الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
هل تحدث 'بنما ليكس' تمزقا في شرايين الدول الهشة كما أحدثته 'ويكيليكس'... إبراهيم الصافي
هل تحدث 'بنما ليكس' تمزقا في شرايين الدول الهشة كما أحدثته 'ويكيليكس'... إبراهيم الصافي

أحدثت الوثائق الدبلوماسية الخارجية الأمريكية، التي قام بتسريبها موقع "ويكيليكس" سنة 2010 كوسيط إعلامي جديد، تمزقا في أحد أهم شرايين السلطة والدول الهشة، التي تشمل القدرة على تقرير المعادلة الخاصة بها ورصدها وفرضها بين الكشف والكتمان، الإفصاح والسرية، كما قال جوليان أسانج صاحب موقع "ويكيليكس"": "كشف الخطط التي تعين الحكم الاستبدادي يولد المقاومة".

وساهمت تسريبات "ويكيليكس" في تعبئة الحراك العربي قبل 5 سنوات وتحويل مضامين الوثائق الأمريكية المسربة إلى إطار معبئ لموجات الغضب والاحتجاج، وساهمت كذلك في إضفاء المصداقية على الحركات الاحتجاجية، الأمر الذي ساهم في توسعها وارتفاع وتيرتها وازدياد أعداد المتعاطفين في صفوفها.

وشكلت وثائق "ويكيليكس" مناسبة سياسية تم تأويلها بغض النظر عن مضامينها ومحتوياتها، بشكل يخلق الإحساس المشترك على القيام بسلوكات وأفعال احتجاجية مناهضة للحكم الاستبدادي.

وتكمن قوة الأنظمة السياسية في قدرتها على تجديد واستمرارية مشروعيتها، وتجديد رهان أساسي لبقائها في الحكم، وانعدام ذلك من خلال فضح وتعرية الفساد والاستبداد المتجذر في النظام وتعميق أزمة مشروعية النخبة الحاكمة، وتقويض آفاق استمرارها على رأس الحكم، عكسته الوثائق المسربة.

ويعود موضوع التسريبات ليحدث رجة أخرى في العالم، تحت مسمى آخر "بنما ليكس" أو "panama papers"، وذلك لأن طبيعة هذه التسريبات وممارستها تقوﹼض "إمكانية الإنكار الذي قد تلجأ إليه الحكومات بخصوص مواضيع تهم الجمهور العام، كما تؤمن الوثائق المسربة معرفة قابلة للتفعيل من قبل الناشطين وفعاليات المجتمع المدني، وإنتاج صيغة جديدة من الفعل الاجتماعي.

توجد ثلاث نقط التقاء بين "ويكيليكس" و"بنما ليكس"، الأولى أن التسريبات تركز بالخصوص على الحكام والطبقة الحاكمة في الدول، وبمعنى أخرى تستهدف السلطة، والنقطة الثانية، التي وحدت كل التسريبات "الثروة" التي تمتلكها الطبقة الحاكمة، في حين النقطة الثالثة، وهي الجهة الموجهة لها هذه التسريبات، وهم الشعوب التي تتولى الطبقة الحاكمة إدارة حكمها وتدبير ثرواتها، فإلى أي حد تجيد هذه النخبة الحاكمة توزيع الثروات الوطنية بشكل عادل؟

هذا السؤال الذي تجيب عنه التسريبات هو نفس السؤال الذي يطرحه كل مواطن، فعندما يلقى الجواب في المصادر المفتوحة التي تكشف المستور، يتفاعل معها بشكل أو بآخر بالسعي إلى إزاحة هذه النخبة الحاكمة المتورطة في الفضائح المالية التي كشفت عنها التسريبات عبر استغلال السلطة.