الثلاثاء 14/10/1445 هـ الموافق 23/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
عالم المحاماة .. صورة برّاقة لا يخلو باطنها من القلق والتعاسة
عالم المحاماة .. صورة برّاقة لا يخلو باطنها من القلق والتعاسة

إيما جيكوبس من لندن:

عندما أصبح العمل كثيراً جداً بالنسبة لعميلة ويل مايرهوفر، وهي مساعِدة في العشرينات من العمر تعمل في شركة محاماة كبيرة، تسللت إلى غرفة هادئة في المكتب. أغلقت الباب وأسدلت الستائر وبدأت في البكاء. بينما دموعها على خديها أدركت أن صوتا خافتا يأتي عبر الجدار: كان أحد الزملاء ينتحب في الغرفة المجاورة.

مايرهوفر يروي هذه القصة لتأكيد البؤس الكامن تحت الواجهة الناجحة لبعض المحامين. يقول: "هناك شيء فريد بشأن هيكلة الشراكة القانونية، وساعات العمل الطويلة، والمنافسة الوحشية بين مكاتب المحاماة".

المحامي السابق، الذي يوجد مقره في تريبيكا، نيويورك، هو طبيب نفساني أوجد لنفسه مكانة مميزة بتقديم خدماته لعملاء من مهنة المحاماة ـ بعض الذين يُقدم له المشورة عبر سكايب موجودون في بريطانيا واليابان والهند. يقول إن هناك تدفقا مستمرا من المحامين القلقين والمُستنزفين والمكتئبين الذي يأتون لرؤيته. ومع أن القطاع المصرفي جذب الاهتمام لظروف عمله القاسية، إلا أن مايرهوفر يُجادل بأن المحامين يُمكن أن يكونوا في وضع أسوأ. في القطاع المصرفي، هناك توقعات بأن الحياة العملية يُمكن أن تتحسّن بسبب تخطّي المصرفيين للصعوبات، لكن هذا ليس هو الحال بالنسبة للمحامين.

ويضيف: "أنت ما يُعادل محللا مصرفيا طوال حياتك. إنه أمر وحشي ويتبعك إلى المنزل". هذه المعرفة بالأدوار والثقافة القانونية تعني أنه يتعاطف مع المحامين. في جلسات العلاج مع العملاء، بعض أسماء المديرين المستبدين تستمر في الظهور.

ألان ليفين، وهو مؤسِس مشارك لشركة محاماة في شيكاغو، أصبح مُعالجا يُقدّم المشورة لأهل المهنة القانونية، يقول من الواضح أنه ليس بالضرورة أن تكون محامياً لتفهم محاميا، إلا أن ذلك يُساعد بالتأكيد: "العميل يُمكن أن يُشير إلى شيء في تجربته دون أن يحتاج إلى شرح الأمر".

يقول محامي التوظيف السابق قد تكون هناك فجوة بين مهن الشركات ومهنة الرعاية. أي مُعالج بدون خلفية مؤسِسية قد يشير إلى أن العميل ربما يرفض العمل يوم السبت. "إنهم لا يفهون كيف يبدو من المستحيل في بعض الأحيان رفض العمل".

مايرهوفر، الذي درس في هارفارد وكلية الحقوق في جامعة نيويورك قبل الذهاب للعمل في "سوليفان آند كرومويل"، في أقسام الأوراق المالية وأسواق رأس المال فيها، يقول إنه لم يتكيّف. "لقد كرهت الأمر. أنا لم أكُن مناسباً لأكون محامي شركات. كانت ساعات عمل تنافسية طويلة للغاية، من خلال القيام بتفاصيل العمل". في النهاية تم "الاقتراح عليه بالمغادرة بشكل لطيف".

اليوم، ينظر إلى الماضي ويُدرك أنه كان مكتئباً وقلقاً. فضلاً عن كونه أُصيب بالأرق، زاد وزنه 45 رطلاً نتيجة لطبيعة عمله القانوني. بعد إعادة التدرّب طبيبا نفسانيا وكتابة مدونات عن تداعيات العمل في المهنة القانونية، التقى مايرهوفر زملاء سابقين ـ دائماً ما كانوا يبدون سعداء اعترفوا بأنهم يشعرون بالقلق والشك الذاتي. "لم أكُن أُدرك أن كثيرا من الزملاء كانوا بائسين".

باعتباره مُعالجا، يواجه مايرهوفر كثيرا من العملاء الذين، كما يعتقد، يُدمّرون حياهم المهنية لا شعورياً: مثلا، من خلال الرد بطريقة وقحة على مديريهم على أمل أنه قد يتم طردهم مع كامل مستحقاتهم المالية. وكان يسأل العملاء: إذا تم طردك غدا، كيف سيكون شعورك؟ فكان الرد الشائع: الارتياح.

بعض عملائه من النساء يُعبّرن عن شعورهن بالإحباط بسبب التهميش، والتحرش الجنسي، ومنحهن "الأعمال المنزلية" في المكتب، مثل الاعتناء بالزملاء المبتدئين.

عملاء المُعالجين مجموعة تأتي باختيارها. يباشرون العلاج لأنهم يريدون ذلك. بأي حال، ليس جميع عملاء مايرهوفر من المحامين يشعرون بالتعاسة بسبب العمل. يقول: "بعضهم يُحب القانون". أولئك الذين يشعرون بأنهم مُحاصرون بسبب عملهم لا ينصحهم دائما بأن يستقيلوا. بعض التعديلات على دورهم، أو بعض الخطوات الجانبية، قد تكون أفضل.

هناك مشكلة مشتركة يراها ليفين (68 عاما) بين عملائه المحامين هي ما يُسمّيه "لعنة الإمكانات غير المحدودة". هؤلاء أشخاص قيل لهم إنهم لامعون ويشعرون بأنهم يجب أن يرتقوا إلى مستوى إمكاناتهم. "اللعنة هي أنها غير محدودة ولا يُمكن الارتقاء لمستواها أبداً".

إحدى الشريكات السابقات في شركة ماجيك سيركل في الحي المال في لندن، التي تتدرّب محللة نفسانية في "تافيستوك وبورتمان إن إتش إس فاونديشين تراست"، تقول إن المحامين يُمكن أن يُصبحوا منفصلين عن عواطفهم. "من ناحية أنت تملك كل شيء ولا تشعر بشيء". في النهاية شعرت أن الوظيفة غير جوهرية ومع ذلك "تتلقّى أجراً عالياً إلى حد كبير".

يقول ليفين إن القلق يُمكن أن يُصبح شديدا بخصوص موضوع التعويض، لاسيما عندما يتعلّق الأمر بالمكافآت. ويُصرّ على أن "الأمر لا يتعلّق بالمال. فمعظم الناس قد يشعرون بحال أفضل لو كانوا يكسبون نصف مليون دولار وكان جميع من حولهم يكسب المبلغ نفسه أو أقل، مما لو أنهم كانوا يكسبون مليون دولار والجميع يكسب 1.6 مليون دولار".

المال، كما يقول، يتعلّق بالفعالية، وهي ذات أهمية خاصة في مكان العمل حيث عدد قليل من الأشخاص يتلقّون الشكر من العملاء، أو الزملاء، أو من رؤسائهم. ويُدرك مايرهوفر أن المال والمكانة يُصبحان بمثابة فخ. إحدى المحاميات البارزات ذات أجر جيد تُعبّر عن القلق باستمرار من أنها في حال تركت عملها ستُصبح في الشارع. ويقول إن مثل هذه المشاعر الكارثية هي أبعد ما تكون غير نمطية.

سارة واينشتاين تعمل في كاليفورنيا وكانت طبيبة نفسانية منذ أكثر من عام ـ بعد العمل محامية لمدة 12 عاماً. سارة، البالغة من العمر 44 عاماً، تقول إن عملاءها يُقدّرون فرصة التوقف عن الحذر أو القلق. "يدّعي المحامون أنهم بخير طوال الوقت". وضع الثقة بشخص خارجي يُمكن أن يكون أمرا مُرهقا. اليوم، مايرهوفر يعاني مشاعر متباينة بشأن الذهاب إلى كلية الحقوق. "لقد أنفقت مبلغا كبيرا من المال على كلية الحقوق وأصبحت مكتئباً. لكنني طوّرت مهنة منها". ومع أن كون أن عملاءه من المحامين يجعله أكثر ربحية مما لو كانوا من عمال النظافة، إلا أنه يقول إنه يكسب الآن المبلغ نفسه الذي كان يكسبه عندما كان محامياً مبتدئاً.

إنه ناقد لكليات الحقوق التي يراها "مصدرا للأموال الكثيرة"، ويعتقد أن كثيرا من الطلاب يدخلون إليها وهم أقل جاهزية ليُصبحوا محامين.

وينصح كثيرا من العملاء من طلاب الحقوق بالتخلّي عن الأمر. "الكثير من الأولاد غير سعداء للغاية".

وفي بعض الأحيان، أحد العملاء قد يصف مايرهوفر بأنه مُحتال: أنه مُعالج فقط لأنه لم يستطع النجاح في مجال القانون. ويعترف بحرية أنه لم يكُن محامياً كبيراً: "أنا لست أحمق تماماً (...) أنا لم أرغب في ذلك". الآن وظيفته تسمح له بالحصول على عطلات نهاية الأسبوع والأمسيات لنفسه.