الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
برهان الخطيب يرد بعد عشر سنوات من السخونة/ جاسم الولائي
برهان الخطيب يرد بعد عشر سنوات من السخونة/ جاسم الولائي


 إيمانا منا بحق الرد ينشر موقع "الوسط اليوم" رد الشاعر والروائي العراقي جاسم الولائي على القراءة النقدية للروائي برهان الخطيب لمجموعة من الكتب الجديدة لمجموعة من الأدباء العراقيين المقيمين في بعض الدول  الأوروبية ومن ضمنها رواية (قلب جدتي نحاسة) والتي قمنا بنشرها في وقت سابق

 تناول الروائي برهان الخطيب بالنقد مجموعة من الكتب التي أصدرها المركز الثقافي العراقي عام 2014 في ستوكهولم مركّزًا على روايتي الأخيرة (قلب الجدة نَحاسة). وقد صبّ عليها شتى النعوت، منها وصفه الرواية بالسرد البهلواني الثقيل، العنوان البائخ واستلهام الرواية كلها من مقدمة روايته (الجنائن المغلقة)، واتهمني بأنني أتحدث عن جدتي وليس جدة العراقيين، في حين أن الرواية مهداة بالنص في بدايتها إلى جدّة عراقية بالاسم هي جدة صديق طفولتي د. عماد حازم الجنابي وأبناءها وأحفادها الذين أشير إليهم في الإهداء بأسمائهم الصريحة. وقد أزعج بطلنا الناقد تحديدًا وجود صورة الروائي على الغلاف الخلفي واصفًا هذا التقليد الشائع بالنرجسية وارتفاع الأنا.

بالتأكيد أن الخطيب لم يقرأ من الرواية سوى فصل الحكاية الأول وبداية الفصل الثاني الذي لم يقرأه بشكل جيد لأنه أشار إلى أن الجدة وبناتها كن يثرثرن مع ضابط مركز الحدود في حين أن الجدة كانت وحيدة ولم تصطحب بناتها أو بنات غيرها في زيارتها للإمام الرضا وعبورها ذلك المركز الحدودي، ربما أضاف خيال الخطيب الكثير إلى الرواية. إضافة إلى تكرمه بإلقاء نظرة على الغلاف الأخير للرواية حين تسببت الصورة بارتفاع ترمومتر ناقدنا الكبير.

لذلك أتوقع أن ما كتبه كان جاهزًا منذ وقت مبكر وقبل ولادة الرواية وصدورها. لأنه مبني على سلسلة من المواقف الشخصية التي ستأتي تفاصيلها لا حقًا بدأت سنة 2002. وجاء بمثابة رد دين قديم بذمة كاتب الرواية.

ما يهمني هنا أكثر من الرد على ما كتبه الأستاذ برهان الخطيب هو أول ردة فعل لبعض الأصدقاء المشتركين بيني وبين الخطيب حين اطلعوا على الموضوع، أنهم تذكروا مباشرة تلك الرسالة التي نشرتها منذ سنوات في بعض الصحف والمواقع على الأنترنت، وتفاصيل ساخنة أخرى شابت علاقتي ببرهان الخطيب، لمسوا من خلال ذكرى تلك الرسالة الأسباب الحقيقية وراء تلك التجليات النقدية العنيفة. وسأكون مضطرًا إلى رواية القصة منذ بدايتها وإحياء ذكرى تلك الرسالة اللئيمة التي صمت عنها الأستاذ برهان الخطيب كل تلك السنوات واستثمر فرصة صدور الرواية ليقوم بعملية تصفية الحساب الشخصي وليس الفني معي ومع تلك الجدة الجميلة. وفي العودة إلى تلك الأسباب يكون لبرهان الخطيب الحق كل الحق في أن يصبّ على رأسي كلّ شتائم الأرض.

بدأت القصة سنة 2002 بعد صدور رواية الخطيب (الجنائن المغلقة) بوقت قريب وقد تشرفت بنشر أول قراءة نقدية للرواية في صحيفة الشرق الأوسط اللندية في الحادي والثلاثين من كانون الثاني يناير من نفس العام كانت تحت العنوان (تناقض وضحايا في أسرة واحدة.. جمالية المكان وحدود المنفى اللامتناهية في رواية الجنائن المغلقة). بعد ذلك زارني وطلب مني كتابة مقال آخر عنه أو عن نتاجه الروائي، وكنت بالفعل أضع الخطوط الأولى لقراءة أخرى لهذا النتاج لنشرها في صحيفة الزمان. في زيارته التالية طلب الخطيب ما كتبته عنه ليطلع عليه، ثم اقترح أن لا نرسل الموضوع مكتوبًا بخط اليد وأنه سيأخذه معه ويعود به إلي في اليوم التالي مطبوعًا لتلافي أي خطأ قد يحدث في عملية النقل. في اليوم التالي كان المقال جاهزًا في مظروف كبير عليه عنوان الصحيفة والطابع البريدي المناسب. أصرّ برهان الخطيب أن أضع إمضائي على المقال المطبوع وكان له ذلك، لكنني تمسّكت بالمظروف ومحتواه واحتفظت به. لأنني كنت سأسافر بعد يومين إلى لندن وسألتقي حتمًا بالأستاذ سعد البزاز والصديق عبد المنعم الأعسم وسأسلم أحدهما الموضوع لنشره.

في مكتب الأستاذ عبد المنعم الأعسم فوجئت وأنا أقرأ المقال أن الأستاذ برهان الخطيب قد أضاف إلى موضوعي بعض الكحل في ثلاثة آراء متواضعة مفادها:

أن برهان الخطيب واحد من أفضل خمسة روائيين عرب، إن لم يكن أفضلهم جميعًا!

أن برهان الخطيب واحد من أبرز عشرة روائيين عالميين.

أن من العجب عدم انتباه لجنة (الغافلين) الخاصة بالترشيح لجائزة نوبل إلى برهاننا الخطيب.

وقد أرفق الخطيب رسالة خاصة مع الموضوع يشير فيها إلى أن صديقه (العزيز ولائي) قد بالغ في هذه الآراء الثلاثة وذلك بسبب محبته وإعجابه المفرطين، وأنه أي برهان الخطيب خجل من أن يطلب منه أن يرفع هذه الآراء المبالغ فيها وغيرها احترامًا لموقفه وإيمانًا بحق الولائي في إبداء رأيه ونشر ذلك الرأي. رويت للأستاذ الأعسم التفاصيل بطريقة لئيمة وقمت بشطب الآراء الثلاثة نزولاً عند رغبة الروائي الخطيب واحترامًا لتواضعه لا غير.

بعد أيام قام برهان الخطيب بنشر القراءة في العديد من المواقع على الأنترنت بالنص الذي يحلو له.

في موقف آخر حين استضافته جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين في ستوكهولم في الثامن من آذار/مارس 2012 قال في نهاية محاضرته ما نصّه:

(قد يجد البعض حلا وسطا، يذوب في تجمع أو حزب يرضي تطلعاته، فيفيد ويستفيد، كما فعل فرمان وغيره. هذه صورة قاتمة طبعا، إزاءها ماذا تفعل نفس لا تقبل الترويض؟ تشطب نفسها كما فعل مهدي علي الراضي، أو لم يفعل؟ تتلاشى كمدا كما فعلت نفس عبدالله الخطيب؟ تصمت أو شبه تصمت كما فعل محمد خضير والبعض؟ تواصل التحدي دون اهتمام بالنتائج كما يفعل عبد الرحمن الربيعي وأنا وعشرات غيرنا؟)

واضح أن هذا النص كان يستهدف بالدرجة الأولى الروائي الراحل غائب طعمة فرمان.

هذا النصّ أثار ردة فعل عنيفة لدى محبي الروائي الراحل الذين اعتبروا أن هذا الرأي تنقصه الشجاعة والعدل لأنه استهدف روائيًا رحل وغاب عنا منذ زمن طويل ولا يستطيع الدفاع عن نفسه. أثارت هذه التعليقات غضب برهان الخطيب فاتصل بي طالبًا مني الرد على أصحاب التعليقات وتلقينهم درسًا كبيرًا في التجاوز على كاتب مثله. اعتذرت بأنني لست جنديًا يحركه حيث شاء ضد خصومه، فاتهمني بالسلبية، فرددت عليه أن لا ذنب للروائي غائب طعمة فرمان وهو الراحل الغائب، في أن يكون بيننا أكثر حضورًا وأشد وضوحًا منه برهان الخطيب الذي هو حي يرزق. رغم أن الفارق بسيط للغاية بين الخطيب وفرمان، أنه مجرد (النخلة والجيران) أو (المرتجى والمؤجل) وهذا أيضًا واحد من الأسباب التي تعطي الحق لبرهان الخطيب ليكتب ما كتب عن روايتي (قلب جدتي نَحاسة).

بعد فترة بدأت أعثر على مقالات وقراءات نقدية ومدائح روائية منشورة باسمى في العديد من الصحف مثل الزمان والقدس العربي وغيرهما وعلى بعض المواقع، كلها تتغنى بالروائي الكبير برهان الخطيب ونتاجه الأدبي. وتقارن ما بين آرائه ومواقفه وأفكاره وآراء ومواقف وأفكار أدباء وفلاسفة وأبطال تاريخيين ومفكرين كبار، لم أحظ شخصيًا بقدراتي البسيطة أن أعرف بعضهم وأقرأ لهم وعنهم، فكيف أحلل نتاجاتهم وأنا لم أعرفهم، بل  لم أتعرف على أسمائهم؟ اتصلت بالأستاذ برهان متسائلا عما يحدث، في البداية استغرب الأمر كثيرًا بعد ذلك طلب مني برجاء أن أسمح له أن يستخدم اسمي في نشر المقال القادم وسيكون الأخير ضمن هذه السلسلة. رفضت الأمر برمته، لكن المقال نشر في القدس العربي دون علمي وإرادتي. وهنا صار أمر الرسالة اللئيمة ضرورة لا مناص منها.

في رسالتي التي نشرت قبل حوالي ثمان سنوات في بعض الصحف وحوالي عشرين موقعًا، أشرت إلى أنني في الفترة الأخيرة بدأت أعثر على مقالات نوعية منشورة باسمي في بعض الصحف في لندن والعديد من المواقع الأخرى، وأنني لا علاقة لي بكل هذه المقالات، وهي تعود حتمًا إلى أحد الزملاء. ربما وضع اسمي عليها خطأً، لذلك تقدمت بالرجاء إلى تلك المواقع أن ترفع اسمي عن تلك المقالات وتعيدها إلى صاحبها أو أصحابها الشرعيين.

وأضفت موضحًا طبيعة تلك المقالات ومحتواها، بأنها تسجل آراءً وأحكامًا حادة لا يمكن أن أقرها أو أقبلها، على سبيل المثال: وكمثال دوّنت الاضافات المتواضعة الثلاث التي حشرها برهان الخطيب في قراءتي النقدية لروايته والتي شطبتها قبل النشر بساعات.

وفي آخر الرسالة سجلت ملاحظة للقارئ بأنني لم أنشر سوى موضوعين عن الروائي برهان الخطيب في صحيفتي الزمان والشرق الأوسط، وما سواهما لا علاقة لي به، وهو يعود لكاتب آخر لا أجهله. وطلبت اعتماد عنواني الإلكتروني في نشر مقالاتي وإهمال كل نص يصل باسمي تحت أي عنوان آخر.

والآن وبعد معرفة أسباب انفجار غيرية الخطيب في الدفاع عن الأدب والفن العراقيين أحب أن أقول أن لا ذنب للجدة نَحاسة في أن يكون برهان الخطيب في الصفوف الخلفية من روائيي جيله. وأن لا ذنب للجدة في حقيقة تقول: كلما ظهر جيل جديد لروائيين حقيقيين (لا أضع نفسي بينهم) يجد نفسه قد ابتعد أكثر، ولست ممن حرض لجنة نوبل على عدم الالتفات إليه، وزيادة في التأكيد سأكتب لهذه اللجنة أن لا تحسب حسابي في جائزة نوبل في السنة القادمة وأخلي الطريق له. أما موقفي من تسلسل برهان الخطيب في قائمة الروائيين عربًا وأجانب فهو ذات الموقف لا يتغير، إلا في حال قلب القائمة وجعل سافلها عاليها!

وأخيرًا يستحق الروائي الخطيب أن يقال له كما قالت العرب قديمًا: عوفيت!