الخميس 16/10/1445 هـ الموافق 25/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
هل المعلم رسول ؟؟؟...رامي الغف
هل المعلم رسول ؟؟؟...رامي الغف

 قُم للمعلم وفه التبجيلا، كادَ المعلّمُ أن يكون رسولا.

بالرغم من أن المتعلم هو محور العملة التعليمية، إلا أن المعلم هو المفتاح الرئيسي لنجاحها، وهذا ما بينته الدراسات التربوية والنفسية التي حاولت التخلي عن دور المعلم في عصر التكنولوجيا، لكنها كلها باءت بالفشل ولم تستطع تهميش أو استبعاد او تغييب دور المعلم، فالمعلم شريك أصيل للوطن وللمجتمع وللأسرة.

إن شريحة المعلمين تحظى باحترام واسع بين أوساط المجتمع الفلسطيني، فقد أثبتت هذه الشريحة على مر العصور على انها الرافد الوطني الحقيقي الذي لا ينضب، حتى قيل أن المعلم كالشمعة تذوب لتنير الدرب للآخرين، فهم سادن العلم والفضيلة ومربّي النشء الجديد، والينبوع الرافد للوطن بالطاقات الكفوءة للنهوض بأعباء بنائه وتطوّره وحمايته، وهي بحاجة دائمة ومستمرة للدعم والإسناد والمساعدة وتلبيه حقوقها من خلال تحسين ظروفها الوظيفية والمعيشية والارتقاء بهم، وإنصافهم من التعسف والظلم الذي لحق بهم بسبب السياسات السابقة الخاطئة للحكومات التي حكمت وطننا والتي ساهمت بضياع حقوقهم ممّا أدى ذلك الى تحجيم دورهم التربوي المحوري في بناء الوطن ونشر العلم والفضيلة وتربية الاجيال، اضافة الى الاولويات الاخرى المتمثلة بتوفير مختلف الخدمات ذات الصلة بتفاصيل الحياة اليومية التي يعاني منها المعلمون والمعلمات.

ففي كل صباح من الصباحات في ربوع وطننا وأرضنا ومدننا وقرانا ومخيماتنا، وفي كل يوم من الأيام الدراسية يحمل المعلم الفلسطيني على كاهله وصدره املاً جديداً في ان يتمكن بشكل فعال من أداء رسالته الإنسانية والتربوية والأخلاقية ليسهم في بناء الوطن والمجتمع بناء صحيحاً ومتقدماً، في كل يوم يحمل رسالته هذه مع ما يحمل من هموم العيش وشظفه والإستقرار النفسي والمعنوي وتذبذبه وهموم أخرى تكاد تضيع وسط أهمية وأولوية (أداء الرسالة) التي في عنقه فيعلق جميع هذه الهموم والآمال وهو يخط أقدامه نحو بناء الأجيال حتى غدا كأنه نبي ورسالته تعليم الحروف.

في كل يوم من أيام عمر المعلم الموزعة ما بين السبورة والحروف المرسومة عليها الى الدفتر والسطور المتخمة بأبجدية الأفكار التربوية والأخلاقية يحمل هاجساً وطنياً ودافعاً أخلاقيا ليتناسى كل هموم الارض وجميع مصاعب العيش والظروف السيئة والقاهرة التي تحيل حياة الانسان الى ظلام دامس وارض بور لا تنتج أي ثمار غير آبه بتلك التحديات والمغريات الاخرى إيمانا منه بأنه هو وحده من يضع بداية الحضارة ويضع اللبنة الاولى لتقدم أي مجتمع ينتمي اليه وتثمر من تحت يديه زهور وثمار الاطباء والمهندسين والاقتصاديين والعسكريين ورجال الدين والوزراء والقضاة والإعلاميين والسفراء وكافة فئات المجتمع.

إن المعلم الفلسطيني لم يضع يوماً في حساباته الموازنة بين الحقوق والواجبات ولم يرفع صوته لمطالبة بمميزات وخصائص مادية تُعطى لغيره إلا بعد ان استفحل الامر وكاد ان يتأثر أداء رسالته التربوية بعد ان ضاقت به سبل العيش ولم تتوافر له أسباب الحياة الكريمة وبما يحفظ كرامته كمربي للأجيال.

إن شريحة المعلمين، من الشرائح المظلومة في وطننا، فالمعلم لم يحصل على حقوقه أبداً، وبالرغم من ذلك حافظ المعلم على مهنته، وصانها قدر الإمكان، فهو مَنْ يُعلم الناس تحمل المسؤولية، والتضحية من أجل الآخر، فكيف لا يقوم هو بمسؤوليته؟

وهنا نورد بعض الأمور التي تخص المعلم الفلسطيني

في كل دوائر وهيئات ووزارات الحكومة يتم التعامل بمبدأ المكافأة والامتيازات إلا المعلم!

في كل دوائر وهيئات ووزارات الحكومة توجد إيفادات للموظفين داخل وخارج فلسطين إلا المعلم!

في كل دوائر وهيئات ووزارات الحكومة يتم تجهيز موظفيها بكافة مستلزمات العمل إلا المعلم!

في كل دوائر وهيئات ووزارات الحكومة يتم منح قروض وسلف وسيارات وأثاث بالأقساط إلا المعلم!

في كل دوائر وهيئات ووزارات الحكومة يوجد بدل طعام وخطورة إلا المعلم!

في كل دوائر وهيئات ووزارات الحكومة تصرف مكافأة للدوام الإضافي إلا المعلم!

في كل دوائر وهيئات ووزارات الحكومة يوجد نظام داخلي وهيكلية عمل إلا المدرسة! فهي تعمل وفق قاعدة إنت وضميرك!

ولأن للمعلم ضمير حي، فهو يعرف حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه من قِبل المجتمع، ولأنه يحب عمله، ويتفانى بإنجاز مهمته في بناء المجتمع، لذلك فـ :

المعلم يشتري أقلام السبورة، ويجب أن تكون الأقلام ملونة!

المعلم يشتري الوسائل التعليمية، وكلٌّ حسب إختصاصه!

المعلم يقوم بدفع مبلغ طباعة الأسئلة!

المعلم يشتري دفتر خطة ودفتر متابعة وبطاقات نتائج التلاميذ!

المعلم يقوم أثناء الفرصة بمراقبة التلاميذ في ساحة المدرسة، فالفرصة راحة للتلاميذ وليست للمعلم!

المعلم يقوم بإعداد قوائم الإمتحان للطلاب، وملئ البطاقة المدرسية لهم، ولا يُعتبر هذا عملاً إضافياً له، بل هو من واجباته!

المعلم يدخل إلى الصف فيجد عدد التلاميذ يتراوح بين 75 إلى 100 تلميذ، ومطلوب منه أن يأتي بنسبة نجاح لا تقل عن 80%! مع العلم أن مدة الدرس 40 دقيقة فقط!

يجب على المعلم أن يتابع ويصحح دفاتر جميع هؤلاء التلاميذ يومياً! وليس له أن يتذمر من ذلك بل يحمد الله ويشكره!

لا يوجد للمعلم غرفة ولا دولاب يحفظ فيه أشياءه المدرسية، بل عليه أخذهم إلى بيته (الإيجار) ذهاباً وإياباً

هذا وغيره كثير مما لذ وطاب، والمعلم يحتسب أمره عند الله فهو حسبه ونعم الرقيب.

وبعد كل هذا ألا يستحق " المعلمون " الاستجابة لمطالبهم " ورفع معاشهم " ومن الواجب علينا جميعا أن نوفر البيئة المناسبة للمعلم في القيام بواجبه اتجاه أبناءنا لان المعلم يستحق منا كل الدعم والمساندة فالمعلم يربي ويعلم أبناءنا ذلك الجيل الذي نرى فيه الأمل في حمل راية فلسطين فوق مآذن القدس الشريف وكنائس القدس عاصمة دولة فلسطين.

فالمعلم يستحق ... يستحق إنصافاً ... يستحق عدلاً ... يستحق تأهيلاً ... يستحق حياة كريمة، يستحق ألا نكتفي بأن التعليم رسالة ... بل هو مهنة أيضاً ... يستحق ترجمة فعلية لشعار قم للمعلم فلتتظافر جهودنا جميعاً من أجل الارتقاء بمستوى التعليم وخطوته الأولى الارتقاء بمستوى المعلم من كل الجوانب.

إن المعلم هذا الذي كاد ان يكون رسولا، كيف نعيد له وهجه وألقه وكيف نعيد له تلك المكانة الاجتماعية التي كان يتمتع بها محاطا بالتقدير والاحترام؟ علينا جميعا افرادا وحكومة ان نعيد للمعلم والتعليم هيبتهما، فإن كانت مشكلته مالية ويشكو من ضيق ذات اليد وهو كذلك فيجب على الحكومة ان تخصه بزيادة مجزية تعفيه من الدروس الخصوصية المتعبة، وإن كان بحاجة الى تكريم معنوي وهو كذلك فعليها ان تكرمه، وهذا ايضا واجبنا كمؤسسات إعلامية وكهيئات مدنية وكمنظمات مجتمع مدني بمداليات او دروع او شهادات تقدير او برحلة ترفيهية داخل البلد او خارجه.

المعلم هذا الذي ندفع اليه فلذات اكبادنا ألا يستحق منا لفتة كريمة، وبالتالي ألا يستحق منا ان نخصص له يوما وطنيا من اجل ان نقول له شكرا، اليس هو الذي علمنا الحروف الاولى والإعداد الاولى، وعلمنا ان ننشد للوطن وعلمنا كيف نرفع العلم خفاقا عاليا، وعلمنا النظام وكيف نرص الصفوف، وان نسير بانتظام وهدوء، ولا ابالغ إن قلت إن المعلم هو الوطن.

*إعلامي وباحث سياسي