الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الدبلوماسية الفلسطينية: سقوط للهاوية !....م . زهير الشاعر
الدبلوماسية الفلسطينية: سقوط للهاوية !....م . زهير الشاعر

أبدأ مقالتي هذه بكلمات تعبر عن مضمون الوضع الهزلي القائم في وزارة الخارجية الفلسطينية وهي تختصر الوضع برمته إن تم الصمت على هذه المهزلة القائمة بدون إتخاذ إجراءات صارمة لإنقاذ الوضع من الإنهيار حيث أنها تقول " عندما يموت الضمير، وتنتزع الذاكرة من جذورها ويصبح كل شيء أبيض ، فيصبح الماضي صاف كجدول ماء عذب حتى لو كان أسود ، ويصبح الجلاد برئ والضحية متهم!".                    

 يبدو للوهلة الأولى لمن يراقب ما حققته الدبلوماسية الفلسطينية خلال الفترة الماضية بأنه إنجازات ، وهذا مجافٍ للواقع والحقيقة في ظل وجود أوراق كثيرة مبعثرة تعطي إنطباعاً إلى أن هناك نشاطاً كبيراً لرأس الهرم في الدبلوماسية الفلسطينية كان أخرها زيارة لموسكو في سياق البحث عن تبني مبادرة دولية جديدة تهتم بإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي ، كما يلاحظ العمل بقوة على تسويق فكرة المؤتمر الدولي الذي تتبنى فكرته العاصمة الفرنسية باريس ، حيث أن الرجل جال العالم وخدمته الظروف لكي يبقى في منصبه ثماني سنوات متواصلة كأطول فترة لوزير خارجية صاحب قرار مطلق في هذه الوزارة قضاها في هذا المنصب السيادي، ولو تعمقنا قليلاً في حال هذه الدبلوماسية في عهده سنجدها مركزية في القرار الداخلي للوزارة وتابعة بالمطلق في القرار الخارجي فارغة من أي نجاحات تذكر حيث أنها لا تعدو أكثر من أداة تنفيذية مسيرة ضمن أجندة مرسومة بعناية!.                                                                                        

ويقول المثل أن أول الغيث قطرة!، وقد بدأت قطراتها بالفعل بعد أن تبين لنا حرص وزير الخارجية الفلسطيني على زيارة فنزويلا ما يقارب ستة مرات في العام للتأكد من جودة نفطها والحرص إستمرارية تدفقه وإنشغاله بترقيات أقاربه وأبناء بعض القيادات الفلسطينية المنتفعة وتنقلات دبلوماسية حسب ما تمليه مصالح تحالفات البيزنس الخاصة بدلاً من الذهاب إلى نيويورك للدفاع عن قضيته التي يمثلها! ، لذلك لو تأملنا حال هذه الوزارة المهني في ظل وزيرها الحالي وما ألت إليه هذه الدبلوماسية برمتها وما سجلته من فشل تلو الفشل في تاريخها  سنلحظ بدون شك ما نتج عن ذلك من خراب هائل في العلاقات مع الدول وفقدان للثقة والمصداقية،  لذلك لن نستغرب أبداً ما ألت إليه الأمور من نتائج غير مريحة للجانب الفلسطيني ومنها نتيجة تصويت الأمس في الأمم المتحدة التي جاءت نتيجته مذهلة لصالح الدبلوماسية الإسرئيلية التي إستطاعت أن تحصل  على الأغلبية الساحقة بحصد عدد 109 أصوات من أصل 175 صوتاً مقابل عشرة أصوات لممثل السويد و4 أصوات لممثلة اليونان و4 أصوات لممثل إيطاليا وإمتناع 23 دولة عن التصويت وإلغاء 14 صوتاً غير قانونية في إقتراع سري وذلك لصالح رئاستها للجنة القانونية الدائمة في الأمم المتحدة بالرغم من أنها دولة إحتلال تمردت على الكثير من إفرازات القانون الدولي من قرارات شرعية في سابقة تشكل فضيحة مدوية للدبلوماسية الفلسطينية التي قادها د. رياض المالكي قبل غيرها ، وهو معروف عنه أنه لا يحظى بثقة وطنية ولا بقبول شعبي في الأوساط الفلسطينية ويعد  منبوذاً وطنياً خلال الثماني سنوات الأخيرة، سار بالدبلوماسية الفسطينية إلى هذه الهاوية!.                                                                 

واليوم نذكر بما تحدثنا به سابقاً خلال مقالات كثيرة حول الأهداف المشبوهة التي ينفذها رأس الدبلوماسية الفلسطينية د. رياض المالكي ، ومنها فيما يتعلق بخزعبلات محكمة الجنايات الدولية ، حين قلنا أن القانون الخاص باتفاقية روما والمطبق في محكمة الجنايات الدولية ال ICC  لا يجرم دول أو حكومات وبالتالي لن يتجاوز سقف الشكوى الفلسطينية في المحكمة أكثر من إدانة  أشخاص أو مجرمي حرب  فقط من الجانب الإسرائيلي وكل الجهد في السياق لا يعدو سوى بيع وهم ومضيعة وقت ، فكيف سيكون الحال اليوم بعد أن تم إنتخاب إسرئيل كرئيس للجنة القانوينة الدائمة في الأمم المتحدة ؟!، سؤال نوجهه لرأس الدبلوماسية الفلسطينية الذي قضى فترته الماضية نقاهة وعشق وسفر وإبتزاز وإهدار المال العام من خلال الخداع تحت مسمى مهمات وطنية تبينت نتيجتها اليوم بوضوح، وهو فشل ذريع يمثل فضيحة من العيار الثقيل وفضحت كل المحاولات التي باعت لشعبنا وهم على حساب مقدراته وأماله وتطلعاته!.

كما ينطبق هذا الحال على محكمة التحكيم الدائمة التي تأسست في لاهاي في العام 1889 بقرار من وزير الخارجية الهولندي آنذاك، للنظر في النزاعات بين الأطراف المعنية، حيث أن وظيفتها هي الفصل في النازعات بين الدول، أو دولة ومنظمة دولية، أو دولة ومنظمة محلية أو شركة، أو منظمة دولية ومنظمة محلية، كما أنها مفتوحة للجميع حسب القانون المتبع لدى المحكمة وحسب اتفاقية لاهاي للعام 1907 ، والتي حاول وزير الخارجية الفلسطيني د. رياض المالكي أن يخرجها في سياق دراما لبيع وهماً جديداً للشعب الفلسطيني سرعان ما تم كشفه وكشف المسرحية التي حبكت لتمريره كفضيحة مدوية، فماذا سيكون حالها اليوم هي الأخرى؟!.

فوز إسرائيل هذا بالأمس برئاسة اللجنة القانونية الدائمة لأول مرة منذ عام 1949 ليس حدثاً عابراً بل  هو فوز ساحق له تباعته، حيث تعتبر لجنة الشؤون القانونية هي اللجنة السادسة التي تمثل المنتدى الأولي للنظر في المسائل القانونية الدولية في الجمعية العامة وهي واحدة من اللجان الدائمة الست للأمم المتحدة  التي تقدم لها تقارير عن نزع السلاح والقضايا الإقتصادية والمالية وحقوق الإنسان وإنهاء الإستعمار وميزانية الأمم المتحدة والشؤون القانونية، مما يعني أن إسرائيل تتقدم بعلاقاتها الدولية مع  حكومات دول العالم بشكل طردي على أسس قوية ومتقدمة جدا من المصالح وتحصن مكانتها الدولية والقانونية على حساب الجانب الفلسطيني الغارق بالإنقسام والصراعات ،  في الوقت الذي تتجاهل فيه هذا المفهوم  عند عمد وزارة الخارجية الفلسطينية ووزير خارجيتها د. رياض المالكي وهم يبحثون عن نفوذ ومزايا ومكاسب مادية!، وهذا ليس بجديد حيث أن هناك سابقة حصلت مع الحكومة الهندية اليمينية الحالية التي تربطها علاقات صداقة ومصالح إستراتيجية مع إسرائيل وكانت قد صوتت في مجلس حقوق الإنسان ضد مطالب الجانب الفلسطيني في حينه بالرغم من أن الهند دولة صديقة تاريخياً لفلسطين وشعبها ، كما نستطيع أن نتفهم الأن أسباب مواقف رئيس هندوراس ورئيس كينيا التي عبرا عنها خلال زيارتهما للمنطقة كصدقاء لدولة الإحتلال،  بأنها ليس غريبة في ظل سياسة المصالح وفي ظل إنحدار القيم والضعف المهني لدى رأس الدبلوماسية الفلسطينية، ولذلك من المنطقي جداً تحميل مسؤولية هذا الإخفاق الدبلوماسي والسياسي لصاحب القرار في الدبلوماسية الفلسطينية وهو د. رياض المالكي  وليس غيره، لذلك مطلوب اليوم قرار فوري وشجاع تتبناه القيادة الفلسطينية بشكل جامع وموحد ومتفق عليه للطلب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس بضرورة إعادة النظر بالتمسك ببقاء هذا الرجل بعد كل هذه الإخفاقات والفضائح وإتخاذ قرار خلال الساعات القادمة بإقالته وتحويله للمسائلة القانونية والمحاكمة، خاصة أن الأخبار تحدثت عن تصويت أربع دول عربية لصالح القرار، مما يعني أن هناك فجوة كبيرة قد حدثت في مصداقية الدبلوماسية الفلسطينية لدى الدبلوماسية العربية، وهذا ناتج بلا شك من إستهتار وفوقية رأس الدبلوماسية الفلسطينية د. رياض المالكي وإنشغاله فيالمخافظة على مصالحه الخاصة والأمور الإدارية الداخلية وحصر الصلاحيات في يده والصراع حول النفوذ مع الأخرين ، في دلالة على أن الرجل لم يكن معنياً بالشأن الوطني والقضية بقدر ما كان يعمل بقوة من أجل تفريغ مضمون الدبلوماسية الفلسطينية من مجمل مفهومها الوطني والمهني والدفع بها إلى الهاوية!.