السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
رنده الطيار وهمس الورد ....عبدالله العلمي
رنده الطيار وهمس الورد ....عبدالله العلمي

إطلعت بشغف على (همس الورد)، المجموعة الشعرية للكاتبة رنده الطيار، فوجدت الديوان إبداعاً فنياً مُمَيَّزاً يجمع باقات خواطر أنيقة وممتعة. من معرفتي بالكاتبة، تأكد لي حِسّها الفنّي المُرهف الذي يعبر عن خلجات النفس والروح والذاكرة.

لا يوجد نقد أدبي صائب وآخر خاطئ، لهذا لن أسعى لتأويل هذا العمل الأدبي أو تفسيره بما قد يشوبه من اختلاف في وجهات النظر. وجدت عنوان الديوان يحمل لفظين رقيقين، أما النصوص فهي مناجاة واسعة الخيال، تعبر عن حقيقة التقلب الغرامي لعشق جميل.

لأنها محاولتها الأولى، فالكاتبة تخوض معركة جريئة بثقة لا تستسلم لوجع أو حنين أو حسد أو عين. "علقت روحي معك على جدار القمر"؛ خواطر غزلية موزونة المعاني أضافت لها الكاتبة الطيار مفردات جامحة مغرية أشعلت كتمان الأحاسيس. نصوص الديوان عميقة التفكير قافيتها من (اوتار الهوى)، لاتسعى بالضرورة لإثارة الانفعال في نفوس القارئ، بل تعبر عن نبض الوجدان كما تنثرها الشاعرة برشاقة عفوية. الطيار وَظَفَت القصائد باسلوب دلالي للمعاني كسيدة حرف تفيض بها المشاعر من خلف الأسرار.

من الواضح أن إنتقاء مفردات جمالية الأسلوب مهمّة بالغة الصعوبة، إلا أن الكاتبة صالت بين جدرانها الشائكة وجالت بعفوية سهلة ممتنعة. لذلك، أكاد أستنتج أن هذا ليس مجرد ديوان شعر، بل نقوش مرهفة تعبر عن ثورة النفس التواقة للحب والحنين.

ترخي الطيار الخمارَ عن إحساس عميق من خلال نصوص معتدلة الوزن ومتسقة البناء، فتقول بكبرياء: (إبق لي قلبي)، وفي موقع آخر (لا تتأخر). هكذا، تصف الشاعرة كيف يظل العشق حلواً شامخاً فوق كل الجروح.

لم تلجأ الشاعرة للإستعارات البلاغيةِ التقليدية أو الحركات  المعلبة الجاهزة، بل كادت الأحرف تقفز برشاقةِ راقصة الباليه في انسياب جميل. ليس هناك أجمل من رسم الحرف وتشكيل الضمة في لوحة تمس شغاف القلب فتكاد تضيع (بين الصدى والسكون).

ديوان (همس الورد) يعكس مستوى عال من الناحيتين الموضوعية والفكرية. أكثر ما جذبني هو إضافة مسحة من الجمالية بتوظيف صور المتلازمات اللفظية بدلال عاشقة مَيَّاحة. ستجدون في (خمائل الفل) مثلاً الصدق في المشاعر والتعبير، وربما تراتيل عذبة تنساب بسلاسة عفوية. التفاعل مع الفكرة يطلق لخيالك العنان، بدون التصرف في مضمون النصّ الأصلي لإحتوائه على عاطفة حية جذابة وقوية.

من نصوص الديوان، (يظللني المساء)؛ ترانيم حجازية جميلة تستبيح قوانين التشديد والهمزة والتنوين، كأنها طفلة ثائرة داخلها بركان. كذلك جذبتني الصور الشعريَّة المُبتكرة بإنسياق فني راقِ تعبر عن صدق وعذوبة المشاعر وقدرات الشاعرة الأدبية والفنية. التعامل مع الصّيغ الثابتة للمشاعر فن أدبي لا يتقنه إلآ من كان لديه روح عاطفية، وبلاغة واسعة وحس عميق.

بإختصار، هذه المجموعة الشعرية ليست مجرد شعر غزل، بل فوعة طيبٍ تعكس (كالرمل الموجوع) البُعدَ الإنساني للشاعرة من "حكي داخله حكي". السيدة رندة لم تتحكم بزمام لغة لا تخون فقط، بل كتبت بأحاسيسها ومشاعرها بهمسة غزل رشيق.

أنصح بقراءة (همس الورد)، ولكن إن كنتَ عاشقاً فأنا غير مسؤول أن تظل ناسكاً في محراب ديوان رنده، أو أن تصبح في "بحور" قصائدها غريق.



Twitter @AbdullaAlami
Instagram abdulla.alami