الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الإرهابي الصغير 'مشروع رواية'.. بقلم فوزي الديماسي
الإرهابي الصغير 'مشروع رواية'.. بقلم فوزي الديماسي

 تصدير :
أكتب كي لا يموت الإنسان في ّ ... أكتب كي ينبت الصوت في حناجر الطيور .... فوزي الديماسي
جلس على ضفّة الوجود يقلّب جمجمة أبيه ...
يغازل صوت الريح في المدى ...
هناك ...
على ضفّة سجيّته المنهكة ...
وجهه أبجديّة هزيمة يراقص غده في زحمة العبرات ...
يغنّي وجمجمة أبيه بيمينه صدى لصوته المبحوح للآتي على صهوة الأمنيات من وراء الحكايا القديمة ...وعلى يمينه زوجته تعدّ نجوم السماء المترهّلة
كان قبل ذلك صوتا مجروحا في البياض ...
ها هو يستعيد فحولته ... ويستعيد الجمجمة ...
وتلوح من وراء الأفق عاصفة الماء تمدّ يمينها نحو الجمجمة وحاملها ، والصمت ستائر تلفّ ملامح الزوجة الجالسة في الفراغ ...
ضاع الصّباح ...
ابتلعت الأسئلة المتوحّشة الجمجمة الراقصة على كثبان المعنى ...
وأشرق عواء من وراء الأفق يمزّق بمخالبه وجه الرجل ...
والفجر صيحة في العدم ...
قبّل حرفه بين يدي الفراغ ، والكلمات في خلده طفل على باب الشمس يداعب زوجة تهدهد الصباح على قمّة جبل أينع في الأحلام ، وجمجمة في العالمين تكتب على ثغر رمس يتيم حكاية قافلة رميم ...
مسح العرق المتصبّب على جبين جمجمة أبيه ، وتطلّع نحو الزورق الرابض على حافة خياله المحموم . تطلّع نحو الأفق فإذا بالطير في بساتين غيومه يلملم جباله تحت ضوء القمر، والقمر في غفلة من المكان يحتسي طفلته العمياء على فنن الوقت ...
حملته ذاكرته إلى الأمس البعيد فحدّثته نفسه في نفسه :
كلّما فتح الصّباح أزرار شرفته...
يخرج أبي إلى حقله ليسقي أجداثه ، ويمتدّ صخب أمّي في شرايين الأحلام ، فتزقزق اللغات حول كوخنا ، ويشتدّ فحيح الورد ، ونقيق المداد ، وينسل إخوتي من قوقعة السؤال جحافل تنهش أصابع الضّوء . تنتشر في مناكب اللّيل أنامل تبني للعناكب بيوتا من ورق ، وأجلس مع إخوتي غير بعيد عنهم ، أداعب عرائس من طين الرؤى ، ومن عرق أبي وأهازيج أمّي . وحول خيامنا يدفع نحيب النخل بخرفان التيه دفعا جميلا نحو شاسع الضياع ، وبعض كلاب متآكلة الملامح تنبح ضيوف الليل في مخيّلتنا الخراب . وتتدلّى من سقف الحكايا عناقيد النّجوم ، ويذروني وإخوتي الوجوم ، كما الطين بين أصابع أغنية فقدت طريقها إلى حناجر الصبايا ، ووجوهنا رسوم مندثرة على جدران الروح ، وابتساماتنا فراشات تجري في كلّ اتجاه ، ترسم بعرق أبي امراة تحمل شعرا مسافرا في كل أقطار الأمنيات . ويتردّد صوت الصهيل في قاع الضّحى ، فيحملني المداد إلى تراتيل البحر حيث صخرة العمر تلعق زبد القول .
اقتلعت زوجيته جسده من غفوتها وأطلقت شعرها نحو الأمل , وأسرجت جسدها للسؤال على صفحة الماء . كانت عارية إلاّ من حيرتها , والسماء من فوقها صفحة بيضاء ، والنفس بين جنبيها بحر مضطرب الرؤى في يوم مطير ، داعبت فتنتها بمفاتنها ، وراقصت الريح على حافة ثغر الصّباح ، فمادت بها القوافي كزورق ورديّ الخطوات ، ولثمت خدّها البهيج شمس الصباح الواقفة في عين الفجر ... وفتح قلبه نوافذه على بحر الأمنيات ، وزقزقت أحلامها على الشرفات ،كما وردة الصباح نهضت لتقبّل رذاذ الصباح ، وترسم بأناملها على جبين الوجود دربا مشرع الأسئلة على الآتي ، والآتي زورق كما الروح يتهادئ على صفحة الماء ، وأصابع الوجود على مقربة منه تعزف لحن النخيل ، وثغرها يرفرف في سماء الورقة ويرسم للزورق حورياته ...
فحمله المشهد إلى زمن الطفولة وبداية الشباب :
تحت سقف مسجد عتيق كانت أحلامه صغيرة مثله , كبيرة مثل دربه المرسوم في خياله , كان يتطلّع من خلال نافذة الله نحو مدائن يزينّها الحبّ , والإنسان , والعدل , أوهكذا كان يرسم بأمنياته لوحة واحاته المهرّبة , وكانت فاتنات الجنّة يراقصن شهوته النقيّة , وصوت خفيّ من هناك يقتلعه من طين الجسد ليحلّق به في فضاءات أخرى غير التي يعانقها تحت أمواج رطوبة مسجده العتيق كلّ يوم . جسده أنهكه الفقر، والضياع ، جسد نحيل ، نحيف ، وحلم مكتنز شحما ، ولحما.
كان كلّ صلاة يتوجّه إلى مسجد قريتهم الصغير الرثّ ليلتقي شيخه / حلمه ، ليضمّد جراح آلامه ، وآهاته بكلام رفيقه على طريق الله والحور والبساتين المزركشة ، كلام يرفرف به فوق جوعه ، وعطالته ، ويلقي به في أنهار العسل والخمر ،هناك بعيدا حيث مآدب الأكل والجسد ، وراء جبال القرية الموغلة في قحطها وأكواخها المتعبة . كان يجلس قبالة شيخه ، ينصت لأحاديثه بكلّ حواسّه ، يحدّثه عن الخلد وحياة النعيم ، ويحمله بصوته المبحوح إلى هناك حيث أنهار الخمر ، والعسل ، والحور العين ، وكان يتفحّص في غفلة من محدّثه في خياله بشهوة المقبل على الحياة الأخرى النهود ، والرضاب ، كان يرسم من غفلة إلى أخرى عشرات الصبايا يداعبنه ، ويلاعبنه ، ويطعمنه من لذيذ المآكل ، كأنه أمير الحكايا القديمة ....