الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مسرحية جديدة : وعد جنسون بدلاً من وعد بلفور !...م . زهير الشاعر
مسرحية جديدة : وعد جنسون بدلاً من وعد بلفور !...م . زهير الشاعر

في فصل جديد من فصول المسرحية العبثية التي تُدَار بدون كللٍ ولا ملل ، انتقد وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، خلال لقائه وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط والتنمية الدولية اليستر بيرت، في مقر الوزارة بمدينة رام الله، اليوم الثلاثاء، التحضيرات لإحياء وعد بلفور الذي يمثل التراجيديا الفلسطينية،  حيث عبر عن هذا الاحتفال بمثل هذا الوعد ، ويعتبر احتفالا بمرور مئة عام على عذابات وآهات الشعب الفلسطيني ، متجاهلاً بذلك وبوقاحةٍ بأنه أحد أدوات القهر الشهيرة التي تتسبب في المزيد من تعميق العذابات والأوجاع والآلام لهذا الشعب المكلوم وأبنائه وأطفاله ونسائه إستكمالاً للكارثة التي تسبب بها هذا الوعد المشؤوم.

كيف لا، وهو من رقص قبل أيام عدة وهو يعلن عن إرساله شحنات طبية لجمهورية فنزويلا نتيجة الظروف الأمنية اتي تواجهها ، في الوقت الذي تمنع فيه منظومته بسادية منقطعة النظير الحد الأدنى من العلاجات المطلوبة لأطفال ونساء قطاع غزة ، وكأن آلامهم وأوجاعهم هي  آلام حيوانات لقيطة ليس لها حقوق إنسانية ولا تستحق الأولوية في الرعاية الطبية وغيرها.

الملفت، أن المالكي طالب الوزير البريطاني أيستر بيرت بإعطاء وعد للفلسطينيين يسمى وعد جونسون عبر اعترافه بدولة فلسطين ، وهذا يمثل نوع جديد من الفهولة المالكية ، حيث أنه يدرك مسبقاً وعن يقين ومن خلال التقارير الدبلوماسية التي تصله بخصوص هذا الشأن،  بأن كلامه هذا مجرد كلام إنشائي وإستعراضي للإتسهلاك المحلي لا يتوافق مع الظروف القائمة ولا يحظى بأي حظوظ لإمكانية تنفيذه في ظل الوضع الإقليمي والقائم، والحالة الفلسطينية المتشرذمة التي لم تعد ترضي لا عدو ولا حبيب ، والأجدر به الإلتفات إليها  والعمل على طرح حلول منطقية لها بدلاً من الإستمرار بالمتاجرة بها!.

من المعلوم أن سقف الحديث في السابق حول هذا الأمر كان عالياً جداً إن أخذنا بعين الإعتبار الوضع المهلهل للسلطة الفلسطينية،  حيث استدعى وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي كل من ممثليه في المنظمات الدولية في كل من نيويورك وجنيف د . رياض منصور ود . إبراهيم خريشة ليتشاور معهما بخصوص الإجراءات القانونية والخطوات التي يتوجب اتخاذها للتقدم بشكوى إلى محكمة الجنايات الدولية ضد بريطانيا والخطوات الكفيلة لتحقيق ذلك وخاصة من ناحية ضمان الزخم الإعلامي الذي يتوجب أن يرافق هذه الخطوة حتى يضمن اهتمام الشارع الفلسطيني وإعطائه حقنة تخدير أخرى في ظل التحديات القائمة لكسب المزيد من الوقت في حياة المنظومة الحاكمة.

لذلك عندما فندنا أكذوبة التوجه لمحكمة الجنايات الدولية وبأن الوزير المالكي لم يجرؤ على التقدم بطلب واحد للتحقيق من قبل،  وتبين صحة كلامنا كاملاً حول هذه النقطة ومجمل النقاط الأخرى، وأن هذه المحكمة لا يمكن لها أن تنظر في قضايا تمت قبل تأسيسها في عام 2002، لذلك  بعد أن شعروا في وزارة الخارجية الفلسطينية بالحرج والفضحية المهنية ولا أريد أن أشرح حيثيات ذلك في هذا المقام ، غيروا كلامهم  وإستفادوا صاغرين من ملاحظتي تلك في ذلك الوقت، وبدأوا يتحدثون عن أنهم سيحاكمون المملكة المتحدة في المحاكم البريطانية!.

هنا لابد من الإشارة إلى أنهم حاولوا منذ ذاك الحين إسترضائنا بالغش والفهلوة والخداع لإستمالتنا وضمان صمتنا من خلال أكذوبةٍ ظنوا بأنها ستمر علينا مر الكرام وتضمن لهم سكوتاً مريحاً، ولكن الأيام أثبتت لهم بأن قلمنا ليس مأجوراً لا لهم ولا لغيرهم ونقول الحقيقة كما هي بدون أن نرتعش من أحد أو نحسب حساب لأحد منهم،  لا بل إزدادت قوة كلماتنا لتعري كل من تسول له نفسه منهم بأنه بمقدوره المتاجرة بآلام وأحلام وتطلعات شعبنا، وذلك بكل جرأة وشفافية ومصداقية،  واضعين نصب أعيننا صحوة الضمير ومخافة الله التي ستهزم بدون أدنى شك همجيتهم وغدرهم، ولذلك قررنا المضي قدماً حتى لو علقوا لنا المشانق أو مارسوا ضدنا بقذارة وسادية منقطعة النظير لعبة الموت الصامت !.

 لذلك سألناهم في السابق، كيف لسلطة فلسطينية تعتاش على ما تقدمه بريطانيا كدولة عظمى وهي إحدى الدول المانحة المهمة والرئيسية ، ولها من النفوذ والقوة والتأثير على القانون الدولي كغيرها، من منح مادية وعينية وقانونية وتدريب أجهزة أمنية،  أن تتجرأ على أن تقدم شكوى قانونية ضدها ؟!.

إن كانت رسالة بريطانيا العظمى وهي الدولة الصديقة للشعب الفلسطيني،  في عدم منح السفير الفلسطيني معن عريقات الذي كان مرشحاً للعمل لديها،  صفة سفير أو فيزا دبلوماسية،  قد أربكت السلطة الفلسطينية وجعلتها في حالة تخبط وهوس وغضب شديد في حينه ، وهذه كانت في حينه مجرد وخزة فقط! ، فما بالنا لو قررت بريطانيا أن تفتح المجال لمحاكمها لتلقي شكاوي ودعاوي جنائية ضد السلطة الفلسطينية عما لحق بأبناء قطاع غزة من أذى جسدي ومعنوي ونفسي أدى إلى آلام وأوجاع جمى وإلى حالات موت كثيرة أقلها تعتبر في القانون الدولي جرائم إنسانية؟!.

هنا لا أفهم كيف لوزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أن يبقى يدور في حلقة هذا الوهم وهو يدرك بأن تكرار طلب السلطة لهذا الأمر حتى لو كان بأوجه متعددة جعلها في موضع سخرية!، ويدلل على أنها تعيش حالة من الإفلاس السياسي والتخبط بهدف إستهلاك ومضيعة الوقت وضمان إستمرارها في الحكم فقط لا غير، حيث أنها لم تعد تملك أي خطة دبلوماسية منطقية وعملية وواضحة، وبالتالي تقفز من ملفٍ إلى أخر بمسميات مختلفة بدون تحقيق أي نتائج تذكر ، جميعها غير واقعية وغير ممكنة وتسير فقط في فلك الأوهام  والأمنيات والأحلام على أحسن تقدير إن لم تكن مبرمجة وهادفة لأهداف خبيثة وغير وطنية ولا تخدم الصالح العام وذلك بعناية فائقة !.

فعلى سبيل المثال لا الحصر في سياق المهزلة التي تقوم بها السلطة الفلسطينية ، هناك إتصال مع مكتبين محاماة معروفين في بريطانيا لمتابعة هذا الأمر بدون توضيح الآلية التي يتوجب إتباعها من جهة أو حتى إشراك كليهما في الأمر ، حيث تشير المعلومات المؤكدة بأن كل مكتب يعمل بمفرده بدون معرفة اي طرف منهما بأن هناك مكتب آخر مكلف من السلطة بمتابعة نفس القضية وهذا في حد ذاته مثير للشبهات ومثير لأمور أخرى؟!.

السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هو ، إن كانت بريطانيا العظمى تدفع حصتها بالكامل كدولة مانحة ملتزمة أكثر من كثير من الدول العربية، والتي تقارب 500 مليون جنيه أسترليني موزعة على خمس سنوات، وذلك على برامج مختلفة كمنحة لتطوير إحتياجات الشعب الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة، بالمقابل هناك مصالح تجارية وتكنولوجية وعسكرية وأمنية مع إسرائيل تترواح قيمتها  4.5 مليار دولار سنوياً ، هل من المعقول أن تترك بريطانيا مصالحها مع إسرائيل على قارعة الطريق من أجل خزعبلات رياض المالكي غير المدروسة وغير الواقعية بين الحين والآخر؟!.

لذلك وبك ووضوح ، بات المطلوب اليوم وبطريقة شجاعة أن يتقدم وزير الخارجية الفلسطيني بإستقالته للرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد هذه اللطمات الدبلوماسية المدوية حتى يتم التخلص بشكل نهائي من هذا العبئ المهني العقيم وإفساح المجال أمام أصحاب قدرات مرنة بالتطور وواقعية ، وذلك بهدف تطوير الخطاب والعمل الدبلوماسي الفلسطيني ، بما يمكنه من أن يحاكي التحديات الكبيرة التي باتت تواجه القضية الفلسطينية برمتها!.