السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
في انتظار الخير ...ميساء البشيتي
في انتظار الخير ...ميساء البشيتي

في انتظار الخير !

تتوالى الأيام .. تتوارى خلف السنين .. تُسرع  الخطى .. تمضي قدماً في انتظار الخير .. تتسابق الخطوات .. تُرفع الهامات .. تَلهَج الألسن بالدعاء :

أن تهطل علينا حبات الخير .

نطوي أيام العمر بلا شفقة .. نركلها بلا هوادة .. نشحذ المسير .. نكثف الآمال .. كي لا يتأخر هذا الخير .

نرفع أيادينا إلى السماء .. نُلحُّ  في الدعاء .. نتوسل

الاستسقاء أن تهطل حبات الخير فتروي حقولنا العطشى ، دماءنا الظمأى ، سنابلنا الجرداء .. أن تغسل روحنا وصبرنا وطول انتظارنا .. من غبار الضياع  .. وأتربة السفر .. عبر الأزمنة المتعفنة .

نمضى قدماً .. نسرع الخطى .. نتجاوز الأيام ..

نفرُّ من عجلة السنين .. نتسابق لأخذ أماكننا في انتظار الخير الذي طال انتظارنا إليه ؛ فكَبرت رقعة الأشواق .. وامتدت دائرة الأحلام .. وانحسر الأفق عن أملٍ  واحد .. حلمٍ واحد .. أن نغتسل بحبات الخير ؛ فتضيء أيامنا ، حقولنا ، سنابلنا .. ويتهافت الطير ليبني أعشاشه على جباهنا .. وعلى هاماتنا تستقرُّ الحمائم .

حين كان  يداهمنا التعب .. ويعلو صفير اللهاث من تعب المسير ..  كنا نأوي إلى ركن الذكريات ..  نحاورها برفق .. كي لا  نخدش بريقها .. أو نمزق عن دون قصد أوردة الحنين فيها .

 نتذكر أول سنين الخير .. كيف اغتسلنا صباح العيد .. وكم امتد ذلك الصباح ؟ كيف تشابكت الأيادي في حلقات الفرح ؟ كيف أضيئت  حقول الحب وأزهرت سنابل القمح و الأمل ؟ كيف افترشنا سنين  التاريخ من البحر إلى النهر واعتلينا هامات الأفق  وأمسكنا زمام الغيوم لتمطر في حقولنا .. وعلى مدار العمر؟

صحونا من غفوة الذكريات على زعيق أحدهم في مطلع النهار .. كان زعيقاً لا يُنسى :  سيتأخر الخير هذا العام  .. لا تسرعوا الخطى .. قد لا يأتي الخير هذه السنة ..  قد لا يأتي العام  المقبل ..  قد لا يأتي في هذه الأزمنة !

 قفوا .. لا تتقدموا .. لا تنقلوا الخطى .. قد يتأخر هطول  الخير .. قد لا يأتي أبداً .

أفقنا من ذهولنا مذعورين .. هرولنا من ركن الذكريات .. نتتبع مصدر الصوت مستفسرين  مستنكرين .. وهذا الركض طوال تلك السنين .. طوال ذلك العمر..  أموقوف ؟!  والعود إلى البدايات .. أممنوع ؟!وإتمام المسيرة وحلم النهاية ..  أمرفوض ؟! ونحاول أن نفهم أكثر .. كيف يكون الخير موقوفاً ..  والعود ممنوعاً .. والسير إلى الأمام  مرفوضاً .. ويستمر هذا العمر .. كيف ؟

أدركنا  لاحقاً  أننا  في انتظارنا المطول للخير ..

ولهطول حبات الخير .. أضعنا العمر !

 ضاع العمر في انتظار الخير .. وحبات الخير التي لا تهطل في سنين القحط الجفاف ؛ فضاع منا العمر .