السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
هل هناك سياسة فرنسية معادية للعرب !؟'حالة المناضل جورج ابراهيم عبد الله مثالا'...بقلم: محمد النوباني
هل هناك سياسة فرنسية معادية للعرب !؟'حالة المناضل جورج ابراهيم عبد الله مثالا'...بقلم: محمد النوباني

لعل من الامور التي كانت تحرج بعض السياسيين الفرنسيين , كما يقول وزير خارجية فرنسا الاسبق ألان جوبيه ان العرب كانوا في كل مناسبة يعتبرون ان الدولة الفرنسية مساندة للحقوق العربية , رغم ان الامر في الواقع ليس كذلك على الاطلاق لان هنالك سياسة خارجية لذلك البلد قدتبدو احيانا مؤيدة للجانب العربي واحيانا قد تبدو غير مؤيدة حيث ان المصالح هي التي تحدد اتجاه السياسة ومضامينها على حد تعبيره وهو محق في ذلك .

ولكن ما لم يقله ألان جوبيه بطبيعة الحال ان فرنسا لم تكن في يوم من الايام وعلى مدار التاريخ الاستعماري القديم والحديث مؤيدة للقضايا العربية بقدر ما كانت معادية حتى نخاع العظم لقضايانا ومؤيدة وبالمطلق للسياسات لاسرائيلية منذ قيام اسرائيل عام 1948 , الا في ذهن بعض السياسيين العرب الموالين للغرب او المثقفين الذين تم شراءهم عن طريق الرشاوي المالية او بواسطة الجهات الاستخبارية التي عملت تحت عناوين مختلفة ابرزها المنظمات غير الحكومية " الانجيووز " .

ففرنسا الصديقة هذه هي التي قتلت اكثر من مليون ونصف مليون جزائري خلال احتلالها للجزائر الذي دام 130 عاما وهي التي اجرت تجاربها في الصحراء الجزائرية الامر الذي ادى الى موت الكثير من الجزائريين بمرض السرطان حتى يومنا هذا , وهي تتحمل جزء من المسؤولية الى جانب بريطانيا عن تقسيم الوطن العربي الى دويلات مجزاة وخاضعة لاحتلال طويل ازهق الكثير من ارواح العرب واحتجز تطورهم لانها هي التي وقعت مع بريطانيا في عام 1916 معاهدة سايكس بيكو التي ادت فيما ادت اليه الى اقامة اسرائيل وتشريد الشعب الفلسطيني عن وطنه ناهيك عن ان فرنسا تلك هي التي انشأت البرنامج النووي الاسرائيلي واقامت مفاعل ديمونا الذي تمكنت اسرائيل بفضله من التحول الى دولة نووية باتت تمتلك وفق بعض التقديرات قرابة 500 رأس نووي من دون ان ننسى دورها الى جانب بريطانيا واسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 , ناهيك عن ان طائرات "الميراج " التي زودت بها باريس اسرائيل هي التي دمرت سلاح الطيران المصري في حرب الخامس من حزيران عام 1967 .

ولم تكتف فرنسا الصديقة لبعض العربان بكل ما فعلته , فلعبت دورا بارزا في عام 1991 وعام 2003 في تدمير واحتلال العراق , وكذلك لعبت الدور الابرز في العدوان الاطلسي على ليبيا في العام 2011 مما ادى الى الاطاحة بنظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي وقتل اعداد غفيرة من ابناء شعبها واغراقها في اتون حرب اهلية مدمرة ادت الى تجزاتها وتهجير نصف سكانها الى الخارج , ناهيك عن الدور الذي لعبته في تفجير الثورة المضادة في سوريا وغير ذالك الكثير . وقد لاحظنا بام الاعين ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قد تبنى الموقف الاسرائيلي ازاء ما اسماه بوجوب وقف تعاظم قوة حزب الله اللبناني عندما استقبل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل عدة ايام في باريس مما يؤكد ان فرنسا الرسمية هي اكثر من حليف استراتيجي لاسرائيل . ولكن الاخطر من كل ذلك ان فرنسا التي تعتبر نفسها واحة للديمقراطية وحقوق الانسان وبلد الثورة الفرنسية الكبرى التي رفعت شعار الحرية والاخاء والمساواه وموطن القديسة والبطلة القومية " جان دارك" التي اعدمها الانجليز وهي في التاسعة عشرة من عمرها عام 1431 بسبب مواقفها الثورية الملهمة للفرنسيين في حرب المائة عام , مباح فيها ان تنتقد كل شيء وتتطاول على كل شيء بما في ذلك شتم الانبياء والرسل مثل محمد بن عبد الله عليه افضل الصلاة وعيسى بن مريم عليه السلام تحت عنوان الحرية الشخصية فيما يصبح الانتقاد من المحرمات التي يعاقب عليها القانون اذا تجرأ احد ما انتقاد سياسة اسرائيل ازاء الشعب الفلسطيني او شكك في الرواية الصهيونية حول المحرقة "الهولوكوست" .

فبموجب قانون "جيسو فابيو " الذي اقره البرلمان الفرنسي في 13 تموز يونيو عام 1990 يمنع السماح بانتقاد السياسة الاسرائيلية حيث قدم الى المحاكمة لانه تجرأ على فعل ذلك الفيلسوف الفرنسي الذي اعتنق الاسلام "روجيه جارودي" او "رجاء جارودي " لانه اصدر بيانا في اعقاب الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 انتقد فيه المجازر التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني , اتبعه باصدار كتابه الرائع " الاساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية " الذي دحض فيه الاساطير التي قامت عليها اسرائيل من منطلقات علمية , واكد بان النصوص التوراتية او اضطهاد هتلر لليهود لا يمكن ان يبررا سرقة اراضي فلسطينية واقتلاع سكانها كما انه لا يمكن ان يبرر الخطة الاسرائيلية الرامية الى تفكيك اواصر الدول الغربية وتفريغها . ان قانون" جيسو فابيو " يعتبر اعادة النظر في تاريخ اليهود , اي التشكيك في الرواية الصهيونية حول اسباب انشاء اسرائيل وما يسمى بالمحرقة هما جريمة ضد الانسانية ولهذا فقد قدم جارودي للمحاكمة ليس لانه معاد للسامية كما ادعت جمعية "ايكرا " اليهودية التي قادت الحرب عليه ونجحت بتقديمه الى المحاكمة بموجب ذلك القانون بل لانه اثبت زيف الرواية التي قامت عليها دولة اسرائيل
من هذا المنطلق فلا غرابة على الاطلاق في ان تواصل السلطات الفرنسية احتجاز المناضل العربي جورج ابراهيم عبد لله منذ العام 1984 في سجونها رغم صدور قرار قضائي فرنسي باطلاق سراحه منذ العام 2013 بناءا على طلب امريكي لان جورج بالنسبة لهم اخطر من جارودي لانه حاول المواجهة بالممارسة الثورية وليس بالنشاط النظري والفكري فقط , وبالتالي يجب ان يكون مصيره الموت في السجن لكي لا يفكرن احد بعده بملاحقة الصهاينة وحمايتهم اينما تواجدوا واينما حلوا . بناءا على ذلك فانه يمكن القول وبالفم الملآن أنه يوجد سياسة فرنسية رسمية معادية للعرب ومؤيدة بالمطلق للسياسات اسرائيلية , رغم وجود جزء لا يستهان به من الرأي العام الفرنسي ومن مؤسسات المجتمع المدني الفرنسية تؤيد القضية الفلسطينية والقضايا العربية . وبهذا المعنى فانني ادرك بان قضية المطالبة باطلاق سراح جورج عبد الله في هذا الزمن العربي الرديء ليست قضية سهلة لانها بحاجة الى ما هو اكثر من تشكيل لجان شعبية عربية , كتلك الموجودة في لبنان , رغم اهمية تلك اللجان .
وقد يكون من المجدي في هذا الصدد مناشدة الرئيس اللبناني المحترم ميشيل عون بتبني قضية جورج ومطالبة الرئيس الفرنسي " ايمانويل ماكرون" باطلاق سراحه لانه لا يوجد اي مسوغ قانوني او اخلاقي يبرر اعتقاله بعد ان اصدرت محكمة فرنسية امرا باطلاق سراحه , ويجب احترام قرارات القضاء