الخميس 9/10/1445 هـ الموافق 18/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
إنّ مع العُسر يُسراً.. الدليل والتكليف ../ بحث: محمد عزت الشريف
إنّ مع العُسر يُسراً.. الدليل والتكليف ../ بحث: محمد عزت الشريف


 الهدف من البحث : التماس وإبراز الرسالة الأساسية الواضحة التي جاءت بها الآيات. المادة المستخدمة في البحث: "سورة الشرح " خطة البحث: رؤية في عنوان النص ومن ثمّ توضيح مفهومنا لكل آية في مسار منطقي ينصهر في سياق المعنى الذي نطرحه في هذا البحث، ويَخدُمُه ثم إلى نظرة شاملة على المعنى العام للسورة قبل أن نأتي إلى الخاتمةِ بالخلاصة التي حرصنا على تقديمها هنا بصياغتين .. ... قالوا : هي سورة "الشرح" وقالوا: سورة "الإنشراح" وقالوا : "ألمْ نشرح .." أمّا نحن فإن جاز لنا تسميتها، يَطِيبُ أنْ أُسميها سورة "إنّ مع العُسر يُسراً" فبالقراءة المتأنية المتأمّلة في كل آيات السورة الكريمةِ ـ سنجد كيف أنها متمحورة جميعها حول ذلك المعنى "إنّ مع العُسر يُسراً" !! وتروح الآيات تترى تقدم لنا الدليل بعد الدليل، فإذا ما اقتنعنا واستقر في وجداننا المعنى " الدليل" فإننا نكون قد تأهلنا وتهيئنا لإستقبال التكليف المترتب على معنى " إنّ مع العُسر يُسرا". "إنّ مع العُسر يُسراً".. ما الدليل؟ أؤمن أنّا لن نَتعب أو نَكِدّ و ننصَب في البحث عن الدليل "فإنّ مع العسر يُسراً" نعم " إنّ مع العسر يسرا" !! ربُنا الكريمُ المعينُ هو سبحانه الذي ألهَمَنا الفَهم، و أعاننا على البحث، و أهدى إلينا بحكمته ورحمته ـ دون عناء تأويل ـ واضحَ الدليل !! ما علينا سوى إعادة القراءة مرة، بعد أن قرأناها في كتب الأقدمين مراراً، ولم نَعُد نَعُد إلى السورة الكريمة بجديد قراءة متفكّرةٍ متدبّرة، باحثة عن معنى جديد، و سرّ آخرَ عميق في تكرار الآية " إن مع العسر يسراً" !! لنكتشف أنه ـ سبحانه ـ قد أهدانا الدليل، كلمة كلمة، وآيةً آية وما علينا سوى الوعي و التأمُّل و حسن القراءة.. ما بك يا محمد؟! و لِما كلُّ هذا الهَمّ الذي يعتلج بصدرك إزاء حملِك رسالة السماء إلى إنسان الأرض؟! و لِما شعورك بالحَزن وأنت في سبيلك لتبليغ الرسالة "الأمانة"؟! يا محمد، متى كنتَ وحدك وقد أرسلنا إليك وَحْيََنا بالتكليف مع التهيئة و التعليمٍ و التعريف ؟! متى غاب عنك يا محمد الدليل؟! ألم نشرح لك صدرك؟ بالعلم والحكمة بلا أسباب منك؟! بل علَّمناك بربّ الأسباب، ربّ "اقرأ" ربّ القلم الذي نقل لك العلم القديم منذ الأزل.. و رَب العقل والفهم وآلية التفكير و كل ما من شأنه أن يؤهلك لأن نُلهمَك كل علم جديد يلزم؛ لحَمْل كلِّ حِملٍ جديد يطرأ مدى الزمن و إلى الأبد. و وضعنا عنك أحمالك النفسية و المادية الدنيوية التي اكتسبتها في سِني عمرك فانشغل بها قلبك، و ناءَ بحملها ظهرك ؟ بلى؛ وأنعمنا عليك بكل ما تطمحُ إليه نفسٌ من كَمالات، فشققنا عن صدرك وأفرغنا ما به من إنشغالاتٍ دون ربك، و رسالته، فإذا هو نقيٌّ طاهرٌ من كل دَنَسٍ و خبيث، وعامر بالعلم والحكمة والإيمان القويّ الراسخ العميق.. ألم نَجْتـَبِك من العالمين نبيّا؟! و رفعناك وسوّدناك بين النبيِّـين وكنت الأعلى سَمِيّاً؟ بلى؛ و حملنا نداءك بآيات الذكر الحكيم عالياً حتى تعدّى المكان إلى الجهة التي أرَدتَ، وامتدّ في الزمان دون قويِّ أسباب منك .. ورضينا عنك وبشّرناك بأن مَنْ اجتباك و كلَّفك لن يَخذُلك وأنه ـ لابُدَّ ـ مُعينُك و ناصرُك. هكذا نحن ـ وكما خَبرْتَنا ـ لا يتخلّف عَونُنا عن تكليفنا؛ بل يجيء معه "فإن مع العُسريُسراً" كان في سابقٍ، و"إنَّ مع العُسر يُسراً" يكون في لاحق؛ "إنّ مع العُسر يُسرا" في ماضيك و حاضرك، وفي مستقبل كل فرد في أمتك من بعدك. فانفُضٍ عنك كلَّ همٍّ وكَدَر، و اقْوَ على كل صعبٍ و حَزَن.. يا محمد، واستقبِِلْ التكليف ولا يقعدنّ بك ما قد يبدو لك من صعوبة، و وَصَب ـ عن القيام بمهمة جديدة عقب كل مهمة نَجيزة.. " فإنّ مع العُسر يُسراً" كان في الأُولى و" إنّ مع العُسر يسراً" يكون في الآخرة. فكلما فَرغتَ من عمل جعل الله لك معه يُسراً ـ أقدِم على عملٍ آخرَ من بعده وخُذ بالأسباب وابذُل فيه الجهد وأقبِل عليه برغبة وإرادة واعقِد العزم وتوكّلٍ على الله . ... فيا أيها الإنسان المؤمن برسالة محمد لقد كان عونُنا مصاحباً لتكليفِنا إيّاك في شخص "نبيّك محمد" بتبليغ الدعوة فشرحنا صدره، ووضعنا وزره، ورفعنا ذكره ـ لا بالأسباب وحدها ـ بل بالأسبابِ، و رب الأسباب "فكان لمحمد مع العسر في حمل الرسالة يسراً بربه (رب الأسباب). و ها أنت الآن.. " لك مع العُسر في أداء رسالتك في إعمار الأرض، ونشر الدعوة يُسراً" بمحمد ورسالته في التبليغ و الدعوة التي صارت ـ بدورها ـ لك سبباً إضافياً من الأسباب التي خَصَّك بها ربُّ الرسالة، وربّ محمد، و ربّ الأسباب.. فشرحنا لك بها صدرَك، ووضعنا عنك بالإستغفار والتوبة وزرَك؛ الذي أثقل ظهرك من عهد آدم و رفعنا لك ذكرك فكنت من أمة محمد؛ خير أمةٍ أُخرجت للناس. فلا تنقبض ـ بدعوى الصعوبة ـ نفسُك ولا عن جهادٍ في سبيل ربك تقعد، أومن تكليفاته تتأفّف ألا في عقب كل عملٍ فاعْمَلْ، وبعد كلِّ كَدٍّ فانْصَبْ وقبل فُتُور رغبةٍ في تكليفات ربك فارغَبْ. ***