الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مؤتمر السفراء الفلسطينيين في المنامة: مفارقة تحتاج إلى تفسير....م. زهير الشاعر
مؤتمر السفراء الفلسطينيين في المنامة: مفارقة تحتاج إلى تفسير....م. زهير الشاعر

 في العاشر من الشهر الحالي ستستضيف العاصمة البحرينية الجميلة المنامة مؤتمراً للسفراء الفلسطينيين العاملين في الدول العربية والإسلامية فقط وذلك بناءاً على رغبة الجانب البحريني الذي اعتذر عن استضافة جميع السفراء الفلسطينيين في العالم، وقد جرت العادة بأن تستضيف إحدى العواصم الدولية حسب نشاط السفير الفلسطيني فيها الذي يستطيع أن يحصل على موافقة الدولة المضيفة بتغطية تكاليف مثل هذه المؤتمرات، علماً بأنه في الحالة البحرينية سيتم تغطية الإقامة والطعام والتنقل الداخلي فقط، وستتكلف خزينة السلطة الفلسطينية المتمثلة بالصندوق القومي الفلسطيني أعباء تذاكر السفر في الوقت الذي يتم فيه إنكار حقوق الآخرين على عينك يا تاجر!.

سيجتمع سفراء فلسطين في مؤتمرٍ غالباً ما يوصف بأنه مؤتمرٌ ترفيهي وملتقى حواري وتخليص لطلبات السفراء الذين يحضرون وكل واحد منهم يحضر همومه ومتطلباته المادية معه في الوقت الذي لا تسعفه ثقافته المهنية بأن يحمل أي منهم فكرة مهنية ذات بعد سياسي استراتيجي تهتم بالشأن الوطني، وكما قال أحد السفراء الفلسطينيين الذين نظموا مثل هذه المؤتمرات سابقاً، بأنه لم يتبقى لهؤلاء السفراء إلا أن يجلب كل سفير منهم صديقته معه حتى يستكمل فترة نقاهته المدفوعة مقدماً من جيوب حكومات وشعوب تلك الدول.

هذا الأمر بلا أدنى شك يزيد الأعباء على الصندوق القومي الفلسطيني الذي يعتبر هو المؤسسة الوحيدة الباقية من مؤسسات منظمات التحرير الفلسطينية ذات الطابع المهني الذي نستطيع تجاوزاً وتعاطفاً مع موظفيه المخلصين بأن نقول بأنه الأكثر مهنية وتنظيماً بالرغم من التجاوزات للبعض المتنفذ التي سنتناولها لاحقاً في سلسلة مقالات تحت عنوان ملفات غائبة!.

من الجدير ذكره أن مثل هذا المؤتمر قد عُقِدَ من قبل في العاصمة التركية أنقرة وبعدها في العاصمة الفنزويلية كاراكاس كون أن الدولتين هما صديقتين للشعب الفلسطيني وكانتا قد تبرعتا بتكاليف تلك المؤتمرات كاملة ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مؤتمر أنقرة شمل كل سفراء فلسطين في العالم، أما مؤتمر كاراكاس كان قد شمل سفراء فلسطين في الأمريكيتين فقط.

لكن يحسب لتلك الدولتين الصديقتين بأنهما حرصتا كل الحرص على توفير الدعم الكامل للقضية الفلسطينية بشقيها الرسمي والشعبي لا بل دائما ما تبادرا على تقديم الدعم المالي والمعنوي، ولم يخرج يوماً من عاصمتي الدولتين أي تصريحات تبخس من أهمية الصمود الوطني أو تنفي الأحقية الوطنية كما حصل في حالة مملكة البحرين الشقيقة حينما عبر ولي عهد سلمان بن حمد آل خليفة، عن أن لدى بلاده خطة لحل الصراع العربي الإسرائيلي، تعتمد على الاستعداد لبناء جزيرة اصطناعية في المياه الدولية حتى تتمكن بلاده من استقبال الفلسطينيين هناك، والأمر بات فقط يتعلق بتحديد موقع البلد الجديد الخاص بهم ليكون حسب المقترح المطروح بمسافة 200 ميل بحري عن المناطق الاقتصادية الخالصة للدول الأخرى ، حيث أن إسرائيل تتمتع بالحق الإلهي بهذه الأرض لذلك فهو يتكرم حسب الصحيفة الذاكرة للخبر بهذا العرض وهذه المبادرة من أجل أن تفعل بلاده شيئا لوضع حد لإخوانهم الفلسطينيين!.

تصريح غير مسبوق من أشقاء عرب لم يتم الكشف عن ظروفه أو نفيه ، ولم يتم صدور أي تفسير لأبعاده، ومع ذلك لم يصدر أي موقف رسمي من الجانب الفلسطيني تعقيباً على هذه التصريحات وكأن الحالة الفلسطينية باتت تعيش حالة من الغيبوبة في غرفة الإنعاش السياسي لا حول لها ولا قوة، ولا تجرؤ أو تستطيع حتى أن ترفع مذكرة مهنية للاستفسار أو الاحتجاج أو حتى الإعلان عن إلغاء مؤتمر ترفيهي للسفراء الفلسطينيين لا حاجة له من الأساس كتعبير عن الغضب أو الامتعاض من مثل هذا التصريح إن تم التأكد من صحته.

في تقديري أن الشقيقة البحرين لا يمكنها أن توازن بين موقفين متناقضين ، موقف داعم للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني العادلة وتدعم انعقاد مؤتمر السفراء الفلسطينيين على أراضيها من جهة ، ومن جهة أخرى اتخاذ موقف آخر يدعو لنفي أهلها ونكران حقهم في أرضهم، هذا تناقض لا يمكن فهمه كونه لا يتلاقى أبداً مع توجهات ملك البحرين الذي يحظى بالاحترام والتقدير وهو صاحب مكانة رفيعة عند القيادات الفلسطينية وبين صفوف أبناء الشعب الفلسطيني، ولا تتماشى أيضاً مع ثقافة البحرين الشقيقة والكريمة حكومةً وشعباً .

من هنا لابد من الإشارة إلى أن الأهم من ذلك هو أهمية التأمل في الموقف الفلسطيني الرسمي الذي يتوجب عليه بأن يكون أكثر وضوحاً تجاه مثل هذه التصريحات الشاذة وغير الواقعية والتي لا تناسب أي منطق ، حتى لا تتكرر مستقبلاً من أي جهة أخرى أي كانت ، وذلك من خلال الإعلان عن الاعتذار عن انعقاد هذا المؤتمر في العاصمة البحرينية المنامة لحين يتم توضيح أبعاد تلك التصريحات ومدى صحتها خاصةً أنها نُسِبت للأشقاء، حيث أنه من الوارد أن تكون قد حُرِفَت أو خرجت عن سياقها الصحيح أو تحمل تناقضاً تاماً مع ما قاله ولي العهد البحريني كون أن البحرين قيادة وحكومة وشعباً هم الأشقاء أصحاب المواقف الكريمة الذين يدركون بأنه لا يجوز أن تخرج مثل هذه التصريحات لأي سبب من الأسباب كونها تدعو لنفي شعب مظلوم ومشرد من أرضه إلى أراضٍ مصطنعة من خلال فكرة تحتقر وجوده وتُقَزِم من قيمة صموده وتنفي عنه حقه في أرضه.

من الجدير ذكره أن القيادة الفلسطينية لا تترك فرصة إلا وتشيد فيها بالجهود الكبيرة التي تبذلها مملكة البحرين بقيادة الملك حمد بن عيسي آل خليفة لدعم القضية الفلسطينية في جميع المحافل الإقليمية والدولية، وتعبر عن بالغ التقدير والاحترام الذي تحظى به الدبلوماسية البحرينية على المستويين الإقليمي والدولي.

لذلك إن ضرورة البحث في صحة هذا الأمر هي مُلِحَة ، كونه مرفوض بالمطلق جملة وتفصيلا بسبب أنه لا يجلب حلولاً منطقية بل يخلق ويعمق أزمات إقليمية ودولية ويفتح الباب على مصراعيه أمام المزيد من العنف والتطرف.

لذلك فإن الفكرة الخلاقة الوحيدة التي تجد مساراً منطقياً في هذه الظروف الحرجة ، هي التي تأتي من بوابة العدالة التي تبني مواقف منصفة مبنية على العدل وتهدف إلى صناعة الأمل بأن هناك فرصة للتعايش والسلام بين شعوب المنطقة وتنعش حالة الأمل من جديد أمام الأجيال القادمة التي من حقها أن تبني وتبدع وتؤمن مستقبلها بأمن وأمان وسلام في منطقة يجب أن تكون مزدهرة عنوانها ترسيخ لغة التعايش والسلام.

كاتب ومحلل سياسي

[email protected]