الثلاثاء 11/10/1444 هـ الموافق 02/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
من أرشيف المهرجانات الشعرية في مدينة الناصرة "نهاية شيخ" لفّ ذيله وانسحب!/ فتحي فوراني


• ألمهرجان الشعري في جمعية الشبان المسيحية

ألزمان 2-3-1957

ألمكان: جمعية الشبان المسيحية في الناصرة.

هذا المساء يعقد مهرجان الشعر السنوي في جمعية الشبان المسيحية في الناصرة..وهو حلقة من  سلسلة النشاطات الأدبية والثقافية التي كانت تقيمها الجمعية والتي يشرف عليها الأستاذ  فهد سمعان المسؤول عن جمعية الشبان المسيحية.

هلمّوا أيها الشباب والطلاب والكتاب والمعلمون والمثقفون  لحضور المهرجان الكبير. نلبي النداء ونذهب إلى جمعية الشبان المسيحية (دار الشيخ يوسف أمين الفاهوم التي استقبل فيها صديقه البهائي عباس أفندي في أواخر القرن التاسع عشر)

**

ألقاعة تغصّ بالمئات من أبناء المدينة من جميع ألوان الطيف الاجتماعي والثقافي والسياسي والشخصيات الأدبية.  ومعهم عدد كبير من الطلاب الثانويين الذين جاؤوا من جميع أنحاء الوطن لكي يغرفوا من مناهل العلم في مدارس مدينة البشارة.

وعلى المنصة يجلس الشعراء بولس بولس وحنا أبو حنا وحبيب قهوجي وعصام العباسي  وعيسى لوباني وسليم شعشوع وحنا إبراهيم  وجورج نجيب خليل  وجميل لبيب خوري  وراشد حسين وجمال قعوار  ومحمود عبد الفتاح والشاعر "الفتى" فرج نور سلمان..كما وصفته مجلة "الجديد"! (ألجديد، العدد الثالث 1957)

سامع يا أيها  "الشاعر الفتى"!؟

سامع يا أبا جوهر!؟

**

فقد كانت هذه المهرجانات الثقافية التي حفلت بها عاصمة الجماهير العربية المحاصرة داخل الجدران الشاهقة  للحكم العسكري..متنفسًا نطل منه على حدائق الثقافة..ففيها متنفّس  يشفي غليل النفوس التي تتحرق شوقًا إلى فضاءات ثقافية!

**

• ألشاعر الفتى..وشعراء على ظهر خيلهم!

يفتتح المهرجان  سكرتير الجمعية فهد سمعان بكلمة جامعة عن ماهية الشعر وأهدافه في مجالات الحياة، وينهي كلمته بأبيات شعرية مهّدت لجوّ المهرجان الذي عبق برائحة شعر الحب والكفاح والحياة.

وتعتلي المنصة لتقديم الشعراء السيدة أولغا..ولا أذكر منها إلا أنها السيدة "أولغا"..فقط! ولأول مرة في المهرجانات الشعرية التي تقام في البلاد تشترك الشاعرة (!) جلاديس حوري من مواليد العراق. فتلقي قصيدة "قيثارتي" التي تنال عطف الحضور، كما ذكرت مجلة "الجديد". (ويبدو أنها كانت بحاجة إلى مثل هذا العطف!)..نسمع بهذه الشاعرة لأول مرة..ولا نعرف ولم نعرف عنها شيئًا..ولم نسمع بها من قبل..ولا من بعد!

**

وفي ذلك  المهرجان يلقي حنا أبو حنا  "أنشودة القافلة"، وجميل لبيب خوري "إلى صلاح الدين"، وراشد حسين "ألحسناء والقرية" و"ثورة فلاح"،  وعصام العباسي "أحبك"،  وعيسى لوباني "أمسيات حزينة"، وجمال قعوار "أبي سعدت صباحًا"، ومحمود عبد الفتاح "آمال"، وسليم شعشوع "ذكرى"، وبولس بولس "على الطائر الميمون"، والشاعر "الفتى!" فرج نور سلمان "لا تضحكي، وأخي العامل ووصية"..

**

• حبيب قهوجي و"نهاية شيخ" لف ذيله وانسحب!

في ذلك المهرجان ألقى حبيب قهوجي قصيدة سياسية رمزية ساخرة ذات نكهة مميزة ..

ففي تلك الفترة سجل التاريخ الحديث عدوانًا ثلاثيًا على أرض الكنانة  "أم الدنيا" عام 1956 قادته بريطانيا العظمى وفرنسا وإسرائيل..نزلت القوات الفرنسية والإنجليزية في بور سعيد وقناة السويس، وتم  احتلال إسرائيل لسيناء. وإزاء الإنذار السوفييتي بضرب لندن وباريس بالصواريخ الذرية، جاءت الأوامر من البيت الأبيض بـ"الانسحاب الثلاثي"..فلف بن غوريون ذيله  و"سكسك"..وانسحب من سيناء!

لقد فشل العدوان!

وتعمّ الفرحة أرجاء العالم العربي..والجماهير العربية الباقية في وطنها. فانتصار "أم الدنيا" انتصار لشعبنا في وطن آبائنا وأجدادنا. نحن جزء من الأمّة العربية..ومن الشعوب المسحوقة..يفرحنا ما يفرحها..ويبكينا ما يبكيها..

**

يقف الشاعر حبيب قهوجي على المنصة وتجود قريحته  بقصيدة طريفة تذكرها الأجيال:

شيخ  تولع بالهوى      والشيخ أحمق إن أحب

بلع العجوز بريقه  وحفى الشوارب  واختضب

قد لف ذيله وانسحب   لا تسألوني ما السبب

كان يلقيها مبتسمًا ممسكًا باليد اليسرى بورقة "الشيخ" وملوحًا بيده اليمنى بحركة مسرحية..وترتسم الابتسامات على شفاه الحضور..وتشع العيون نشوة..دلالة على استمتاعهم بالقصيدة وحركات الشاعر المسرحية..وابتسامته الساخرة.. واشتعلت القاعة تصفيقًا!

غير أن القائمين  على إدارة الجمعية عاتبوا الشاعر على إلقائه هذه القصيدة التي تشي  بإيحاءات سياسية أحرجت القائمين على جمعية الشبان المسيحية (ألجديد، آذار1957).

• حبيب قهوجي لم ينسحب!

ويهمس في أذني صديق من العالمين بما يجري وراء الكواليس أن البث الإذاعي للمهرجان توقف عند حبيب قهوجي..الذي تابع إلقاء القصيدة..ولم ينسحب!

وفي اليوم التالي استفاق الناس ليجدوا القصص والحكايات التي تملأ الفضاء الأدبي في المدينة عن شيخ لفّ ذيله وانسحب..وعن شاعر ظلّ ساحبًا ولم ينسحب!

أين هربت هذه القصيدة الجميلة؟

لم أترك مصدرًا ولم أعدم  وسيلة  للحصول عليها كاملة..غير أن جميع محاولاتي باءت بالفشل الذريع!

فأين المسيح المنتظر؟

أنا في انتظار جودو!

**

• أين أنت يا رجل؟

ولحبيب قهوجي قصيدة عن ترحيل عرب الكمانة "حاضنة" كرميئيل إن صح التعبير، ومطلعها:

عرب السواعد ما جريمة ولدهم   ألأنهم عبدوا شعاب الوادي؟

في أي الشعاب تبعثرت إبداعات هذا الشاعر؟

لم يُبق لنا حبيب شيئًا من آثاره الشعرية..غير بعض القصائد المنشورة في مجلة "الجديد"  في تلك الفترة من خمسينات القرن الماضي.

فأين أنت يا رجل؟

وأين ينابيعك الشعرية الثرّة التي نهلنا منها ذات يوم؟

**

• ألملك يمشي عاريًا

تقول العرّافة: في العقد الثاني من القرن الحالي..يحنّ "الشيخ" إلى صباه ويقتله الحنين إلى أمجاده الزاهرة..فيحاول إعادة إنتاجها..لإصدارها في طبعة عصرية..

وتكثر في هذه الأيام حكاية شعبية عن  الشيخ الذي خلص كازه ويحنّ للرجوع إلى صباه..

فيسأل الراوي:

- وهل ستنجح الماشطة في ترميم الشعر العكش!؟

- من سابع المستحيلات!

- وما مصير الشيخ الذي خلص كازه!؟

فتجيب العرّافة: 

- لقد سقطت ورقة التوت عن عورة الشيخ..وسوف يلفّ ذيله..ويظل يلفّ يلفّ..حتى يقع على رأسه غزًّا!

ويسدل الستار!

**



 



• إشارة



حبيب بن نوفل قهوجي

.

ولد في قرية «فسوطة» في شمال الوطن عام 1931

أنهى دراسته الثانوية في كلية الرابطة الوطنية في «البصة» بفلسطين، ثم تخرج في الجامعة الوطنية ببلدة عاليه (لبنان).

عمل مدرسًا  في مدرسة الفرير والكلية الأرثوذكسية العربية ومدرسة راهبات المَحبة في حيفا. ترك وطنه اضطراريًا عام 1968 واستقر في سوريا بعد أن عاش فترة في قبرص.

عمل باحثًا في مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، كما عمل في مؤسسة "الأرض" بدمشق.

له دور بارز في  المشهد الشعري بعد عام 1948  من خلال المهرجانات الشعرية والندوات الأدبية والثقافية والسياسية. هو أحد مؤسسي جماعة "الأرض" (1958)

**

من مؤلفاته:

1978 1- «القصة الكاملة لحركة الأرض» - منشورات العربي - القدس

2-  «عرب فلسطين المحتلة عام 1948» - مؤسسة "الأرض" للدراسات الفلسطينية- دمشق  1976

3-  «إنتماء وصمود» - مؤسسة "الأرض" للدراسات الفلسطينية - دمشق 1976

*

يقيم  اليوم في فرنسا

**


2015-01-10