الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
أيُصلَّحُ العالم؟....د.حاتم عيد خوري
 أيُصلَّحُ العالم؟....د.حاتم عيد خوري

كلما تطفو على سطح حياتنا اليومية، مشكلةٌ محليةٌ او عالمية وما أكثرها لاسفي الشديد، اتذكرُ القصة التالية:

كان أحد العلماء الفلاسفة جالسا في مكتبته، يبحث بمنتهى الجدية، عن طريقةٍ لتصليح عالمنا الغارق في مشاكله العديدة التي تهدّد الكرةَ الارضية وتتحدّانا كجنسٍ بشري، ومنها: قضايا البيئة وتلويثها وتدوير المخلفات وإزالة الغابات وشحّة الماء، والاحتباس الحراري والتقلّب المناخي وارتفاع منسوب الماء في البحار والمحيطات، ومنها قضايا الصراعات والحروب واسقاطاتها وتداعياتها من ألم ومعاناةٍ وهدم وخراب للأملاك وضحايا بشرية وتشتيت للناس الآمنين وتحويلهم الى لاجئين، ومنها ايضا قضايا النمو السكاني المفرط سيما في المناطق التي تشهد كثافة سكانية عالية، وقضايا البدانة ونقيضها الجوع، وكذلك البطالة وآفة تعاطي المخدرات الخ...

وبينما كان هذا العالِم الفيلسوف غارقا في أفكاره، مغلَّفا بوحدته ومنهمكا بما تراكم على مكتبه من اوراقٍ سطّرَ عليها بعضَ الحلول الاولية لتصليح العالم، وإذ بباب غرفةِ مكتبتِه يُفتح دونما إستئذان، ليطلّ منه حفيدُه الصغير إبن السابعة  المسكون بحُبّ إستطلاعٍ يجعله يُجيدُ قلبَ الاوراق والملفات وبعثرةَ ما تجمّع على طاولة جدِّه من قرطاسية وما تراكم في رأسه من افكار.

عبثا حاول الجدُّ العالِم مستعينا بشتى وسائل الإقناع ، التخلّصَ من حفيده لئلا يشتّت هذا الحفيد "الغلاباوي" الصغير، افكارَه وتركيزَه، فقرّر اللجوءَ الى حيلةٍ أخرى خطرَت على بالِه. تناولَ خارطة ً مصغّرةً للعالَم كانت موضوعة في احد أدراج مكتبه. فتَحَ الخارطة ووضعَها أمام حفيده، قائلا له: "هذه هي خارطة العالم. تأمّلْها". ثم أخذ مقصا وقسّمها الى عشرين قطعة. خلط الجدُّ هذه القطع ثم جمعها كرزمةٍ قام بوضعها في يد حفيده مع قنينة صمغ، قائلا له: "أنت يا حبيبي تحبُّ الألغاز. لذلك أنا اضع الان في يديك عالما مُفكّكا، وأريد منكَ ان تصلّحَه كما كان، بدون أن تستعين بأحد".

أخذ الحفيدُ رزمة الورق وقنينة الصمغ وغادر غرفة مكتبة جده. ظنَّ الجدُّ العالِم ان هذه المهمة الصعبة ستُشغل حفيدَه اياما حتى يتمكن من حلّها وهيهات ان يتمكن، وعاد لينعم مرة اخرى بالهدوء المنشود. لكن ما أن مضت ساعةٌ واحدة من الزمن، وإذْ بالحفيد يعود مبتسما حاملا معه خارطة العالم، قائلا لجدّه :"لقد نجحت ُ في تركيب الخارطة". ذُهِل الجدُّ، وكاد أنْ لا يصدّق، لانه كان يعرف ان هذه المهمة ليست بسيطة أبدا لولدٍ في سنّ حفيده. تناولَ الخارطة من يد الحفيد، متوقعا أن يرى عملا عشوائيا مشوّشا. ولَكَم كانت مفاجأتُه كبيرةً، عندما رأى أنّ الخارطة صحيحة تماما، وكل قطعة منها مرتبة في مكانها الصحيح. هذا الامر المفاجيء جعله يتساءل: "كيف يمكن لمثل هذا الامر ان يحدث؟! وكيف نجح حفيدُه في ذلك؟".  فسألَ حفيدَه قائلا :"أنت  لا تعرف كيف يبدو العالم. فكيف نجحتَ في إعادة تركيبه؟".

أجاب الحفيد: " صحيح يا جدّي، أنا لم أعرف كيف يبدو العالم، ولذلك فشلت محاولتي الاولى في ترتيب اقسام الخارطة". سكت الولد قليلا ثم أردف قائلا: " لكني ما لبثتُ ان تذكرتُ انه عندما تناولتَ انتَ الخارطة من درج مكتبك، وقبل أن تفتحَها أمامي، لاحظتُ وجودَ صورة إنسان على ظهر الخارطة. قلبتُ قطعَ الخارطة واخذتُ بترتيب صورة الانسان. وعندما صلّحْتُ الانسانَ، رأيتُ  انني قد صلّحْتُ العالَم".

هيّا نصلّحُ انفسَنا عسى يُصلَّح عالمُنا.

[email protected]

8/1/2016