الأربعاء 8/10/1445 هـ الموافق 17/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
التحرش الجنسي والعنف السياسي في مصر
التحرش الجنسي والعنف السياسي في مصر

التحرش الجنسي والعنف السياسي في مصر

(العمل في مصر وفي تونس أيضاً، جارٍ على قدم وساق لإقصاء النساء عن الشارع الثوري. والآلية الأسهل لتحقيق ذلك عبر إشاعة أجواء الترهيب والخوف. فنشر الخوف هو المساحة الأفضل لعمل الجماعات السلفية لتحقيق مآربها وغاياتها، مدعوماً بسيول من الفتاوى التي تحرِّم وتخوِّف وتقصي وتعزِل ومن ثمّ تحكم. وتعمل كذلك على ليّ الذراع الموجعة للنساء بشن حملات التحرش الجنسي، وتحويله من ظاهرة اجتماعية إلى وسيلة للقمع السياسي ذات طابع انتقامي، ممنهج ومنظم، تقوم بها عصابات مدربة لاصطياد الفتيات في ميدان التحرير، لنهش لحمهن وهتك أعراضهن..)

رام الله -الوسط اليوم-

لم تسجل أو توثق مجرد حادثة واحدة، لجهة التحرش الجنسي في الميادين المصرية إبان الأيام المجيدة لثورة 25 يناير.. وكانت النساء فخورات ويتغنين بمثاليتها ونظافة ثوارها. وما أن انتهى مسار الثورة في محطتها الأولى، حتى بدأت عملية تشويه مقصودة. بدأت بإطلاق الشائعات ضد المنظمات الحقوقية، والترويج المغرض حول ممارسات وسلوكيات شاذة في ميدان التحرير، وبث القصص عما عرف بفحوص العذرية لناشطات شاركن بالثورة واعتصمن فيه.
شيئاً فشيئاً بدأ الواقع يتغير، بدءاً من ركوب موجة الثورة وقطف ثمارها دون المشاركة بإشعالها. مروراً بتزوير هوية ميدان التحرير وإبعاد النساء عنه. فمشاركة النساء في العمل السياسي والثوري، سمة خاصة بالأحزاب والتيارات الوطنية والديمقراطية ومن الناشطات المستقلات ومؤسسات المجتمع المدني..ولم تكن المشاركة النسائية تاريخياً، أحد المظاهر التي تميزها أو تلتفت إليها الاحزاب الاسلاموية. وكذلك، لم تلجأ تلك الأحزاب لتنظيم النساء أو أخذهن في الاعتبار، إلا لغايات استخدامية ظهرت بوضوح في مرحلة إعطاء المرأة حق الانتخاب. وبات الالتفات إليها وتنظيم صلة ما معها استحقاقاً انتخابياً عليها، إضافة إلى استخدامهن للهجوم على منظمات المرأة العاملة في مجال الدفاع عن الحقوق والمشاركة في جميع المجالات.
العمل في مصر بشكل رئيس وفي تونس أيضاً، جارٍ على قدم وساق لإقصاء النساء عن الشارع الثوري. والآلية الأسهل لتحقيق ذلك عبر إشاعة أجواء الترهيب والخوف. فنشر الخوف هو المساحة الأفضل لعمل الجماعات السلفية لتحقيق مآربها وغاياتها، مدعوماً بسيول من الفتاوى التي تحرِّم وتخوِّف وتقصي وتعزِل ومن ثمّ تحكم. وتعمل كذلك على ليّ الذراع الموجعة للنساء بشن حملات التحرش الجنسي، وتحويله من ظاهرة اجتماعية إلى وسيلة للقمع السياسي ذات طابع انتقامي، ممنهج ومنظم، تقوم بها عصابات مدربة لاصطياد الفتيات في ميدان التحرير، لنهش لحمهن وهتك أعراضهن..
ميدان التحرير، المكان الطاهر وقبلة المتظاهرين مطلوب حرق سمعته النضالية، لذلك أصبح الساحة الفضلى للفتك والتحرش والعنف الجنسي وسحل المواطنات والمواطنين وتعريتهم، لأجل إذلالهم وجعلهم عبرة لمن اعتبر. لقد أصبح التحرش والاغتصاب والتعرية جزءاً لا يتجزأ من أدوات الإقصاء والانتقام الجماعي نتيجة الفعل السياسي. ليس اتجاه النساء فقط، بل إحدى أدوات السيطرة والإخضاع للرجال أيضاً، وهو الأمر الذي أثبتته الواقعة الشهيرة "للمواطن المسحول عارياً"، على يد الشرطة ورجال الأمن. فقد أوضحت تلك الحادثة الخطط الممنهجة لقمع الحركة الاحتجاجية على النظام الدكتاتوري الجديد..!
خرجت النساء لإدانة النهج الجديد لقمعهن، خرجن للتضامن والدفاع عن المواطن المسحول، لحث القوى السياسية، المقصِّرة، للدفاع عنهن بوجه مخططات ابعادهن عن العمل السياسي. خرجن لاستنكار موقف نظام الأخونة الذي لم يلتفت أو يحرّك ساكناً ضد العصابات المأجورة للاعتداء على النساء واغتصابهن سياسياً. وهو الأمر الذي يدلل على موافقة النظام لكسر إرادة السياسيات لوقف مشاركتهن في مظاهرات المعارضة وإجهاض الثورة.
كلهم في الهم شرق، فما يمارس في مصر نجد مثيله في تونس وفي كافة دول المنطقة، منطق توظيف الدين في قمع خيارات المجتمعات في الحرية والمساواة..لقد بات هؤلاء مكشوفين لدى العامة بعد وصولهم للحكم، وبانت مصلحتهم في استمرار تجهيل الشعوب لسهولة السيطرة عليها وانقيادها وتبعيتها لأولي الأمر، من المتطرفين فكرياً وثقافياً وأدبياً.
الشمس في مصر وتونس بائنة لا يمكن تغطيتها بغربال الدين والأخلاق، انها دروس الاستحواذ وإحكام السيطرة، عبر الاغتيال السياسي للشهيد شكري بلعيد وغيره، والاخلاقي والشخصي للنساء..انها التجربة ذاتها، ليست فريدة وخاصة بالبلدين، بل هي استخلاصات التجربة العربية الصالح تعميم زبدتها بدءاً من فلسطين. وهي العِبَر التي تحث على عدم السكوت على القمع والاستحواذ ومحاولات إلغاء التعددية العقائدية. فالاسلام عقيدة، والمسيحية عقيدة، والفكر القومي واليساري عقيدة، والعلمانية عقيدة.. والحل يكمن في التعايش مع الاختلاف والتنوع ضمن نظام مدني ديمقراطي يفصل العقيدة عن الحكم.
ما يجري في مصر وتونس ضد النساء صادم للمرأة الفلسطينية، فالممارسات ضد المرأة واحدة بسبب الثقافة الجمعية المشتركة، لذلك وحتى لا نقول "أكلنا يوم أكل الثور الأبيض"، أو ندفن رأسنا في الرمال، لا بد من الدفاع عن الحقوق السياسية والاجتماعية للمرأة. لا بد من الاشتراك في الدفاع جماعياً ضد ما يجري للمرأة المصرية والتونسية في محاولات ابعادها عن المشاركة والفعل السياسي. ويتطلب ذلك أيضاً اتحادنا مع القوى السياسية التقدمية لمواجهة الخطر الأصولي والمتطرف البعيد عن الوسطية.

الايام-  ريما كتانة نزال