الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
زعماء المكارثية الثقافية في إسرائيل.... بقلم توفيق أبو شومر
زعماء المكارثية الثقافية في إسرائيل.... بقلم توفيق أبو شومر

سيظل الفلسطينيون مغرمين بمطاردة الإجراءات الاستيطانية والاحتلالية الإسرائيلية القمعية، كالحصار، والقتل، والاعتقال، والحواجز، والجدران، وتدمير البيوت فقط، لا غير.

 أما رصدُ انتهاكات إسرائيل لحرية الرأي، ومصادرة العقول والثقافات، فهذا أمر ثانويٌ عَرضي، لا يستحق أن يُبرزَ حتى في الصحافة الفلسطينية، وكذلك فإن هذا الملف للأسف لا توليه المؤسسات، والجماعات، واللوبيات الثقافية الفلسطينية أيَّ اعتبار، ولا توظِّفه النقابات، والجمعيات الثقافية في الساحة الثقافية العالمية، لإبراز زيف ادِّعاءات إسرائيل، بأنها واحة الديموقراطية الوحيدة، في صحراء الديكتاتورية الشرق أوسطية.

مع العلم أن إبراز انتهاكات سياسيي إسرائيل لحرية الرأي والثقافة والوعي هو السلاح الفعَّال لدحض نظرية إسرائيل؛ بأنها دولة الحريات الوحيدة.

سأظلُّ أعتقد بأن الماكياج الديموقراطي الزائف على وجه إسرائيل شرع يذوب بسرعة، ليظهر وجه إسرائيل الحقيقي، وجه إسرائيل الحريدي، الديني، التلمودي، بظهور جوقه المكارثية الثقافية، في صورة حكومة إسرائيل اليمينية الحالية!

لم يكتفِ المكارثيون، من جماعة المخابرات الإسرائيلية الثقافية، بمطاردة المثقفين الفلسطينيين، بل انتقلوا إلى طور آخر، وهو مطاردة مثقفي اليسار الإسرائيليين، فقد تعرَّض أشهر الكتاب والروائيين الإسرائيليين، دافيد غروسمان، وعاموس عوز لحملة تشهير وتجريح غير مسبوقة، فقد جرَّح الكاتبُ المتطرف بن درور يمني، عاموس عوز الحاصل على جائزة إسرائيل في الأدب، لأنه رفض دعوات حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة، للمشاركة في الفعاليات الثقافية، واعتذر عن المشاركة في أية فعالية تنظمها هذه الحكومة، أو سفاراتها في الخارج، لدرجة أن بن درور يميني قال ساخرا:

(يجب منح عاموس عوز جائزة، بي، دي، إس)!!

من أبرز شرطة مطاردة حرية الرأي، وزيرة الثقافة والرياضة الليكودية، ميري ريغف.

 إليكم بعض ممارساتها القمعية، ضد حرية الرأي والتعبير:

حجبتْ المخابراتية، ميري ريغف يوم 10/6/2015 دعم مسرح الأطفال في يافا، لأن مدير المسرح الفلسطيني، نورمان عيسى رفض تقديم عروض مسرحية في المستوطنات.

قامت زعيمة المكارثية الثقافية، ميري ريغف أيضا في العام نفسه، بإزالة رواية (جدار حي) من المنهاج التعليمي، لأن الرواية تحكي قصة عشق بين فلسطيني ويهودية!!

انصاعتْ، ميري ريغف أيضا لتوصية الجمعية اليمينية الصهيونية المتطرفة، إم ترتسو، التي طالبتْ، ميري ريغف أن تلغي مهرجان أفلام النكبة، مع العلم أن منظمي المهرجان هم أعضاءُ جمعية إسرائيلية اسمها( زوخروت، ذكريات)!

حرَّضت، ميري ريغف وزير الدفاع، ليبرمان على إذاعة الجيش الإسرائيلي، يوم 20/7/2016 وطالبته بإيقاف دعم المحطة الإذاعية، لأن الإذاعة عرضت قصيدة، سجِّل أنا عربي، لمحمود درويش، فاستدعى ليبرمان مدير الإذاعة، يارون ديكل ووبخه وهدده، وشبَّه ليبرمان محمودَ درويش بهتلر!!

الغريب أن عددا من الصحف الإسرائيلية اليسارية تصدَّتْ لقول ليبرمان، واتهمته بالجهل والتعصب، وقالت صحيفة هارتس في افتتاحيتها يوم 22/7/2016 بأنه جاهل، ولا يعرف شيئا عن الشعر والأدب، ولم تُشر معظم صحف فلسطين إلى هذا الهجوم، أو تبرزه في أخبارها!!

ومن أشهر المكارثيين أيضا، وزير التعليم الحالي، نفتالي بينيت زعيم حزب الاستيطان، البيت اليهودي، أصدر قرارا بمنع طلاب المدارس من حضور مسرحية (في الوقت نفسه) التي مثَّلتها فرقة المسرح الحيفاوية، التي يديرها، عدنان طرابشة (فرقة مسرح الميدان) لأن المسرحية تحكي قصة سجين فلسطيني.

 أما مجموع المكارثيين في حكومة إسرائيل فقد نفذوا أبشع مجزرة في حق الوعي والثقافة وحرية الرأي والتعبير، وتمثَّل ذلك في إصدار قانون مراقبة مصادر تمويل الجمعيات اليسارية، ويشترط على كل جمعية تتلقى أكثر من نصف موازنتها، أن تنشر ذلك في الصحف، لإثبات خيانتها!!

وهذا لا ينطبق إلاّ على الجمعيات اليسارية التي تشجع حرية الرأي، وتتلقى الدعم من دول أوروبا، ولا ينطبق على الجمعيات اليمينية الاستيطانية التي تمولها الدولة أو تتلقى الدعم من أصحاب الملايين اليهود!!

وفي يوم 20/7/2016 أقرت الكنيست قانونا يسمح للكنيست بطرد أعضاء كنيست آخرين، بتهمة أنهم يحرضون على الإرهاب، أو يُعرِّضون أمن إسرائيل للخطر، وهذا أيضا لا ينطبق إلا على أعضاء الكنيست الفلسطينيين، أو اليساريين!!

 وها هو اليوم نتنياهو يصادر حرية الرأي، ويفرض سلطته لتأجيل الإعلان عن قيام سلطة البث الجديدة، تأكيدا على مشروع الحكومة اليمينية المتطرفة، الحكومة الإسرائيلية المكارثية، القامعة للثقافة، وحرية الرأي والتعبير.

 إنَّ إسرائيل ليستْ فقط آخر دولة احتلال، بل إنها عدو لدود للديمقراطية والحرية.