الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
ناصر اللحام : كفى تسحيج، والهروب بات حتمياً!...م. زهير الشاعر
ناصر اللحام : كفى تسحيج، والهروب بات حتمياً!...م. زهير الشاعر

شاهدت أحد حلقات برنامج حصاد اليوم مع الإعلامي د. ناصر اللحام التي تم إذاعتها يوم 12 أغسطس 2017 ، الذي تبثه وكالة معاً الإخبارية ، وحقيقة توقفت عند عدة نقاط في غاية الأهمية،  وجدت فيها مادة حيوية لكتابة مقال توضيحي حولها خاصة أن ما جاء في هذا اللقاء لم يكن في تقديري بريئاً أبداً لا بل كان ملغوماً بالكثير من القنابل الموجهة التي كانت تهدف بلا أدنى شك إلى تهيئة الرأي العام الفلسطيني إلى قبول فكرة الانفصال بين شطري الوطن وانضمام الضفة الفلسطينية إلى الأردن،  في سياق الرغبة بعدم إعطاء الفرصة لإمكانية أن تشهد السلطة الفلسطينية وحدة وطنية ويرأسها شخصية من غزة أو أي شخصية فلسطينية لا تتبنى إستمرار الوضع القائم بصورته الحالية، وهذا الأمر يحتاج بالفعل إلى ضبط معايير لكي لا تمر مر الكرام على المواطن الفلسطيني.

لن أدخل في سجال حول فلسفة ناصر اللحام في عرضه للأحداث كإعلامي محترف وخاصة حول المفاجئات التي وعدنا بها مؤخراً، وتقييمه للواقع حسب ما تمليه عليه المعطيات المتاحة أمام،  حيث أنه بلا شك يحظى بفرصة الاطلاع أفضل من غيره على ما يدور في كواليس المطبخ السياسي الفلسطيني، وهذا ما دفعني للتوقف عند كل كلمة ذكرها في هذا اللقاء ، خاصة فيما يتعلق بالتوجه لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني وتطور العلاقات ما بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية.

اللحام في هذا اللقاء طالب بأن يكون هناك برنامج سياسي جديد لمنظمة التحرير الفلسطينية يتمخض عن هذا الاجتماع المنشود، لكي يستند إليه الرئيس محمود عباس في توجهاته السياسية القادمة مُثَبِتاً بذلك بقصدٍ أو بغير قصد أن الأخير هو الشرعية الوحيدة والأبدية ولم ولن يوجد غيرها شرعية أخرى!، ومعتبراً أن ذلك هو الحل الأمثل للحفاظ على ما تبقى من أوراق في يد القيادة السياسية الفلسطينية، وذلك للمناورة السياسية المستقبلية، وأن خطوة انعقاد المجلس الوطني في رام الله وربطها من خلال الفيديو كونفرنس مع بقية الأعضاء الذين لن تتاح لهم الفرصة بالحضور إلى رام الله وذلك للمشاركة في إخراج البرنامج السياسي الجديد وانتخاب أعضاء جدد ولجنة تنفيذية جديدة  بنفس طريقة السيناريو الذي تم من خلال مسرحية المؤتمر السابع لحركة فتح الذي انعقد في رام الله في شهر نوفمبر 2016 ، هو أمر مهم وخطوة في الاتجاه الصحيح من وجهة نظره، وهذا حقه بالتأكيد!.

لكن من المعلوم أن الفصائل الفلسطينية الرئيسية والصغيرة لن تحضر هذا الاجتماع وبالتالي فإن شرعيته باتت محل تساؤل، والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه في هذه الحالة  ولم يجبنا عليه اللحام ، وهو لماذا اللهاث وراء فكرة إنعقاد هذا المجلس بهذه الطريقة بالرغم من عدم ضمان حضور جميع أعضائه الأحياء، كما أن هناك اعتراضات كبيرة على عقده في رام الله عوضاً عن عدد لا بأس به من الجهلاء طامعين بالحصول على عضويته؟.

في الحقيقة أن ناصر اللحام لم يوضح للمواطن الفلسطيني العادي حقيقة ذلك ، كما أنه لم يتطرق لأبعاد انعقاد هذا المجلس في رام الله المحتلة ، فهل كان ذلك عن عمد أم أنه ليس على علمٍ حقيقي بأهداف ذلك ؟ .

الملفت للنظر،  أن ناصر اللحام طالب القيادة الفلسطينية في هذا الوقت الضيق المفترض بأنه متبقي أمام انعقاد جلسة المجلس الوطني الفلسطيني إن تمت بالفعل! ، بالتشاور مع الدول الصديقة للشعب الفلسطيني كما وصفها ومنها كوريا  (لم يحدد اي منهما، الشمالية أم الجنوبية، كي يحترم عقول المشاهدين على الأقل) ، سوريا (لم يحدد آلية ذلك في ظل المشاكل السياسية والأمنية التي تفترس إستقرارها)، تركيا وكاراكاس  (كان يقصد هنا فنزويلا التي على ما يبدو بات قلبه يعشقها ولكنه تناسى المشاكل الأمنية التي تعصف بها!)، كعباقرة سياسة في العالم ، وذلك حول البرنامج السياسي الذي يتوجب على المجلس الوطني تبنيه، وهو الذي يعتبره سيد نفسه، وذلك بما يتناسب مع التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية وغياب الأفق السياسي المتعلق بحل الدولتين أو الدولة الواحدة أو حتى الحكم الذاتي كما أشار!.

هنا كنت أتمنى على ناصر اللحام أن لا يمارس عملية تظليل وخداع للرأي العام بهذا الشكل المفضوح ، وأن يطرح الأمور بمسمياتها بخصوص الجزئية المتعلقة بأبعاد انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في رام الله بالتحديد، وخاصة فيما يتعلق بإنعقاده  بمن حضر وماذا يعني ذلك؟!، وأن الغاية منه هو تجاوز معضلة من سيكون الرئيس المؤقت للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية في حال توفي الرئيس الفلسطيني محمود عباس أو غاب عن المشهد السياسي الفلسطيني لأي سبب كان، وبالتالي انتخاب رئيس مجلس وطني جديد على أن لا يكون من أصول غزاوية بالتحديد لضمان استمرار السيطرة على مقدرات منظمة التحرير الفلسطينية وهذا هو مربط الفرس!.

أيضاً كنت أتمنى عليه أن يطرح بوضوح وشفافية وشجاعة أن ما وراء فكرة انعقاد المجلس الوطني بهذا الشكل وفي ظل هذه الظرو،  بمن حضر، هو لضمان تعبئة الفراغات بكوادر موالية للفريق الحاكم، وذلك من أجل تقوية النفوذ وضمان استمرار السيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية لصالح الفريق الذي يقود المشهد الحالي من جهة، وإدخال شخصية من ضمن أعضاء هذا الفريق الذي يعتبر هو صاحب السلطة والقرار والنفوذ حالياً،  وذلك إلى عضوية اللجنة التنفيذية، حتي تصبح هذه الشخصية مؤهلةً بشكل شرعي كامل حسب ما ينص عليه الباب الخامس من النظام والقانون المعمول به في منظمة التحرير الفلسطينية الذي لا يجيز عملياً لمدير عام الصندوق القومي الصلاحيات التي يتمتع بها الآن وهي الصلاحيات المخولة إلى رئيس مجلس إدارة الصندوق القومي الذي  يتوجب عليه أن يكون عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهذا هو سبب الصراع الخفي القائم حول هذه الصلاحيات!، وذلك لتحل هذه الشخصية محل أبو زهدي النشاشيبي غير المقتدر صحياً وذلك برئاسة مجلس إدارة الصندوق القومي الفلسطيني، وبالتالي تحويل كل مقدرات هذا الصندوق لسيطرة وزارة المالية الفلسطينية مستقبلاً وما سيترتب على ذلك بخصوص ملف اللاجئين الفلسطينيين بالتحديد !.

أما بالنسبة لملف قطاع غزة ، فما تفضل به ناصر اللحام حول المشاكل المستعصية التي لن تتيح لأحد الفرصة لمعالجتها وكأن قطاع غزة أصبح عالة على العالم أجمع ، وبأن هناك استحالة لحلها، بدون أن يتطرق اللحام لمسبباتها بشجاعة وشفافية ، هو أمر بالفعل مستفز للغاية ، ويحتاج إلى توضيح وإداركٍ قبل التطرق إليه بهذه الخفة والإستخفاف، خاصةً أن غزة وأهلها قادرين على حل مشاكلهم بدون الحاجة إلى اللجوء لأموال من هذا أو ذاك إذا رُفِعَ عنهم الحصار الهمجي الذي تفرضه منظومة رام الله!، وكان الأحرى به أن يعترف بأن هذه المنظومة الرسمية وهي غير شرعية هي التي لم تتعاطى مع قطاع غزة بطريقة إنسانية متوازنة، وأنها لا زالت سبباً مباشراً بكل ما أصاب قطاع غزة وأهله منفقرٍ ومصائب ونكبات .

لذلك ، هذا لا يعني بأي حالٍ من الأحوال بأنه كان على أهل قطاع غزة أن يستسلموا لهذا الواقع البائس الناجم عن هذه الهمجية السلوكية التي لن يغفرها التاريخ أبداً ، هذا الواقع الذي يرتقي إلى جرائم إنسانية يحاسب عليها القانون الدولي، بل كان عليهم لزاماً أن يقاوموه ويسلكوا الطريق البديل بكل صلابة وبدون النظر لأي اثار سلبية قد تنجم عن ذلك وتمس المشروع الوطني بأكمله كونهم أنهم ليسوا السبب في ذلك.

كما يبدو بأن ناصر اللحام كان يتجاهل عن عمد حقيقة واضحة وهي بأن الذي لا يريد فتح المعابر ورفع الحصار عن قطاع غزة هي قيادة رام الله بالدرجة الأولى وبوقاحة وعنصرية وهمجية منقطعة النظير ، وبأنه فور فتح معبر رفح البري وفتح المعابر ما بين قطاع غزة وإسرائيل سيكون هناك تطوير للحركة التجارية والاقتصادية والإعمارية والمالية والتكنولوجية ضمن المعايير الدولية وإلتزاماً بها وهذا ليس مستحيلاً أبداً، وأهل قطاع غزة لديهم من القدرة الكافية على البدء بالعمل على تحقيق ذلك فوراً،  مما سيؤدي بشكل طبيعي ودراماتيكي لحالة رخاء وازدهار ستبنيه ايادي أبناء قطاع غزة، ليستبدلوا بذلك اليأس بالأمل، ويحولوا الدمار إلى حالة إعمار جامعة وينشئوا شواطئ سياحية مذهلة ومبهرة لتعود غزة جميلة كما كانت يفتخر بها كل فلسطيني حر أينما كان، وحينئذٍ ستضخ الدول المانحة أموالها مباشرة إلى قطاع غزة لتساهم بإعماره من جديد، وستبدأ حالة استثمار واسعة ستساهم سواعد أبنائه في إعادة بنائه وإعادة إنعاشه من جديد، حينها سيعيش من يحاصرهم ومن يعمل على قتل أحلامهم وآمالهم ومن تسبب طوال السنوات الماضية في تعميق أوجاعهم وآلامهم، حسرة تصاحبه حتى نهايته المحتومة التي باتت قريبة للغاية!.

إن قطاع غزة يا ناصر ليس متسولاً ولا معاقاً ولا أبنائه لقطاء أو معوقين، لا بل إن أخلاقهم ومبادئهم الوطنية هي التي هزمتهم وجعلتهم يتحملون المر لصالح راحة اشقائهم وأبناء جلدتهم وذلك بدون ذنب ، ولكنهم الآن وهم يسيرون في طريق توحيد جهودهم وتجاوز خلافاتهم والارتقاء بعلاقاتهم بعد فهم الحقيقة المرة التي كانت تهدف لإذلالهم وجعلهم عبيداً لغيرهم، يثبتون بدون أدنى شك بأنهم قد تعلموا الدرس جيداً ، وعرفوا بأن السيف الحاد الذي ذبح أحلامهم وآمالهم في هذه السنوات العجاف التي سرقت أعمارهم، لم يكن سيف الاحتلال فقط ، بل كان سيف الشقيق المجرم  الذي كان مشرداً وعاد إلى حضن الوطن ليدمر العلاقة ما بين أبنائه ويفسدها على أسس جغرافية عقيمة ومشبوهة ، وليس ليأخذ بيدهم،  لا بل ليمارس كل أحقاده الشريرة ضدهم ليعيشوا هم الحرمان والضياع والحصار بدون ذنب، ويعيش هو برخاء وازدهار بعد أن حول المشروع الوطني إلى مشروع استثماري، وهنا لا أريد الدخول بتفاصيل حول ذلك لأنها ستكون مؤلمة وجارحة وصادمة ولربما القاضية! .

إن قطاع غزة يا ناصر، بانفتاحه على جمهورية مصر العربية الشقيقة بكل مكوناتها وأجهزتها الأمنية والسيادية هو أكثر رحمة وحفظاً للكرامة من البقاء فريسة الذل نتيجة سلوك مريض لمنظومة ذاتية وحاقدة لا تميز بين واجباتها وما عليها من التزامات، وبين رغباتها المجنونة بالسلطة والنفوذ والتبعية من خلال إذلال أبنائه بكل همجية وبكل ما أوتيت من قوة، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح مائة بالمائة، خاصة أنها مبنية على تبادل المصالح ، وستؤسس لحالة أمنية مستقرة تنتفع منها جميع الأطراف ولنهضة تنموية شاملة في قطاع غزة وفي المنطقة المحيطة ومنها سيناء وما سيكون لذلك من إنعكاسات إيجابية بالغة الأهمية على عملية السلام وفكرة التعايش بين شعوب المنطقة، وستكشف عورات الفريق الذي اعتبر أن الوطن حالة استثمارية لابد من الاستحواذ عليها، الفريق الذي اختار هذا الطريق ورسم النهاية المنتظرة لهذه المرحلة القذرة المريرة بكل ما سيترتب عليها، وعليه أن يتحمل حصاد ما زرعت ايديه خاصة أن الضفة الفلسطينية باتت مليئة بالسلاح الفردي، والواقع يقول بأن المستقبل لهؤلاء ممن يسيطرون عليها، بات غامضاً ولربما الصراع بينهم سيكون دموياً خاصة أن جميعهم يعلمون بأن انعقاد المجلس الوطني هو الورقة الأخيرة التي تبقت في أيديهم حسب ما يُملى عليهم!.

 هذه هي الحقيقة يا ناصر،لا حصار غزة ولا تجويع أطفالها ولا حرمان مرضاها سيُرَكِع أبنائه،  وغزة لن تبقى أسيرة لأخلاقها لكي تحمي شقيق مجرم، من الانتحار، وهو من أراد أن يذبحها ، إن لم يقم أهل الضفة الفلسطينية  البواسل والأحرار وماجداتها العفيفات لحمايتها بأنفسهم منه ومن فريقه قبل فوات الأوان وضياعها!.

تنويه : يبدو لي بأن ناصر اللحام سيأتي إلينا قريباً بخبرٍ أخر،  مفاده أن العمل الدبلوماسي الفلسطيني في كاركاس على سبيل المثال كونها العاصمة التي بات يهواها قلبه، سيمثل يوماً ما مفتاح الحل السحري للقضية الفلسطينية برمتها إن بقي الحال على ما هو عليه وسوق التظليل والتدليس مفتوح على مصراعيه وهذا الأمر لم يعد كثير من الوقت أمامه مضموناً !