الخميس 9/10/1445 هـ الموافق 18/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
إلى الوفد المفاوض في القاهرة: هذا أداء غير موفق!/بقلم د. جمال ادريس السلقان
إلى الوفد المفاوض في القاهرة: هذا أداء غير موفق!/بقلم د. جمال ادريس السلقان

ألفا شهيد وعشرة آلاف جريح وثلاثون الف بيت وعمارة سكنية ومؤسسة صابها تدمير شامل وكامل، وشعب بأكمله مكلوم على أحبائه الذين قضوا وعائلات ابيدت عن بكرة أبيها وأطفال بلا أهل، وشعب مجروح في كرامته الانسانية ومهدد في أمنه وحياته وبقائه واستمراره يقتل بكل هذه الوحشية والبشاعة، وقضية بهذه العدالة، كل ذلك ليس من أجل ميناء ومطار وفك حصار – على أهمية المطالب حياتياً!
ان اقتصار مطالب المفاوضين على المطار والميناء ورفع الحصار يعبر عن جهل وسطحية في كيفية ادارة المعركة سياسياً، ولا يخدم أهداف الشعب الفلسطيني الاستراتيجية في التحرر وتقرير المصير، هذا لأن أي معركة في التاريخ تفقد معناها في حال عدم مواكبتها بجهد تثمير نتائجها بشكل يخدم الهدف العام والكبير.
إن خطورة قصر المطالب والمفاوضات غلى هذا النحو مستمدة من هذه المخاوف التي تحمل تهديداً يطيح بالهدف الاستراتيجي لشعبنا، ويطيح بكل هذا الصمود التاريخي، مخاوفي:
أولاً: في حالة الاتفاق على هدنة ووقف القتال مقابل هذه المطالب الشكلية (مطار، ميناء، رفع الحصار)، فإن هذا الاتفاق سيكون بمثابة هدنة طويلة الأمد، لأننا سننزع وقتها للحفاظ على ما نعتبره "انجازاً"، لأنه في حالة اي خرق أو اي تجدد للمعارك ستنهار هذه الاتفاقية، وسيكونا الميناء والمطار أول ما يتم استهدافه وتدميره في المعركة القادمة، أي انجاز هذا؟! فحتى لو طالب المفاوض بضمان عدم التعرض لهذه المنشآت فسيكون ذلك مشروطاً من العدو باحترام الهدنة والحفاظ على وقف اطلاق النار، سينشأ وضع تكون فيه معركة غزة آخر المعارك إذا أردنا الإبقاء على الميناء والمطار وإبقاء المعابر مفتوحة، هذا ليس من "الاستراتيجي" في شيء!
ثانياً: ماذا بالنسبة للقدس وحق تقرير المصير؟ وكيف تخدم معاركنا هذا الهدف؟
على الأقل كان يجب المطالبة بتطبيق مواثيق حقوق الانسان على فلسطين (ولتقل اسرائيل حينئذٍ ومن بعدها أمريكا أنها ضد حقوق الانسان!!)، والتعريج منها الى موضوع القدس ووقف الاستيطان فيها ووقف التهويد وتحديد ماهية الممارسات والسياسات التي يتوجب وقفها، وتقديم ضمانات دولية وأممية تكفل بقاء القدس مفتوحة أمام الفلسطينيين وضمان حرية العبادة وإلغاء كافة الإجراءات التي تهدد بتهويد الأقصى...الخ، ومطالبة العالم والأمم المتحدة بتطبيق القرارات الدولية بشأن القدس، هذا سيحرج الأمم المتحدة وأوروبا ويعطي فرصة – لأول مرة في التاريخ ربما – لهذه القرارات أن تناقش في منطقة التطبيق وليس ابقائها مهملة على رفوف المؤسسة الدولية، من الطبيعي أنه سيرفق مع هذا الطلب آليات محددة لتصريف وتطبيق المعاني القانونية لمواثيق حقوق الانسان وتحديد الجهة الأممية المناط بها هذه المهمة (وهي مجلس حقوق الانسان تحديداً)،  هذا يجعل من الكفاح الفلسطيني كفاحاً ذي معنى ويسلط الضوء على طبيعة الكفاح الفلسطيني ويصل بين محدِدَيّ العدالة والصمود الميداني، بل ويجعل من صمود غزة وضحاياها حاضرين في المفاوضات السياسية.
ثالثاً: كان مقتلاً اقتصار الأمر والقضية على هذه المطالب السطحية، فالعالم كله يراقب ويهتم بما يجري وليس من الحكمة أن نسمح للجملة الإعلامية المسيطرة أن تخفي معالم القضية الفلسطينية وعدالتها والظلم الممنهج الذي تعرض له الشعب الفلسطيني ولا يزال، يجب أن تبقى الفكرة المهيمنة على المعركة على أنها جزء من كفاح الشعب الفلسطيني في اجتراح حقوقه الوطنية المشروعة، لأن أي معركة تفقد معناها اذا فقدت هذه الوصلة الهامة، وهذا من شأنه بتر التراكم الذي يحققه الشعب الفلسطيني من خلال مقاومته وصموده وبذله الغالي والنفيس في سبيل ذلك.
وليس آخراً، فقد غاب أيضا المطالبة بتثبيت مسؤولية "اسرائيل" عن الدمار الحاصل ومطالبتها بالتعويض، فحتى لو لم يتم ذلك فإنه يمكن تثبيته كواحدة من النقاط التي يستخدمها المفاوض لإبقائها مسألة قائمة كإحدى وسائل ردع العدو أو احدى مبررات ضرب عمقه ومصالحه الاستراتيجية.
هذا بخصوص الأداء التفاوضي، أما بخصوص الأداء العام والدروس المستوحاة من الحرب فلنا وقفة أخرى، لكن يستعجلني بهذا المقام فكرة أن الموقف يتطلب إعلان كتاب ابيض فلسطيني، كما تفعل كل الشعوب عندما تمر بلحظة تاريخية تتطلب أن يترك الشعب سطرا في التاريخ يقرأ فيه تاريخه وطبيعة الوضع الراهن ويحدد احداثياته الحرجة والمصيرية، ويقرأ فيه على مسامع العالم موقعه الأخلاقي وطبيعة نضاله في سبيل ممارسته لحقه في تقرير مصيره على وطنه، يقرأ على مسامع العالم سردا بكل الظلم الذي يحيق به وكل الجرائم التي تعرض لها تاريخيا وحاضرا بما في ذلك كل التشوهات التي شابت الجهد الأممي الإنساني في مقارباته التاريخية لقضية الشعب الفلسطيني، وعليه يخلص الكتاب إلى إعلام العالم بخيارات هذا الشعب في مسعاه وكفاحه ﻷن يحتل مكانا تحت الشمس أسوة ببقية شعوب العالم، لتقرأ كل قوى الشعب الفلسطيني كتابا كهذا وهي على علم بطبيعة الخطوة التالية التي تقدم عليها ولتقرأه بكل لغات العالم وليترافق هذا الفعل مع أكبر وأقوى حملة إعلامية تجند لها أفضل كفاءاتها. هذا إذا كنا نعقل ما يجري ونعقل الخطر الذي يلف مستقبلنا ومستقبل المنطقة.
أعتقد أنه بهذا فقط نكرم شهدائنا وندشن صلة بين دمائهم وبين ما قضوا من أجله، وليس أخيراً بهذا فقط يمكننا ان نجند العالم حولنا!