الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
خلطة كشري 'قصة قصيرة' ....بدوي الدقادوسي
خلطة كشري  'قصة قصيرة' ....بدوي الدقادوسي

  انتشلت نفسي من خضم النزاعات اليومية التي لا تنتهي بالمدرسة ؛ كتبت تفويضا للوكيل لينوب عني بالإدارة ؛ لم أنتظر قدومه ليجلس على مكتبي ؛ أرسلت العامل بالتفويض وخرجتُ مسرعا. بعين خبير انتقيت حبات الطماطم وأفضل ماركات الشعرية والمكرونة وأفخم أنواع العدس ؛ أَزِفَ موعد عودة الأولاد من مدارسهم ؛ هرولت والعرق يتفصد من كل جسدي ؛ مددت يدي أرفع بنطالي الذي أشرف على السقوط ؛ ارتطمت الأكياس بفخذي ؛ سقطت حبات الطماطم متناثرة في كل اتجاه على الأسفلت كدجاج جائع فُتِحَ له باب العشه ؛ جثوتُ على ركبتي ألتقطها ؛ أفقت على صوت مكابح سيارة ؛ أطلّ مراهق برأسه من شباك باب القيادة وهو يصيح: " بتعمل إيه يا مجنون هتموت نفسك!" أطل رفاقه من شباك الأبواب الخلفية ومعهم الجوالات يوثقون المشهد بتصويري وهم يصرخون ساخرين . استكملت طريقي بحماس عداء لم يفت ما حدث بعزيمته ؛ تذكرت المضادات الحيوية وخافض الحرارة لزوجتي طريحة الفراش ، وكأي قائد طائرة رابط الجأش مبتسم رغم اشتعال النار بأحد أجنحة طائرته ؛ سألت أولادي : ماذا أعد لكم على الغذاء غدا؟ أجمعوا: كشري مصري . قبلتُ التحدي ؛ عيون موقد الغاز جلها مشغول ؛ أراقب سير الطهو ويدي تنتقي ما خالط الأرز من شوائب ؛ أسرعت بوضعه على العين الأخيرة . صوب الخلاط انطلقت كي أصنع الصلصة وخلطة الكشري ؛ دق جرس الباب ؛ دلفوا صائحين : الغدا جاهز؟ - نعم ولن يطول انتظاركم بمجرد استبدال ملابسكم ستجدونه على المائدة ، تذكرت طريحة الفراش ؛ لابد أن أصنع لها شوربة خضار ؛ شرعت في توزيع المحتويات في الطبق كطاهٍ محترف . على المائدة يتأمل الأولاد الأطباق ؛ شفاههم مقلوبة وملاعقهم تتحرك بكسل . تذكرت الشوربة ؛ هرولت ؛ أطفأت الموقد وقد أشرفت على الجفاف من طول الغليان . عدتُ للمائدة ؛ الأطباق لم تمتد يد لها بسوء! الأولاد غير موجودين! صحتُ مناديا بانفعال ؛ أقبلوا ذابلين . قالت كبراهم: عفوا أبي عندي موعد للدرس وقد تأخرتُ عليه ؛ لابد أن أخرج حالا ، حدجني الأوسط ولم ينبس وعاد لغرفته ؛ صاح الصغير وهو يضرب بقدمه الأرض في انفعال: لماذا لم تطلب الكشري " دليفري" يا أبي ؟