الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
شجرة الزقوم/بدوي الدقادوسي
شجرة الزقوم/بدوي الدقادوسي

 مذ وعيت الحياة وأنا لا أعترف بالنصيحة فمهما أقنعني من حولي أن النار خاصتها الحرق لاأصدق .حاول والدي أن يبعدني عن صديقي محسن وأنا لم أتم العقد الأول من عمري ؛سألته :لماذا؟.. والده سيئ وهو ابن أبيه. ولكني أراه إنسانا طيبا ؛وأبوه يصلّي كل الفروض .ألم تقل لي إن الصلاة تعصم الإنسان من الخطأ؟ نظر إليّ نظرة لم أنسها أبدا .كنت أتعجب !لم يكره الناس الصول عبد العزيز وهو يصلي ويشارك الناس أتراحهم وأفراحهم ؟مخبر سريّ في أمن الدولة يتحاشاه الناس ,يلقون عليه التحية كأنها واجب ثقيل .يحتفي بي عندما أذهب للمذاكرة مع صديقي محسن. يسألني عن أحوالنا باهتمام وأين ذهب أخي فلان وماذا فعل عمي في الموضوع الفلاني فأجيبه بنفس ممتنة لاهتمامه وحرصه على الخير للجميع .محسن يجلس بجواري من الصف الأول الإبتدائي حتى حين انتقلنا للمدرسة الإعدادية التي لايوجد بالقرية غيرها .ثلثا الصف للبنين والثلث للبنات .كل يحب فتاة بينه وبين نفسه ؛وحين ينوء بحمل سره يميل على أقرب الأصدقاء ليشاركه حمله والصديق بمنتهى الإخلاص يتولى تسريب السر لصديق آخر حتى يصير السر متداولا بين الصف كله .كان الحب يشملنا جميعا حتى تضاربت المصالح .فقد يحب اثنان أو أكثر فتاة واحدة .وما جعلني صديقا للجميع أنهم يعرفون أن حبيبتي جارتنا ومن خارج الصف. قرر محسن حسم الصراع بينه وبين منافسيه على نجوى . بأن يرسل لها رسالة وانتظر ردها .نجوى تختلف عنا جميعا لاتسكن بيتا طينيا ؛بل قصرا من القصور الإقطاعية العتيقة والدها لواء في أمن الدولة .هادئة جميلة قد يمر عام دون أن أراها تتحدث مع أحد .كتب محسن رسالته .أحبك بعدد حبات الرمل في الصحراء وسنتزوج عندما نتخرج .في الفسحة دس رسالته بحقيبتها وظل كل يوم ينتظر الرد أو حتى نظرة .حتى كان هذا اليوم الذي عدنا من المدرسة فوجدنا والده في انتظارنا أمام البيت .وحين دنونا أخرج ورقة من جيبه وأعطاها لمحسن .ارتعدت فرائصه وامتقع لونه هم بالفرار ؛أمسك به والده من ياقة قميصه وقع على الأرض .أتى الرجل بخشبة وظل يضرب الولد بجنون ويهذي بكلمات ..أنت عارف مين دول يابن الكلب ؟حبات الرمل يابن الكلب ,هو أبوك لاقي الخبيزة يابن الكلب ,عشان يجوزك بنت الباشا يابن الكلب .

ظلت عيني متعلقة بالخشبة وهي تهوي وترتفع ,أرتعد متسمرا بمكاني لاأستطيع الفرار ولاالتدخل .

لم ينه المشهد المرعب سوى عم الولد الذي انتزع الخشبة من يد الرجل . عدت أرتعد للبيت منزويا .نسيت الطعام والمذاكرة .في الصباح لم أمر عليه ليرافقني طريقنا للمدرسة .وجدته هناك وجهه أزرق وعيناه متورمتان .في منتصف الحصة الثالثة دخل والده الصف ؛انقض على الولد ؛ظل يضربه بكلتا يديه ويهذي بنفس الكلام .عجز المعلم -على ضخامته- عن إقصاء هذا الثور الهائج .تجمع المعلمون والعمال ودفعوه خارج الصف .ونحن جميعا في رعب وفزع .أخذ الناظر محسن ولم نره إلا في اليوم التالي والأولاد يقرعون على حقائبهم بأيديهم خلفه وهو في طريق عودته للمنزل :كل خبيزة يابن الكلب حبات الرمل يابن الكلب وهو صامت يخشى حتى الالتفات خلفه .مرّ شهر ولم يحضر محسن للمدرسة .

ارتعدت حين جاء والده للصف وناداني سرت بجانبه أرتعد حتى وصلنا لمدخل الملعب ؛وقف مستديرا قائلا :لن يعيده للبيت إلا أنت .هدأت كلماته من روعي ووعدته بذلك .عند السلخانة المهجورة ذهبت حيث يختبئ .عاد معي صامتا ..ولكنه لم يذهب أبدا للمدرسة فكنت أزوره ببيتهم الجديد الذي بناه والده بالآجر والحديد وزيّن مدخله بالسيراميك .والرجل على حفاوته بي يسألني عن كل شيئ وأجيبه بسعادة حتى عمن صلوا معي جماعة اليوم .انتقلت للمدينة .قلت زياراتي للقرية علمت في إحداها أن والد محسن قتله أشقياء من المدينة التي يعمل بها ومثلوا بجثته وأنه ترك حسابا ضخما بالبنك .لم أر محسن لسنوات طويلة .وكلما مررت ببيتهم تذكرته . في إحدى زياراتي للعزاء في صديق وكان الجو عاصفا ممطرا ؛أسير بالسيارة على حذر .هالني رجل يسير على جانب الطريق يرتدي ثوبا على لحم جسده توقفت ,أشرت إليه بالركوب .التفت أسأله :هل أنت من القرية لم ينطق أومأ بالإيجاب هيئته توحي أنه قريب من عمري وأنا أعرف كل من يسبقوني ويلوني بأعوام .تفرست ملامحه .صحت في دهشة أأنت محسن؟

أذهله السؤال رفع بصره لأول مرة صوب وجهي صاح باسمي قفز يقبلني باكيا غلبني البكاء انتحيت بسيارتي جانبا سألته عن والدته وأخته وأخيه قال بحزن مصطفى أخي أدمن المخدرات أنهى كل ماله عليها ستلقاه على قهوة البحر يتسول هو هناك دائما .

نزل من السيارة هممت بالتحرك ناداني ؛اعتقدت أنه سيطلب . مالا ؛لمت نفسي لم لم أعطه؟وأنا أضع يدي بجيبي وجدت رأسه امتدت من زجاج السيارة حتى لاصقت شفتاه أذني .قال بصوت خفيض :نجوي تزوجت عندكم بالبندر ألا تعرف عنها شيئا؟