الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
غـــزة بين مطارق الأشقاء ومطارق أهلها!...م . زهير الشاعر
غـــزة بين مطارق الأشقاء ومطارق أهلها!...م . زهير الشاعر

 في ظل الحديث عن المبادرة الفرنسية يبدو من المشهد السياسي الفلسطينيي القائم أن من يراهن على هذه المبادرة بأنها ستحمل معها حلاً سحرياً سريعاً للوضع الفلسطيني القائم بدون التكلف بعناء الإلتفات للوضع الداخلي هو واهم،  وسيكتشف بأنها لا تعدو سوى مبادرة لكسب المزيد من الوقت في محاولة لإمتصاص أي إنفعالات أو غضب شعبي في ظل إنشغال العالم بقضية اللاجئين والإنتخابات الأمريكية، لذلك عليه أن يعيد النظر بدلاً من قصقصة ما تبقى له من أطراف حتى لا يصبح مشلولاً بالكامل بالرغم من أنه بات يعاني شلل نصفي بالتأكيد!.

فقبل أيام عديدة زار الرئيس الفلسطيني محمود عباس العاصمة المصرية القاهرة وبعيداً عن حيثيات هذه الزيارة ومما لا شك فيه أنه تمخض عنها فتح معبر رفح الحدودي لمدة يومين ثم أغلق المعبر مرة أخرى وعاد الناس الراغبين بالسفر ممن لم يحالفهم الحظ بذلك إلى بيوتهم مكسوري الخاطر بعد معاناة لا تتحملها الجبال ولا يمكن تخيلها أن تحصل حتى في بلاد الأدغال، ولكنها فتحت المجال للتفكير بعمق حول أدوار قائمة بتساؤلات مشروعة.                                                                                           

فمثلاً كيف يتم الطلب من الأشقاء في مصر فتح معبر رفح ؟! ، هل هو مطلب لوضع إنسائي بائس وضرورة العمل على تخفيفه  أو المساهمة في حله بشكل جذري أم أن الحديث يتم على قاعدة أن هناك في غزة عبيد من البشر من الدرجة المتدنية في السلم الإنساني لابد من التنفيس عنهم بعض الشئ لإحتواء مشاعرهم الغاضبة قبل أن ينفجروا  في إطار لعبة قذرة مترامية الأطراف ومتعددة الأهداف؟! ، وكيف يتم وضع تنفيذ ألية التنفيس هذه حتى لو كانت حقيرةً ووضيعة ؟!، وأين من ذلك الوضع المزري، النواب الذين يدعون بأن علاقاتهم في المنطقة عميقة وثقيلة ولهم عند اصحاب القرار فيها وزن وثقل ودلال؟!، أيضاً ما هي البدائل والإستراتيجيات التي يتم أخذها بالحسبان من أصحاب القرار المختلس في قطاع غزة لتحمل غضب الجانب المصري على سبيل المثال ؟!، وهل بعد عشر سنوات عجاف جلبوا فيها الوبال والهلاك والإنكسار والمرض والتفكك الأسري والإجتماعي وإنتشار المخدرات بين الطلاب والطالبات، تذكروا بأن الله علم الإنسان ما لم يعلم؟! ، وبأنه لابد لهم من إيجاد حل يصلح على الأرض التي حلل الله فيها الحياة الكريمة  للبشر الذين جعلوا منهم في نظر الأخرين عبيداً  وذلك بعيداً عن فلسفة  إنتظار وعود السماء ؟!.

نترك الأسئلة السابقة للقارئ ليفكر بها ويجيب عنها بنفسه، حيث أن غزة اليوم تعيش تحديات لا مثيل لها في المفهوم الإنساني ، فهي تعيش في قفص سجنت فيه كل أهلها المنتشرين في كل بقاع الأرض ، فلا إبن غزة الذي خرج ليتعلم يستطيع العودة إليها بسهولة  ولا الذي يريد أن يخرج منها نال فرصته بذلك ، ولا بنت غزة التي خرجت منها متزوجة تنعم بإستحقاقها الإنساني إن تزوجت مغترباً أو إن تزوجت في غزة إن كان أهلها مغتربين ، ولا تلك المريضة ولا المسن ولا الطفل إن خرجوا لينعموا بالراحة أو العلاج خارجها عندما يخرجون منها لحين العودة إليها، فكل ما يواجههم هو حياة بائسة تحاصرهم من كل الحدود، دبت في نفوسهم الإحباط واليأس وسرقت منهم الأمل بأن هناك مسؤولاً لا زال موجود بين أهلها يفكر لما يتطلعون أو بما يفكرون!.

إبن غزة اليوم يعيش حالة جريمة إنسانية بشعة، حيث تطارده الدنيا لتسرق منه سعادته وتتغول على كرامته وتصادر منه إنسانيته ، فهذا أيضاً الذي يعود من أبنائها عبر حدود أخرى غير معبر رفح قاصداً الضفة يجد نفسه اسيراً فيها لا بل غريباً تلاحقه غزيته في مقاهيها وفي بيوتها وبين أهلها وتكتمل الجريمة عندما يستعد للرحيل منها عائدا من حيث أتى قاصداً حدودها مع الأردن الشقيق الذي بات يعبر بوضوح أكثر بأن هؤلاء الغزيين ليسوا كباقي أقرانهم من الفلسطينين،  فزادت أمورهم أكثر تعقيداً وباتوا يترحموا على الماضي لأن المطارق تزداد قسوة وعدداً وتزداد شراسة!.

من هنا لابد من مواجهة الحقيقة التي تقول بأن فلسطين قدرها المحتوم بأن يكون لها مثل هذه الحدود ، وأن المنطقة  تمر بظروف أمنية إستثنائية قاسية ومن حق دولها  أن تحافظ على أمنها بالطريقة التي تراها مناسبة ولكن ليس من حقها أن تتجاهل بأنه لا يجوز أن يكون ذلك على حساب كرامة نساء وأطفال وابناء قطاع غزة من الأبرياء والذين باتوا متعطشين للحياة بأمل بأن غداً هو أفضل، وبالتالي لابد من طمأنة هذه الدول والتعاطي مع إحتياجاتها في إطار مفاهيم عملية متفتحة ومهنية عالية ومسؤولية كبيرة لا يستطيع أن يقدمها إلا رجال دولة محترفين  لهم علاقات دولية قوية ذات مصداقية  ويتمتعون بحس وطني عالٍ يدفعهم للحفاظ على مصالح أبناء شعبهم من خلال خلق علاقة مصالح مع الأخرين بعيداً عن العواطف التي يقودها المتنفذين الحاليين وأصحاب القرار الموجودين من المنتفعين والمتاجرين بأهات وألام أبناء شعبهم، لذلك يبدو بأنه بات هناك قناعة لدى الجميع بأنه قد حان الوقت لفتح الباب أمام هؤلاء حتى يتقدموا الصفوف بدون خوف أو بدون تردد ليحاكوا العالم بلغة يفهمها لا بلغة تظلله وتخدعه!.

من هنا لابد من عدم تجاهل حقيقة أن العالم اليوم ينظر ويراقب عن كثب ويتطلع لأن يرى شعباً متماسكاً له قيادة قوية وحكيمة وشفافة ونزيهة، لذلك إن كان يظن البعض بأن الحديث عن حكومة وحدة وطنية هو مخرج لهذه الحالة البائسة ، فلابد من الأخذ بعين الإعتبار بأن هذه الحكومة لن يكتب لها النجاح وبوادر ذلك باتت واضحة!، إن لم ترتكز في تشكيلتها على ضمان إشراك الصف الأول من قادة الفصائل الفلسطينية بشكل جامع بدون إستثناء لأحد حتى يكون هناك قرارات مسؤولة ونافذة لتجاوز مشكلة الإنقسام برمتها من جهة والبدء في حل مشاكل غزة وما ترتب عليها من مشاكل وطنية من جهة أخرى.

في النهاية نستطيع القول بأن غزة تعيش مرحلة بائسة نتيجة مطارق أهلها الذين ظنوا بأنهم قادة وبأنهم يحملون نهجاً يصلح في هذا الزمن لكي يكون نموذجاً بدون أن يكونوا جزء من منظومة عالمية شاملة  لها متطلباتها ولها إحتياجاتها ولها مصالحها بغض النظرعن أهداف مبادراتها بين الحين والأخر،  فكانت الخطيئة من غزة وأهلها ودفع ثمن ذلك شبابها وأطفالها ونسائها أجمل أيام أعمارهم لا بل الكثير منهم دفع ثمن ذلك حياتهم بدون حاجة لذلك ، كما أن مطارق الأشقاء لم تكن بهم رحيمة فكان الحصار لهم شرساً ، لذلك عليهم الأن أن يحددوا ما الذي يريدون ،؟!، فإما الإستمرار في طريق الإنتحار من خلال إرتهان شعب يتطلع للحياة وإما الإنفتاح على الحقيقة والتعاطي مع متطلباتها بعقل ومهنية مهما كانت مرة من أجل الخروج من هذا الوضع البائس لشعب كتبت عليه الأقدار بأن يعيش مرحلة قاسية ومهينة!.

لذلك نرى بأن غزة اليوم تحتاج إلى من يخفف عن أهلها قسوة هذه المطارق المهينة لا بل القاتلة، فهي تحتاج بالفعل إلى  رجال دولة يعون ما هي مصالح الإقليم والمجتمع الدولي التي تتقاطع مع مصالح شعبهم لكي يحافظوا على مصالحهم، فكفى مكابرة والطريق أصبحت واضحة!.