعانقُ وللجِنّيِّ تمتماتٌ، والقدسيّةُ تُخدَشُ كما العِرض، وللضّوءِ صخَبٌ يَخدُش.. وتتعانقُ الصّورُ الفنّيّةُ بالرّمز، والرّمزُ تلميحٌ وهو أبلغُ مِنَ التّصريح.

8* وتتابع الشّاعرة نصها في المقطع الثامن: "بِأَجْنِحَةِ طُفُولَةٍ مُعَمَّدَةٍ.. بِمَاءِ الْحُبِّ/ رَ~ فْ~ رَ~ فَ~ تْ/ تَنْهِيدَتُكِ الْمَزْفُوفَةُ.. بِمَرَاثِي مَلاَئِكَتِكِ/ وَ~ حَ~ طَّ~ تْ/ عَلَى كَتِفِ تَرْتِيلَةٍ عَاجِيَّةٍ/ مَعْقُودَةٍ بِقُوتِ عُمْرِي الْمُرِّ/ فِي مَحَافِلِ وَجَعِي الْمُرَفَّهِ!":

"بِأَجْنِحَةِ طُفُولَةٍ مُعَمَّدَةٍ بِمَاءِ الْحُبِّ/ رَ~فْ~رَ~فَ~تْ/ تَنْهِيدَتُكِ الْمَزْفُوفَةُ.. بِمَرَاثِي مَلاَئِكَتِكِ": كنايةً في كلٍّ عن سرعةِ القرارِ الأمريكيّ بنقلِ سفارتِهِ للقدس، تمهيدًا لتحقيقِ صفقةِ القرن.

"وَ~ حَ~ طَّ~ تْ/ عَلَى كَتِفِ تَرْتِيلَةٍ عَاجِيَّةٍ/ مَعْقُودَةٍ بِقُوتِ عُمْرِي الْمُرِّ/ فِي مَحَافِلِ وَجَعِي الْمُرَفَّهِ!": كنايةً في كلٍّ عن حالِ القدس الصّابرةِ الموْجوعةِ في لحظةِ نقل السّفارة، ومحاولةِ الأمريكان والمحتلِّ ومَنْ شايَعَهُم مِنَ العُربانِ وباركَ قرارَهم، بتطبيقِ صفقة القرن وتوقيعِها، وتزخرُ الصّورُ الفنّيّةُ في هذا المقطع أيضًا: فللطّفولةِ أجنحةٌ كما للطّائر، وهذه الأجنحةُ مُعمّدَةٌ بحبّ الوطنِ والتّعلّق بذرّاتهِ، وللتّنهيدةِ زفّةٌ كما العروسُ في ساحةِ القدس، وهذهِ التّنهيدةُ تَرثيها الملائكةُ، ولها محطّةُ هبوطٍ كما الطّائرة، ولأوجاعِ القدسِ مَحافلُ كالمَحافلِ الدّوليّة، لكنّها تتّسمُ بوجَعٍ مُرفَّهٍ، والوجعُ مُرفّهٌ... انزياحٌ إضافيّ.

9* وتَستمِرّ الشّاعرة بشدوها في المقطع التاسع: "مَشْبُووووبًا/ أَبْحَرْتُ عَلَى مَتْنِ أُمْنِيَةٍ/ وعَرَائِشُ الْمَاءِ/ تُوَشْوِشُ نَوَاعِيرَ اشْتِعَالِي/ بِشَذَاكِ الْغَضِّ!"

"مَشْبُووووبًا/ أَبْحَرْتُ عَلَى مَتْنِ أُمْنِيَةٍ": "مشبوبًا" حالٌ منصوب، وتُقدِّمُ الشّاعرةُ الحالَ على فِعلِهِ وصاحبِهِ، وهنا انزياحٌ تركيبيٌّ في التّقديم والتّأخير، فتُقدِّمُ ما حقّهُ التّأخيرُ، وهو الحالُ على ما حقَّهُ التّقديمُ لتوْليدِ الدّهشةِ والإثارةِ في خلد المُتلقّي، وتُكرّرُ الشّاعرةُ صوتَ الصّامتِ الباء، لتخلِقَ في السّطرِ إيقاعًا يُناسبُ قصيدةَ النّثر، كما تَكرَّرَ الصّائتُ الطّويلُ المُتمثّلُ بصوْتَيْ الواو والألف في الكلمةِ مرّتيْن: أيضًا لتوليدِ نغمةٍ حزينةٍ، تُناسبُ حالَ القدسِ في مأساتِها معَ مدّ صوْتِ الواو طويلًا، ليُفيدَ التّأوُّهَ، ولتُبرزَ عذاباتِ النّفس. "ويمكنُ لدرجاتِ الصّوْت أنْ تؤدّي دوْرًا مُهمًّا في توجيهِ نوع الدّلالة، إذ إنّ "التّنغيم"، "أي المُنحنى البيانيّ الّذي يُسجّلُهُ الصّوْتُ، يختلفُ في الواقع اختلافًا ملحوظًا حسبَ المعنى والخطاب، فالتّنغيمُ دالٌّ إذن، أي أنّهُ يُقوّي هذه الاختلافاتِ، لتُبيّنَ بشكلٍ أحسنَ اختلافَ المَدلولات، وهكذا سيتعارضُ الاستفهامُ والإثباتُ، ليسَ ببناءِ الجُملةِ فحسْب، ولكن بالتّنغيم أيضًا.(21)

"أَبْحَرْتُ عَلَى مَتْنِ أُمْنِيَةٍ": كنايةً عن تطلُّعِ القدسِ لحلٍّ عادلٍ، لا يَسلخُها عن عروبتِها. نُواجهُ الغموضَ في هذهِ القصيدةِ، و"علينا أن نتيقّن بأنّ قصيدةَ النّثرِ وُلِدَتْ لتُحاكي وبشكلٍ مباشرٍ المستقبلَ، إنّها هنا كي تُشرّعَ لنا آفاقَ ونوافذَ ذائقتِنا، بما تَملِكُهُ مِن إمكاناتٍ مَعرفيّةٍ وأخيلةٍ شاسعةٍ خارجَ أُطُرِ الهيكليّةِ التّقليديّةِ للقصيدة، فقد نسَفتِ القصيدةُ الجديدةُ كلَّ القيودِ الذّهنيّةِ والأسيجةِ البصريّةِ، إنّها تُمثّلُ مُحيطًا كبيرًا ومُتماوجًا بالاحتمالاتِ والخياراتِ الجماليّة، بدْءًا مِنَ المُكتسَباتِ البصريّة، وليس انتهاءً بمَشهديّةِ البناءِ القصصيّ والحكائيّ.

لا تُمثّلُ قصيدةُ النّثرِ مجموعةَ تراكماتٍ لغويّةٍ وحشوًا مُتوالدًا على البياضِ، بقصْدِ اللّمعانِ والإبهارِ كما يَعتقدُ البعض، إنّها قصيدةٌ مُتجاوزةٌ لمُخيّلةِ القارئِ التّقليديّ، وهي فضاءٌ مُتعدّدُ العوالمِ، هناك جغرافيّةٌ ذهنيّةٌ ومَناخاتٌ حسّيّةٌ في هذه القصيدة، لا يمكنُ أن تتوفّرَ لأيّ مُنجزٍ إبداعيّ آخر، فقصيدةُ النّثرِ هي إبحارٌ في ذاتِ الإنسانِ المُتعطّشةِ والمُتوغّلةِ في شرايينِ الحياةِ الحقيقيّة، والمُتواريةِ خلفَ مَتاريسِ وثِقَلِ الماضي، هي إبحارٌ في اللّغةِ، باعتبارِ اللّغة قصيدة أخرى، ثمّ علينا أنْ نعترفَ ضِمنيًّا، أنّ معظمَ الأجناسِ الأدبيّةِ بدأتْ تتعاطى الشّعر، ولها قنواتُ اتّصالٍ مباشرةٌ، وعلاقاتٌ وطيدةٌ مع قصيدةِ النّثر، يَظهرُ ذلك جليًّا فيما تُقدّمُهُ السّينما الشّعريّة مثلًا." (22)

10* وفي المقطع العاشر تقولُ الشّاعرة: "توَسَّدت شِرَاعَ أُفُقُكِ النَّدِيِّ!/ تَسَرْبَلْتُ مَاءَكَ.. طَلاَسِمَ وِشَاحٍ/ وَطُفْتُ بِحَلَقاتِ مدَادٍ زِئْبَقِيٍّ/ أُنْصِتُ لِشَفَافِّةِ جَنَائِنِ قُرُنْفُلِكِ!/ أَأَفْتَرِشُ صَدْرَ مَاءٍ تَكَدَّسَتْ بِنَقَائِكِ/ وَمَا اتَّسَعَتْ لابْتِسَامَاتِ رَبِيعِي؟/ أَصَابِعُ لَوْزِكِ اسْتَأْثَرَتْ.. بِرِهَامِ فَيْحَائِي/ وَانْهَمَرْتُ ضَحِكًا فَيْرُوزِيًّا!/ مَزْهُوًّا؛/ تَوَلَّهْتُ بِتَسَابِيحِ مُرَاوَغَتِكِ/ وَاتَّكَأْتُ عَلَى فُسْحَةِ لِحَاظِكِ/ تُلَألِئُنِي/ وَتَلْهَجُكِ بَسَاتِينُ وَقْتِي!".

"توَسَّدتُ شِرَاعَ أُفُقُكِ النَّدِيِّ! تَسَرْبَلْتُ مَاءَكَ.. طَلاَسِمَ وِشَاحٍ": كنايةً عن الغموضِ الّذي يلفُّ صفقةَ القرنِ، مِن أجلِ تسويقِها وخداعِ الفلسطينيّين، ومحاولات ترامب وجولاته في التّرويج لصفقةِ القرن، وقبْلَها في إقناع الغير بشرعيّةِ ذلك.

"وَطُفْتُ بِحَلقَاتِ مدَادٍ زِئْبَقِيٍّ/ أُنْصِتُ لِشَفَافِّةِ جَنَائِنِ قُرُنْفُلِكِ!": كنايةً عن الكلامِ المعسولِ الخادع، وتجوالِ ترامب ومُساعديهِ مِن أجلِ التّرويج بشرعيّةِ نقلِ السّفارةِ، وتمريرِ صفقةِ القرن الّتي تبتلعُ فلسطينَ بإغراءاتٍ كبيرةٍ خادعة.

"أَأَفْتَرِشُ صَدْرَ مَاءٍ تَكَدَّسَتْ بِنَقَائِكِ": كنايةً عن عدمِ عدالةِ الرّئيسِ الأمريكيّ ومُساعديهِ في مسْعاهُم، والاستفهامُ استنكاريّ.

"وَمَا اتَّسَعَتْ لابْتِسَامَاتِ رَبِيعِي؟": كنايةً عن عدمِ قبولِ القدس لقراراتِ ترامب بنقلِ سفارةِ بلادِهِ ولصفقةِ قرْنِه.

"أَصَابِعُ لَوْزِكِ اسْتَأْثَرَتْ.. بِرِهَامِ فَيْحَائِي/ وَانْهَمَرْتُ ضَحِكًا فَيْرُوزِيًّا!/ ومَزْهُوًّا؛": كنايةً في كلٍّ عن سخريةِ القدس مِنَ الوعودِ الأمريكيّةِ والقراراتِ الترامبيّة.

"تَوَلَّهْتُ بِتَسَابِيحِ مُرَاوَغَتِكِ/ وَاتَّكَأْتُ عَلَى فُسْحَةِ لِحَاظِكِ/ تُلَألِئُنِي/ وَتَلْهَجُكِ بَسَاتِينُ وَقْتِي!": كنايةً في كلٍّ على عدمِ انطلاءاتِ القدس للقراراتِ البغيضةِ المراوغة، والّتي في ظاهرِها مساعدةُ الفلسطينيّين، وفي باطنِها سلبُهُم لحقوقِهم المشروعة.

ونلاحظُ في هذا المَقطعِ تزاحُمَ الصّورِ الشّعريّةِ المُشبَعةِ بالرّمز وبالغموض: فللأفُقِ شراعٌ نديٌّ له وسادةٌ يتوسّدُها ويُركِنُ ذراعَهُ عليها، والماءُ وشاحٌ يُلبَسُ ويُتسربلُ به، والمداد والحبرِ الأمريكيّ الّذي خُطتْ بهِ قراراتُ ترامب، له حلقاتٌ وملابس تتمدّدُ كتمدُّدِ الزّئبق، وللقرنفل جنائن شفّافة، وللماء صدر يُفترَش، والنّقاء يتكدّس، وللرّبيع ابتساماتٌ، وللّوز أصابع كأصابع الإنسان والأصابع تُسْتأثَر، وللفيحاء رهامٌ ومطرٌ كالنّدى تنهمرُ ضاحكةً، وللحجر الفيروزيّ الكريم ضحكاتٌ، وللمراوغة تسابيح وابتهالات، وللحظّ فسحةٌ يُتَّكأ عليها، وللوقت بساتين تُلْهِج.. "فالصّورةُ الشّعريّةُ صياغةٌ مُكثّفةٌ لعناصرَ تأتي مِنَ الحاضرِ أو الماضي أو المستقبل، فهي تجمعُ بينَ الأشياءِ المتشابهةِ والمُتناقضة، والمتقاربةِ والمُتباعِدة، القديمةِ والجديدة، الحاضرةِ والغائبة، الماضيةِ والمستقبلة في إطار شعورٍ واحدٍ ورؤيةٍ واحدة.(23) 

11* وتنشد الشّاعرةُ في المقطع الحادي عشر وقبل الأخير: "عَرّيْتِ أَنْفَاسَ صَمْتِي/ بِإِغْوَاءَاتِكِ الْمُقَدَّسَةِ/ وَعُنْوَةً/ انْسَدَلْتُ انْثِيَالَاتٍ تَتَوَهَّجُ/ علَى عَتَبَاتِ غَمَامِ الْحُرُوفِ!"

"عَرّيْتِ أَنْفَاسَ صَمْتِي/ بِإِغْوَاءَاتِكِ الْمُقَدَّسَةِ": كنايةً في كلٍّ عن رفْضِ القدسِ لقراراتِ ترامب وفريقِه.

"وَعُنْوَةً/ انْسَدَلْتُ انْثِيَالَاتٍ تَتَوَهَّجُ/ علَى عَتَبَاتِ غَمَامِ الْحُرُوفِ!": كنايةً عن محاولةِ ترامب فرضَ صفقةِ قرنِهِ بالقوّة، وبحروفٍ مُلتويةٍ تسلبُ الفلسطينيَّ حقوقَهُ المشروعة. وتَنهمرُ الصّورُ الشّعريّةُ بقوالبَ رمزيّةٍ، فللصّمتِ أنفاسٌ كما للكائنِ الحيّ، وله ملابس تُخلع، وللحرفِ غمامٌ كغمامِ السّماء، وللغمامِ عتباتٌ كما عتبات البيوت، وقد ذكرت الشّاعرةُ الحرفَ "الجزء"، وأرادت به "الكلام" وهو الكلّ، مجاز مرسل علاقته الجزئيّة.. هي لغةُ الصّورة الشّعريّة ولغةُ الرّمزِ، و"اللّغةُ هي الّتي تَفتحُ لنا العالم، لأنّها وحدَها الّتي تُعطينا إمكانَ الإقامةِ بالقرب مِن موجودٍ مُنفتحٍ مِن قبل.. وكلُّ ما هو كائنٌ لا يمكن أن يكونَ إلّا في (معبد اللّغة).. اللّغة تقولُ الوجود، كما يقولُ القاضي القانون. واللّغةُ الصّحيحةُ هي خصوصًا تلك الّتي ينطقُ بها الشّاعر، بكلامِهِ الحافل. أمّا الكلامُ الزّائفُ فهو كلامُ المحادثاتِ اليوميّة. إنّ هذا الكلامَ سقوطٌ وانهيار.(24)

و"اللّغةُ الّتي يَتداولُها النّاسُ (مصاغة بصور شعريّة معانقة للرّمز)، قد تكونُ أحيانًا أقوى مِن لغةِ القاموس؛ لأنّها عندما تندرجُ في سياقِ القصيدة، تتصفّى فتصيرُ رمزًا."(25)

12* وتُنهي الشّاعرة آمال قصيدتَها بقوْلِها: "أَيَا وَجْدِي الصَّاخِبُ/ كَمْ بِتُّ أَسْتَجْدِي مُحَالَكِ!/ فِي حُقُول الْكَلامِ/ تَعْصِفني رَيَاحِينُكِ/ أَتَستمِرّئُـنِي/ سُحُبِي الْـــتَجْهَشُكِ/ زَخَّاتٍ أَبَدِيَّةِ الضِّيَاء!؟"

والمقطعُ تستهلُّهُ الشّاعرةُ بالأسلوبِ الإنشائيّ، والنّداءُ– نداءُ الشّاعرةِ لقلبِها ووجْدِها- يفيدُ التّحبُّبَ والتّحسُّرَ في آنٍ واحد، فوجْدُ القدسِ صاخبٌ بالظُّلمِ الّذي يُحيقُ بها، والمُحالُ يُستجدى، وللكلامِ حقولٌ، وللرّياحينِ عواصف، والسُّحُبُ تلتهجُ، ولَها زخّاتٌ كما المطر ولها ضياء... صُوَرٌ شعريّةٌ تتزاحمُ.

2019-04-01