الأربعاء 12/10/1444 هـ الموافق 03/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
آفاق الإرهاب الصهيوني الأمريكي....د. حميد لشهب

تفنن ترامب في فترة حكمه للولايات المتحدة الأمريكية في توزيع بطاقات تهمة الإرهاب على كل شخصية أو فريق أو مجموعة مسلمة تُعتبر في نظره حجر عثر في طريق تلبية رغباته الباثولوجية وميولاته العدوانية اتجاه كل ما فيه رائحة الإسلام. لاداعي للتذكير بأن الحزب الذي يمثله ترامب موغل في أغلبيته في تصور خاص للعالم، مفاده أن حق العيش لا يليق إلا بنخبة من المسيحيين، أي الفرقة الناجية المصطفات من عند الله. وتُعتبر إسرائيل ذاتها أذاة فقط في سبيل تحقيق هذا الهدف النهائي لهذه الفئة، التي تُعتبر كل العالم خادما لها، ولا يبتعد هذا كثيرا على أيديولوجية الأبرتهايد، التي مورست في جنوب إفريقيا قبل القضاء عليها وتفنن الصهاينة في تطبيقها في أرض فلسطين إلى حد الآن.

 

الإرهاب الأمريكي الصهيوني اتجاه العالم عامة والمسلمين خصوصا هو نتيجة حتمية طبيعية لفكر الأبرتهايد القابعة في أيديولوجية أصبحت متكاملة المعالم، هدفها الأسمى هو القضاء النهائي والتام على المسلمين -وأقول هنا المسلمين كبشر، وليس فقط معتقدهم- كخطوة أولى ومهمة للقضاء على حضارات وثقافات أخرى. ومن بين مرتكزات تلك الأيديولوجيا هي البحث عن الثراء بكل الوسائل، لأن السلطة الوحيدة التي تعترف بها هذه الأيديولوجية هي سلطة المال، سواء أكان نقودا بنكية أو معادن ثمينة. وهنا بالضبط ينكشف الخيط الخفي لهوس ترامب بجمع الأموال، ولربما كان اللوبي الصهيوني هو من انتبه إلى هذا الأمر، ومارس اتجاه ترامب ما تمارسه السلطات السعودية اتجاهه، أي شرائه بالمال. الفرق هو أن، إذا صحت فرضيتنا في كون آل صهيون يقدمون علاوات لترامب، هو أن الصهاينة يحصلون على أضعاف ما "يهبونه" له، وتتم العمليات في سرية تامة. في حين أنه يمارس إرهابا منقطع النظير عندما ينقص صبيب الدولار الآتي من السعودية في بحر الأموال الأمريكية. ويُعتبر هذا الإرهاب من أخطر أنواع الإرهاب، لأنه يسلب، ليس فقط كرامة آل سعود ومعهم كل السعوديين، بل يسلب فيهم كل بذور المقاومة، ويُحتم عليهم الإستسلام والركوع لأمريكا، عوض الركوع لله الأوحد. فالسكوت المطبق إلى حد الآن للصهاينة والأمريكان على إرهاب الوهابية السعودية يندرج في إطار خدمة آل سعود للصهيونية ودفع رشاوي لترامب وإدارته. لا يهم من سيتسلم السلطة بعد ملك السعودية الحالي، فالثابت هو أن من سيأتي بعده، سيكون -إذا استمرت وتيرة اغتصاب السعودية من طرف الثنائي الصهيوني الأمريكي- سيكون آخر ملك لآل سعود، لأن عملية دفع العلاوات ستنقص إلى حد كبير، فكل المؤشرات الاقتصادية تشي بما لا يدع مجالا للشك بأن "ثروة" آل سعود ستنبض، وستُعوض بثورة داخلية، ستكون اليد الأمريكية حاميتها والهندسة الصهيونية راسمتها. بمعنى أن المخطط الصهيوني الأمريكي سيكتمل في المنطقة العربية، حتى وإن لم يستطع التحقق نهائيا في العالم الإسلامي برمته، كما يريد المرء.

 

العداوة التاريخية لأمريكا ضد إيران، ليست عداوة أيديولوجية فقط، بل كلها تمظهرا للحقد الدفين الذي تحمله أمريكا ضد المسلمين، وبالخصوص من يتشبث منهم باستقلاله وعدم دورانه في فلك أمريكا والصهاينة. كانت استراتيجية أمريكا في حرب إيران والعراق على عهد صدام هي القضاء على مهد الحضارة العربية، ممثلا في العراق، وعلى القوة المسلمة الصاعدة التي كانت ممثلة في إيران أنذاك. نجحت أمريكا في دك العراق ومعه القسم الأكبر من الحضارة العربية المسلمة، لكنها أخفقت بالكامل في المس بالحزم الإيراني ورغبته، ليس فقط في الإحتفاظ باستقلاله، بل المضي من أجل تحقيق ما يضمن الدفاع العسكري على الوطن وتطوير صناعة عسكرية، باتت تمثل تهديدا على الصناعة الحربية الأمريكية، التي تخشى أن تصبح إيران منافسا لها في سوق تجارة السلاح عالميا. ولم يكن خلق داعش من طرف الأمريكان وحليفتها الصهيونية إلا عربونا على الرغبة الجامحة لهما في تدمير إيران، وهي رغبة إرهابية بحثة، تحاول أمريكا تطبيقه بكل الوسائل، لا يهمها إن كانت شرعية أم لا. وافتعال المشكل السوري من طرف الأمريكان هو نسخة مطابقة للأصل لسيناريو الحرب العراقية الإيرانية، وتعيش أمريكا والصهيونية أتعس لحظاتها التاريخية، لأن مخططها في القضاء على إيران لم ينجح من جديد، ولربما هذا هو سر حملتها المسعورة والمحمومة والهيستيرية ضد هذا البلد المسلم.

 

من غير المناسب أن يحجب غبار الزوابع الإرهابية التي تمارسها أمريكا والصهاينة ضد المنطقة العربية والمسلمة حاليا الحقيقة المرة في كونها، باتهام جماعة الحوثيين وحزب الله مثلا والحرس الثوري الإيراني وجماعة الإخوان المسلمين إلخ بالإرهاب، تُعبر للعلن على أنها مستمرة في نهج سياسة الأبرتهايد ضد المسلمين، لأنها أخفقت في بسط نفوذها الإمبريالي بالكامل، وما استعانتها بالدول الخليجية وبالخصوص السعودية إلا برهانا على أن محاولة نسف المسلمين من الداخل لم تأت بثمارها، ولهذا السبب تلوح بالهجوم المباشر على كل من سولت له نفسه من أبناء هذه الأمة المسلمة الغير المغلوب على أمرها. إيران وحزب الله هما رمزان فقط للمقاومة العضوية للأبرتهايد والإستعمار الصهيوني الأميركي. يمثلان القطب المغاير لقطب المسلمين المستسلمين، المتشبثين بذيول الإستعمار. ولتركيز الإمبريالية الحالية على الإخوان دلالات لا حصر لها، من أهمها محاولة القضاء على مجموعة مسلمة كبيرة جدا، ذات أفكار ضد امبريالية واضحة. كما أن انتشارها ووجودها، بل مشاركتها في الحكم في بعض الدول المسلمة، هو بمثابة شوكة تهدد الهيمنة الإستعمارية الحالية لأمريكا والصهيونية، وعلى هذا الأساس فإن خطرها عليهما يشبه إلى حد كبير خطر إيران وحزب الله. فإرهاب الأبرتهايد الأمريكي الصهيوني هو الإرهاب الحقيقي الذي يهدد الكون، وليس الإخوان أو حزب الله أو إيران. ولربما حان الوقت للقوى التحررية المسلمة أن تلم الشمل من أجل مواجهة كل التهديدات واستكمال تحرير الأرض المسلمة واستعادة هيبة الأماكن المقدسة بشبه الجزيرة العربية، قبل أن يُصبح المسلم مضطرا لطلب تأشيرة أمريكية أو صهيونية لقضاء فريضة الحج أو أداء مناسك العمرة وزيارة قبر الرسول.

2019-05-02