الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
من أرشيف "العصور الزاهرة"! عندما غرّد الطير الشادي..في"عيد استقلال بلادي"!...فتحي فوراني

ويشعر عبد الله بغصّة في الحلق!

في "عيد استقلال بلادي"..يُخلع شرش الحياء..فتُخلع القضبان..وتفتح أبواب "الحرية" على مصاريعها..

الآن..يستطيع العربان أن ينطلقوا ويسرحوا ويمرحوا ويفرحوا كما يطيب لهم..وأن  يسافروا حيث شاؤوا في طول البلاد وعرضها..فالطرق مفتوحة بلا حواجز ولا حدود ولا سدود ولا قيود!

وتعلن "حالة الطوارئ" في المكاتب الرسمية..والمدارس الحكومية!

وترفع الأعلام!

يُفرض على المديرين أن يقسموا يمين الولاء والسيف فوق رقابهم..فيتنافسوا في قيادة "الحملة الشعبية" لتزيين الصفوف وطلاء الحيطان..

وينبري المعلمون مع تلاميذهم والسياط وراء ظهورهم  للعمل في الورشة الكبرى  لصناعة الفرح  تلبية  لنداء "الواجب الوطني"!

ويشمر معلمو الموسيقى عن سواعدهم وناياتهم وكمنجاتهم..ويقومون بتدريب الطلاب الصغار على  "النشيد الوطني"..لكي ينشدوه احتفاء  بقدوم  عيد استقلال  الدولة العليّة!

وتنتظم جوقة الصف الأول على خشبة المسرح.. فيصدح النشيد ليعلو ويعلو حتى يغطي  سماء المدينة!

في عيد استقلال بلادي   غرد الطير الشادي

وعمّت الفرحة البلدان     حتى السهل والوادي

**

الشعب يغني       فرحان متهني

يحلالو الترتيل   في عيد إسرائيل

ودمتي يا بلادي..

**

فتغرد الطيور على أشجار الصنوبر..ويعم "الفرح" أرض الوطن الذبيح بسهوله  وجباله ووديانه..وأطلال قراه التي كانت وسادت ثم بادت!!

تختلف الروايات في هُوية أصحاب الورشة التي أطلعت هذه الأبيات!!

ويشعر عبد الله  بغصّة في الحلق!

 

عن الدبابات والطائرات..والفرح المستعار!

يصدر سلطان البرّين وخاقان البحرين  فرمانه الذي يقضي بالخروج على قراره..فيفكّ طوق الحكم العسكري..ويعلن عن إطلاق سراح السجين من زنزانته ليوم واحد فقط..يوم واحد في السنة..ليتنفس الهواء النقي..وينعم بحرية التجول في طول البلاد وعرضها..بدون تصريح من سعادة الحاكم!

ويكون المشهد التراجيكوميدي..فيستغل غلابى العربان هذه "المكرمة" الحكومية ويشحنون بسيارات الشحن إلى  تل-أبيب أو حيفا للتفرج على الاحتفالات  الرسمية بالعرض العسكري الذي يحفل بالدبابات والمصفحات والمجنزرات  والمدرعات والطائرات الحربية قاهرة الجيوش العربية..التي يزينها علم الدولة الفتية!

لقد أصدر الباب العالي فرمانه السادي!

عليكم أن تفرحوا!

وإلا..!!   

سمعتم بالذي يفرح على "سخام" جدته؟!

أهو الفرح المستعار ترويحًا عن القلوب "المجمورة"!؟

أهو اتقاء للشر الذي امتازت به غيلان "أبو كلبشة"؟!

أهو النفاق واللعب في ساحة السلطان "وليّ النعمة"!؟

ربما وربما وربما!

 

موشي إلياهو وفايزة رشدي وليلى نجار نجوم الطرب الأصيل!

 

وما زال جراحات النكبة شلالا يهدر ليغمر النهر الحزين!

وما زالت قوافل التهجير تتدفق نحو الشمال..تاركة ملاعب الصبا وراءها..وحاملة في جيوبها مفاتيح بيوتها..وضباب أسود يخيم على دروبها!

 

**

وتفرض المؤسسة الحاكمة على أهل المدينة أن يحتفلوا  و"يفرحوا"!

فتقام الأفراح والليالي الملاح في ناصرة ما بعد النكبة..

وفي ساحة  ترابية سائبة داشرة تقع خلف كنيسة البشارة..يقام احتفال بمناسبة "عيد استقلال بلادي"..يحضره –قهرًا!- جمهور من مديري المدارس والمعلمين والموظفين ورجال الشرطة.."ورجالهم"!..

ويتجمهر الصبية لمشاهدة "السيرك"..والاستماع إلى بهلوانيات الكلام..وجواهر النفاق ومسح الجوخ الذي تقوم به الضحية في مديح الباب  العالي!

 وتصل أعراس النفاق والتلون والتزلف والدجل ذرى قياسية..

ويبتسم "أبو كلبشة" مستهبلا قصائد المدح العصماء!

**

ينتهي المشهد الأول  من المسرحية..

وننتقل إلى المشهد  الثاني..

 يرفع الستار..فيظهر نجوم  الطرب الأصيل..ويعلو الصفير!

الفقرة الأولى تقدمها  كوكب الشرق ومطربة الأجيال.. فايزة رشدي!

ويتناوب معها في "وردية" أخرى موسيقار الشرق..الجنرال موشي إلياهو..نجم الطرب الأصيل!

وتلحق بهما نجمة الغناء العربي ومحبوبة الجماهير التي طبّقت شهرتها الآفاق..مطربة الإمبراطورية العظمى.. ليلى نجار!

وهزّي يا نواعم!

وتروح نواعم تهز..وتظل تهز وتهز وتهز وتتصبب عرقًا..

فقد تعبت واستوت..حتى استوت على عرش الشهوة!

ألم تسمعوا بهذا الثلاثي المرح الراقص على الجرح النازف!؟

أنتم الخاسرون..أنتم الخاسرون!

لقد خسرتم نصف عمركم!

ألحاكم العسكري وأعلام الدولة الفتية..والطبل والزمر والدجل والقهر والعهر والتهريج

 والضحك على الذقون..سيد المشهد!

وتعود نواعم لتواصل المسيرة..وتهز خصرها الحرير على إيقاع الدبكة الفلسطينية المغتصبة!

 إنها "فرجة" مجانية..في زمن ما كنت أوثر أن يمتد بي..حتى أرى "فرح" العربان باغتصاب أمهاتهم وجداتهم!

ألمسرحية تراجيكوميدية بامتياز..واللعبة مبيوعة..هكذا يعلّق الصبيّ عبد الله..

"سيما أونطة"..كما يقول أهلنا في أرض الكنانة!

 

عليك أيتها المغتَصَبة..أن تستمتعي وتزغردي!

وتقام الأفراح والليالي الملاح في مدينة البشارة في عصر ما بعد النكبة..

عليك أن تفرحي  يا ناصرة..

عليك أن تجلسي فوق الخازوق المبشّم..عليك أن تستمتعي وتزغردي وتطربي وترقصي وتفرحي وتحتفلي وتغنّي!

تمتعي من شميم عرار نجد..فما بعد العشية من عرار!

ولا تدعي فرصة العمر تهرب منك!

**

يقف  عبد الله على مشارف المشهد..مدججًا بالجراح النازفة..وصوته يهز الدنيا:

تغوص في خاصرتي الرماح

وترتوي من الدم المباح

ويمتطي نيرون شهرزاد

من المسا  حتى الصباح

وأنت ترقصين عارية

على عظام جدّك المقهور ترقصين عارية

في موكب السبي على مسارح التتار

وعاشق النبيذ في عينيك..بانتظار!

يلملم الذباب عن عين القمر

وينظم الأشعار!

وفي يدي حقيبة السفر

مهزومة الخطو على باب المطار

وأنت ترقصين عارية

على عظام جدك المقهور ترقصين عارية..

وفي يدي حقيبة السفر..

فلتحترق روما!

وليسدل الستار!

ليسدل الستار!

**

 

2015-05-06