الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
فليكن زيتنا في دقيقنا !! ... عبد الهادي شلا
فليكن زيتنا في دقيقنا !! ... عبد الهادي شلا

 يستوقفني ولا أظن هذا يحدث معي فقط بل يشاركني فيه كثيرون ذلك أن البعض من مثقفينا العرب "يصر" على الإستشهاد بقول أخرين من غير العرب وهم يعلنون عن إكتشاف حالة إنسانية أو تفسير ظاهرة في آية قرأنية مثلا ثم يتحدثون عن طبيعتها وأسرارها مع العلم أن هذه الظاهرة أو الحالة ثابتة لدينا منذ مئات السنين إلا أن بعض مثقفينا يصر على أننا من غير البشر القادرين على تفسير ظواهر تخصنا أو حالات نعيشها ونتآلف معها و كأننا في حاجة لصك منهم كي ندرك ونفهم ما نحن قد أدركانه وفهمناه منذ مئات السنين. الأغرب هو أن يعيد هؤلاء المثقفون التأكيد على بعض هذه الظواهر أو الحالات مستغلين ضعف الذاكرة العربية في حفظ تراثها وما صنعه الأولون. مذكرين بما في كتب الأولين من علمائنا وباحثينا الذين أسسوا قواعد المعرفة والعلم الذي انطلق منه الآخرون بعد أن نفضوا عن عقولهم تراب الجهل والتجهيل . ومع أنني لا أميل إلى قول:" كنا " واقدم عليها " ها نحن !! بكل ضعفها وهزالها" إلا أنني أعترف بأن بعض مما توارثناه " وليس كله" يستحق الوقوف عليه وتطويعه لخدمة حياتنا اليومية في زماننا المتجدد والمتسارع،ولا يخفى على الجميع حاجتنا الماسة إلى ما تم تفكيكه من مشاعر إنسانية وروابط إجتماعية هي من الأركان الهامة لمجتمعاتنا العربية التي لها خصوصية غير متماثلة مع غيرها من المجتمعات وذلك بقوة أسلحة الحداثة ودخول عصر التقنيا ت حتى علت الأصوات التي تترحم على أيام كانت الأسرة تلتقي على مائدة طعام واحدة وتتحاور في أمورها اليومية بينما أصبح طغيان التقنيات هو المسيطر على أجواء البيت ونحن نجد أن كل فرد يلوذ بجهازه الصغير ليتواصل مع أخرين في بلاد بعيدة بينما أبيه وأمه بجوارة،أو غير ذلك من المستجدات على الحياة الإجتماعية. إن ما يمر بالبلاد العربية وبلا استثناء يستحق اليقظة التامة لما يمكن أن يأتي على ما تبقى لنا من خصوصية "ثقافية" وسط هذه الصراعات الغير مسبوقة في تطرفها واستهتارها بالقيم الإنسانية في البلد الواحد أو بين البلاد المتجاورة. العقلاء وحدهم الأقدر على تجاوز هذه " الأزمة " الكبيرة والنجاة بأقل الخسائر التي تتزايد يوما بعد يوم بعد أن خرجت عن السيطرة في كثير من الأماكن حتى أحرقت الأخضر واليابس وأزهقت الآلاف من أرواح المبدعين والأفكار والآثار الإنسانية. حين نشخص حالتنا ونضع أيدينا على نقاط الضعف فينا ونتعرف على المنافذ التي يأتينا منها الخطر ليصيب مقومات حياتنا فإننا سنكون قد اختصرنا الطريق إلى برالنجاة مما يحاك لنا ويدبره أؤلئك الذين لا يتردد بعض مثقفينا من تتيع آثارهم وخطواتهم التي يستخفون فيها بعقولنا وقدراتنا ويعملون على تثبيت افكارهم كي نبقى على التبعية لما يصدروه لنا ويريدوننا أن لا نتفكر ولا نمعن العقل فيها. ليس المقصود أن ننغلق على أنفسنا نجتر ماضي وننسى أن الزمن في حالة حركة وتطور بل يجب أن ندرك جيدا أن بيننا الكثير من أصحاتب الهمم العالية في كل مجالات الحياة أغلبهم قد وجد ترحابا من الآخرين كي يبدع ويبتكر ويخترع "لهم" ووجد البيئة الخصبة لخدمة الإنسانية بإبداعه ومن قبلها خدمة "البلد"الذي مده بكل مقومات الإبداع. وهذا يتطلب إحتضان مبدعينا وعودتهم إلى الحضن الدافئ ونحن نمتلك المادة والعقل اللذان هما من أهم شروط الإبداع والإبتكار فبدلا عن أن نستشهد بعلماء الآخرين ومفكريهم فإن مبدعينا ومفكرينا أولى حتى يصبح "زيتنا في دقيقنا" كما يقول المثل الشعبي ونصبح في حل من الإتكال على ما يمن به علينا الآخرون ونضيع مبدعينا في مجالات الحياة المختلفة،و تصدقت فينا الحكمة القائلة التي تشخص حالنا منذ أمد ليس بالقريب وهي: "ويل لأمة تلبس مما لا تنسج ، وتأكل مما لا تزرع ، وتشرب مما لا تعصر.."