الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
عن تقنية القتل /بقلم: تحسين ياسين
عن تقنية القتل /بقلم: تحسين ياسين

في الحقيقة لم يُحرك  مشهد حرق الطيار الاردني معاذ الكساسبة حياً، بداخلي اي شيئ، غير هذه الحسرة على رخص الانسان العربي، وليس لانني غير متعاطف مع "الضحية" الكساسبة، ولكن بسبب "بنك" الفيديوها والصور المؤلمة التي تخمرت مشاهدها في رأسي موثقةً جرائم الاسد بحق الشعب السوري طوال اربع سنوات مضت، فعندما يكون منسوب الألم عالٍ فلن تُغيّر او تزيد شيئاً عَرضُ  اي مشاهد لحرق او ذبح آدميين مرة اخرى، فالمشاهد المؤلمة باتت امراً عادياً في حياتي اليومية وربما في حياة الكثيرين من المتابعين،  هذا اذا ما استثنينا  ؤلئك اصحاب القلوب الضعيفة التي تنأى بنفسها عن هذه المشاهد المؤلمة.وكذلك لم ادخل في فلسفة  تحليل تقنية تصوير الفيلم وعما اذا كان حقيقياً من عدمه، على نهج كثير من الكتاب والمحللين الذين برعوا في نحت التكهنات حول الفيلم، واضعاً بالحسبان ان الطيار أزهقت روحه بصرف النظر عن الالية التي قتل بها.
وبمجرد ما شاهدت فيلم احراق الكساسبة، على الفور، قفز الى مخيلتي مشهد الشيخ السبعيني" المدني" الذي احرقه شبيحة الاسد حيَاً امام عائلته في احدى قرى ريف حمص، كان المشهد الذي وثقه هاتف احد القتله، مؤلما بامتياز، تعثر الشيخ لاكثر من مرة وجسده كرة ملتهبة، وبمرارة ملأ صراخه المكان وجعاً، وانتهى به الأمر قطعة فحم سوداء.
و على ذِكر الحرق، في هذه الايام يمر عشر سنوات على  "حرق" رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري بطنين من المتفجرات وسط بيروت، وقد صار هو الاخر قطعة فحم سوداء ودخلت من بعده لبنان في نفق مظلم حتى اللحظة.
الكساسبة، والشيخ السبعيني، والحريري وآلاف السوريين  جميعهم قتلوا بنفس التقنية هذا اذا اردنا ان ندخل في فلسفة تصنيف الموت بالموحش والاقل وحشية، ولكن في حسابات الربح والخسارة يبقى الموت واحد والخسارة واحدة. وبيت القصيد يكمن بمن اشعل فتيل الموت في المنطقة ؟!! ومن اوصلنا الى مشاهد الحرق وجز الرقاب وقتل آلاف السوريين بتقنية البراميل المتفجرة التي هي حرق، على غير طريقة تنظيم "داعش". هذا يعني ان هذه التقنية  لم تكن وليدة الاخير هذه، بل قد سبقه نظام دمشق قبل عشر سنوات بقتله للحريري، واعاد تجديدها  بطائراته التي مازالت تمطر الابرياء بالبراميل المتفجرة واخرها مدينة دوما التي قتل فيها اكثر من ثلاثمائة مواطن عدا عن الجرحى. وفي الوقت نفسه  يبقى عبد الفتاح السيسي الراعي الثاني لتقنية الحرق في ميدان رابعة العدوية قبل عام ونيف  والتي قتل بها عشرات المصريين الابرياء،  وايضا لا نستثنى  اسرائيل التي اوغلت هي الاخرى، وبالفسفور في حرق عشرات الفلسطينين في غزة.
ان الذي اشعل خيط اللهب بالضحية معاذ هو ضحية ايضا، لكن كل منهم على نقيض من الأخرـ فالأول خضع لعملية غسل دماغ واقلع بطائرته ليرمي حممها على الاخرين، والثاني هو ضحية انظمة مستبدة فاشية جعلت منه متطرفاً وموغلاً بالقتل، فأوغل بقتل الأول وغيره.
وعليه، كان بإمكان العرب والعالم اجمع ان يجنبونا مشاهد الحرق وجز الرقاب والقصف بالبراميل، ومليشيات الموت التي تتحرك داخل الجغرافية السورية والعراقية لو انهم لم يديروا ظهورهم للشعب السوري، وكان يامكانهم ان يخففوا من فاتوة الدم وهذا الخراب الكبير باقتلاع الاسد كما اقتلع القذافي، وعلي صالح، ومبارك وبن علي، فكم نتمنى لو اننا لا نرى ضحية كمعاذ يحلق بالسماء بطائرته، ليكون فريسة من في الارض، وان لا نرى في الوقت نفسه احدهم  يحمل سكينه ليروعنا بمشهدحرق وجز للرقاب.