الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
حرب النّفط تُشعل العالم....عائد زقوت

شنت واشنطن هجومًا إعلاميًا واسعًا على روسيا والسعودية بسبب قرار منظمة أوبك بلس بتخفيض انتاج النفط بحوالي مليوني برميل يوميًا من بداية نوفمبر القادم، واتهمتها بتسيسس موارد الطاقة واستخدامها سلاحًا في إطار تداعيات الأزمة الأوكرانية، ولكن السعودية نالت الحظ الأوفر من الهجوم حيث صنفها الإعلام الأميركي أنها عدوة، ودعا لرفع الحماية عن السعودية، وكشف سمائها بمعنى التخلي عن حماية السعودية، وذهب اليسار الراديكالي لأبعد من ذلك في هجومه على السعودية وقام برفع قانون للكونجرس يحمل اسم الشراكة المتوترة الذي يحث على تنفيذ ما ورد في وسائل الإعلام . من المعلوم أنّ كلًا من السعودية وروسيا أعضاء فاعلين في منظمة أوبك بجانب العديد من الدول المنتجة للنفط عربية كانت أو آسيوية أو لاتينية، واتخذت هذه الدول مجتمعة قرارها هذا في محاولة منها للحفاظ على اقتصادها والتحسب لأي مشكلة اقتصادية في المستقبل، لكن أميركا قابلت ذلك بالرفض التام، لعدم استعدادها قبول تطور الاقتصاديات الأخرى على حساب الاقتصاد الأميركي، ولا يهمها في هذا السياق تدمير اقتصادات الأخرين في منظمة أوبك أو في العالم بأسره، حيث تسعى أميركا لتقويض أسعار الطاقة الروسية بتسعير النفط الروسي على غرار النفط الإيراني والفنزويلي، ومن هذا المنطلق يمكن أن نشهد تلاعبًا كبيرًا في الأسعار ليس من دول منظمة أوبك بلس، بل من واشنطن التي تملك زمام فرض العقوبات على الدول المنتجة للنفط، وفي مقدمة أهدافها انهاك الاقتصاد الروسي من جهة، واستمراءً لسياسة العزل بين روسيا وأوروبا، وذلك بوقف العمل في مشروع الربط الاستراتيجي بينهما وتحديدًا خطي الغاز نورد ستريم 2,1 اللذان تعتبرهما الإدارات الأميركية المتعاقبة خطرًا استراتيجيًا على تحالفها مع أوروبا، وعلى هذا لا يمكن وصف قرار أوبك بتخفيض الانتاج أنه يصب في مصلحة التقارب السياسي أو البعد الاستراتيجي لدول المنظمة، إنما حماية لاقتصاديات الدول المنتجة للنفط من التعسف الأميركي، وخاصة في ظل سعي واشنطن لتخفيف الأعباء عن المواطن الأميركي لأجل كسب أصوات النخابين في انتخابات التجديد النصفي الأميركي والذي يأمل بايدن بعدم خسارة كبيرة في الانتخابات بعد مؤشرات التراجع الشعبوي للحزب الديموقراطي، والعديد من الاخفاقات المتكررة لإدارة بايدن في ٦مجالات الطاقة والغذاء، أو على صعيد الشركات التي كانت تعمل مع روسيا. حقيقة يوجد تحالفات اقتصادية ولكنها لا يمكن أن ترتقي لمستوى التحالفات السياسية، ويؤشر على ذلك استعداد روسيا لاستئناف ضخ الغاز إلى إيطاليا عن طريق الخط العامل الوحيد بعد تفجير الخطوط الثلاثة وتعطيلها، و قد لاقى ذلك موافقة إيطالية، وفعلًا تم استئناف الخط أعماله وبدأ ضخ الغاز لإيطاليا، و بناءً على ذلك لا يوجد عند روسيا مشكلة في أن تستأنف ضخ الغاز لألمانيا وفرنسا لكن وفق شروطها المتعلقة بدورها المباشر في لجنة التحقيق المعنية بتفجير خطوط غاز السيل الشمالي، واطِّلاعها على التقارير بشكل مباشر، وأيضًا حسب المتغيرات التي طرأت على نظام التعامل المالي بعد العقوبات الغربية عليها، وهذا يشير إلى أنه لا يوجد تحالفات شرق أوسطية روسية، أو شرق أوسطية أميركية لأن كلًا من الشرق المتوسط وروسيا يهدفان إلى تكامل عمل الطاقة وبالتالي تحاول روسيا ترسيخ عدم مسؤوليتها عن الأضرار التي أصابت أوروبا جراء التذبذب في صادرات الطاقة من روسيا الناتجة عن الأخطاء الأميركية في فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا علاوة على الوعودات التي أخذتها على عاتقها لتعويض أوروبا عن النقص في الغاز الروسي، إلا أنّ إطالة زمن الحرب كشفت زيف الوعودات الأميركية بحيث لم تفِ بتلبية احتياجات أوروبا من الغاز على الرغم من أنها تُعد من أكبر الدول احتياطًا للطاقة، ولم يقف الأمر عند ذلك فحسب، بل باعته لهم بأسعار قياسية تجاوزت أربعة إلى سبعة أضعاف، كما جاء في تصريحات ناقدة للموقف الأميركي على لسان ايلاف شولتز المستشار الألماني، والرئيس الفرنسي ماكرون . ‏السلوك الذي تنتهجه أميركا في إدارتها للأزمة في أوكرانيا وتداعياتها وخصوصًا ما يتعلق بإمدادات النفط والغاز يكشف عن مدى الانتهازية الاحتقارية في تعاطيها مع حلفائها الأوروبيين في هذا الجانب، وفي الجانب الآخر كشفت عن أكذوبة القيم والشعارات التي تُرَوج لها على مدار عقود من الزمن، وأنها تؤكد أيضًا استمرار انزلاقها في إطار فلسفة الاستعمار، حيث عمدت إلى شيطنة قرار أوبك ليتسنى لها تعويض ما ستستهلكه في الداخل الأميركي بأبخس الأسعار، واستنزاف أوروبا لبسط هيمنتها عليها بعد التململ الأوربي لمحاولة فصل سياساته عنها، في ذات الوقت هناك دولًا بدأت تعاني من أزمات اقتصادية وهناك خطط اقتصادية بمبالغ عالية جدًا أودعتها ألمانيا تبلغ مئتي مليار دولار وكذلك فرنسا أضحت جميعها في ظل الأزمة في مهب الريح. وأمام هذه التقلبات والمتغيرات تراهن روسيا على تفكيك الموقف الأوروبي، وتراهن أميركا على عدم حاجة أوروبا للغاز الروسي هذا الشتاء آملة في انهيار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والذي يبدو أنّ النزاع الروسي الأوكراني يسير نحو الاشتعال في الفترة القادمة، فكم من وقت تحتاجه أميركا لتحقيق مآربها في مقاسمة روسيا بما تملكه من موارد العالم الطبيعية والتي تُقدر بأكثر من 30%، ثم تتفضل على أوروبا بجزء من الكعكة المتوخاة، وتُمَكِنُ لاستبدادها على أرجاء البسيطة عقودًا مديدة، وهل ستقبل أوروبا بالتبعية الأبدية لواشنطن، وهل ستصمد أوروبا طويلًا أمام أزمة الطاقة، وبداية الحراك الجماهيري الذي يهدد أنظمة الحكم المختلفة فيها . كافة المعطيات تشير إلى امكانية حدوث تحوّل في الموقف الأوروبي، واحتمالية أن نرى انقلابًا أوروبيًا حتميًا على المؤامرة الأميركية .

2022-10-11