الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
هل هي بداية النهاية ؟... حمادة فراعنة
هل هي بداية النهاية ؟... حمادة فراعنة


حينما تسأل شخصية إسرائيلية بمكانة الجنرال يوفال ديسكن ، كمدير مخابرات سابق ، بقوله “ هل هذه نهاية البداية أم بداية النهاية ؟ “ ويشخص الحالة الإسرائيلية بقوله “ عدد الإسرائيليين الذين يبحثون عن جوازات سفر أجنبية في الدول التي جاء منها أباؤهم وأجدادهم في إزدياد ، والشرخ بين اليهود المتدينين واليهود العلمانيين يتعمق ، والمسافة بين الشرقيين والأشكناز كبيرة ، والشيطان الطائفي يتقوى ، والعدل الاجتماعي مازال بعيداً ، والعنصرية ضد اليهود الأثيوبيين وضد العرب من قبل اليمين المتطرف ليس عملاً مخجلاً “ ، فهذا يعكس عمق المأزق الذي يواجه المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي رغم إمتلاكه لمقومات التفوق على الشعب العربي الفلسطيني ، فالمانيا النازية نجح فيها هتلر بالإنتخابات الديمقراطية وقادها نحو الهلاك ، وبريطانيا العظمى زالت عنها شمس التمدد والقوة ، والاتحاد السوفيتي نال نصيبه من الهزيمة والتفكك ، فالمجتمعات مثل البشر التي تحبو وتكبر وتشيخ ، طالما تحمل بذور تراجعها وإنحسارها بإفتقادها للتجديد ، ولا تحترم حقوق الانسان ، وقيم العدل ، وإضطهادها للأخر القومي أو الديني ، والمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي “ نموذج صارخ “ لحمل مثل هذه المضامين غير العادلة وغير الانسانية وغير الأخلاقية .
إستقالة موشيه يعلون من وزارة الحرب في حكومة نتنياهو ، لدوافع مهنية وأخلاقية كما وصفها ، وتولي المستوطن ليبرمان حقيبتها ظاهرة الأزمة الدالة على التحولات الجارية في بنية المجتمع الإسرائيلي والصراع الخفي والمعلن بين شرائحه وتوجهاته ، فأصحاب نظرية ضم المستوطنات على أراضي 67 وتوسيعها هم الذين يقودون المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي وعلى رأسهم نتنياهو الذي يعمل على تحقيق غرضين :
أولهما : بقاء حكومة المستوطنين برئاسته أطول فترة متاحة حتى عام 2019 ، وتعزيزها عبر توسيع قاعدتها البرلمانية من 61 نائباً إلى 67 نائباً ، والتخلص شخصياً من كل من ينافسه على زعامة حزب الليكود ، فكان يعلون هو المرشح الأوفر لخلافته فتخلص منه ، كما سبق وتخلص من منافسه جدعون ساعر ، فالأولوية بالنسبة له هي ذاته في أن يبقى رئيساً للحكومة والتخلص من أي شخصية يمكنها منافسته .
وثانيهما : رفد الحكومة بعناصر متطرفة جداً تشكل غطاء لسياسات نتنياهو لتنفيذ برنامجه التوسعي الاستعماري عبر مواصلة تهويد القدس ، وأسرلة الغور ، وتمزيق الضفة الفلسطينية بتوسيع المستوطنات وتمددها ، حتى تكون الأرض الفلسطينية طاردة لشعبها ، وفصلها إلى ضفتين شمالية وجنوبية ، لتمنع قيام دولة فلسطينية مستقبلاً .
ليبرمان أبو مثل هكذا برنامج فهو يدعو علناً إلى تدمير قطاع غزة على رأس حركة حماس ، وإنهاء سلطة حركة فتح في الضفة الفلسطينية ، ولذلك سيشغل الموقع المؤثر وصاحب القرار لتنفيذ مثل هكذا مشاريع ، ولهذا سيوفر لنتنياهو جهداً في تنفيذ ما يرغب في تحقيقه ، وغطاء سياسياً أمام المجتمع الدولي ، وسيظهره بمظهر الاعتدال حينما يردع ليبرمان عن تماديه غير المنطقي .
خيارات نتنياهو في مشاركة ليبرمان في حكومته لا يجد أي معارضة من قبل الليكود ومن أحزاب الائتلاف ، بل على خلاف ذلك يجد القبول والرضى من قبلهم لتعزيز فرص التطرف والعنصرية والاستيطان والتوسع ، مقابل بروز مظاهر القلق لدى قطاعات مختلفة من داخل المجتمع الإسرائيلي ليس فقط من قبل المعارضة بل ومن أوساط ليكودية أو داعمة لليكود ، فالوزير السابق موشيه أرنز وصف القرار على أنه “ خطأ فادح “ مثلما نبه له دان مرغليت رئيس تحرير صحيفة “ إسرائيل اليوم “ العبرية المؤيدة لنتنياهو نبه إلى خطورة ما يفعله نتنياهو فوصف قراره بإقالة يعلون وتنصيب ليبرمان على أنه “ قرار غير معقول ومن شأنه أن يسجل في كتب التاريخ كبداية النهاية لحياته السياسية “ وعزا قرار نتنياهو لتأثير الثنائي بريف لفين وزئيف الكين أعضاء المكتب السياسي لحزب الليكود والأكثر تطرفاً داخل صفوفه .
إذن دوافع شخصية أنانية ضيقة ، ودوافع سياسية حزبية عقائدية متطرفة ، جعلت نتنياهو يعمل على التخلص من وزيره موشيه يعلون ، والمجيء بمن أسوء وأكثر قدرة على تنفيذ ما يريد ، بما فيه لجم قادة الجيش وجعلهم أسرى برنامجه بدون أي إلتفات لما يمكن أن يتعرضوا له من ملاحظات جنائية على المستوى الدولي .
نتنياهو ، وفريقه المتطرف ، وحكومة المستوطنين التي يقودها ، يسعون لإختزال عوامل الزمن لتحقيق برنامجهم مستغلين ثلاثة عوامل مفيدة لهم ، يقف في طليعتها :
أولاً : ضعف الحركة الوطنية الفلسطينية وتشتتها وغياب مبادراتها الكفاحية وعدم قدرتها على المواجهة بسبب الانقلاب والانقسام والأفتقاد للشرعية لدى طرفي المعادلة الفلسطينية ، فتح وحماس ، وتمسكهما مرغمين بالتنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب ، والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب ، وإنعكاسات ذلك على مجمل السياسات الفلسطينية محلياً ودولياً .
ثانياً : الحروب البينية العربية التي تستنزف جهد العرب وثرواتهم وتدمير حضورهم مما يجعلهم بلا وزن أو تأثير أو رافعة لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة .
ثالثاً : بروز الأولويات الدولية لصالح الاهتمام بالارهاب الدولي العابر للحدود ، والحروب المنتشرة في المنطقة العربية ، وتراجع إهتماماتها بقضية الشعب الفلسطيني ومعاناته وحقوقه الوطنية ، مما يوفر كل هذا مناخاً صالحاً غير مسبوق لأندفاع المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي لتحقيق أهدافه الميدانية على الأرض ، بلا رادع أو مسائلة محلية أو عربية أو إسلامية أو دولية .
صوت يوفال ديسكين ليس فريداً ، ووصفه ليس مستهجناً ، فقد سبقه السفير السابق اوري سفير وقال الكلام نفسه ، ولكن أن يصدر من شخص بمكانة مدير مخابرات الأكثر معرفة وإطلاعاً على تفاصيل داخلية المجتمع الإسرائيلي وتعقيداته ، فهو يُقدم الصورة الأدق والأقرب إلى الواقع وفهماً له .
[email protected]