الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
'تآلُـُـف الأجيـــال '....عبد الهادي شلا
'تآلُـُـف الأجيـــال '....عبد الهادي شلا

 في وقت ما من الزمن تلتقي ثلاثة أجيال أواربعة تعيش معا كل له عالمه الخاص الذي لا يخلو من تأثير أحدهما على الأخر في مواقف كثيرة،ولكنها تبقى في انسجام في أكثر الحالات وتتنافر وتتضارب مع بعضها في حالات أكثر.

هذه الأجيال الثلاثة أوالأربعة فيها الجـَد والأب والإبن والحفيد،ولا يختلف إثنان على أن الحياة قد تتبدل ملامحها وأدواتها عبر هذه الأجيال الأربعة إلا أن كل جيل يترك أثرا فيما يليه مهما حاول هذا الجيل أن يتجاوزه أو أن ينفيه.

حركة الحياة في جوهرها لا يمكنها أن تقفز كما تشاء دون أن يعلق فيها رواسب الماضي الذي تراكم عبر الأجيال وهذا الموروث له صور وأشكال وأدوات لها نصيب من هذه الحركة اليومية من التطور والتوسع في الاستخدام في وقت تنمو قدرة الأجيال على الإبتكار والإستيعاب الأوسع خاصة إذا ما توفر المناخ المناسب لحرية هذه القدرات ولاقت التشجيع من الأجيال التي أرست قواعد في التجربة الحياتية.

بلادنا العربية ليست بعيدة عن هذا التطور إلا في الفترة الطويلة التي كانت فيها تحت نير المستعمر حيث الجهل والفقر العاملان المؤثران في صنع هذه الحالة من التخلف عن ركب التطور الذي كانت عليه شعوب أخرى حققت من تواصلها مع الحضارات ما نفعها وأضاف الكثير على كل المستويات الفكرية والثقافية والصناعية ،والقوة ..التي كانت منذ الأزل الأكثر تأثيرا في تغيير مجريات الحياة .

لعل ما كان يظنه الأجداد اكتشاف أو اختراع انتفعوا به قد أصبح فيما بعد شيء عادي لا يثير اهتمام جيل الأبناء أو الأحفاد الذين تفتحت عيونهم على الأزرار الألكترونية وأجهزتها العجيبة.

 إلا أننا لا يمكن وتحت تأثير الأنبهار بالجديد أن ننكر أن ما تم اكتشافه أو إختراعه في زمن ماض كان الشعلة التي أضاءت الطريق أمام الجديد المبهر الذي لم يكن يتصوره عقل إلى زمن قريب.

كان الهاتف على سبيل المثال في زمنه الأول أعجوبة لا يملكها إلا طبقة بعينها في المجتمع ذلك أن بساطة الحياة ويسر التواصل المتوافق معها كان يكفي بدون هذا الجهاز.

اليوم في جيل الأبناء والأحفاد فهو من الضروريات التي تحتاجها تعقيدات الحياة وتشعبها وتداخلها مما استوجب أن يمتلك نسبة كبيرة من الجيل الحالي بصغيرة وكبيرة هذا الجهاز المتوفر بحجم ساعة اليد،ولا ينكره أي من جيل معاصريه بل تعاملوا معه بيسر وهذا يدل على أن هناك توافق بين الأجيال في حالات لا يمكن تجاوزها حين تكون من مستلزمات الجيل ولا يمكن الحيلولة دونها .

ما كان يظنه البعض من المعيبات أو المكروهات تعامل معه الجيل الأخر على أنه من الأمور الطبيعية التي لا تستوجب نكرانها، ووضعوا لها التبرير المنطقي وازاحوا الستار عن ما ينفع الحياة ويدحر معطلاتها.

لوقت قريب كان الشاب يحرص على أن يبدو في كامل أناقته لا يرتدي قميصا أو بنطالا فيه تمزق صغير ولا يقبل أن يتم حياكته،فأصبحنا اليوم نرى أن البنطال أو القميص الممزق يباع بسعرعال جدا و تتنافس الشركات العالمية على وضع شعارها عليه.

تواصل الأجيال ليس صراعا بقدر ما هو إمتدادا لتجربة بدأت من هناك حتى وصلت إلى هنا جرى عليها الكثير من التعديلات والإضافات التي لا يمكن نكرانها وهذا يعود إلى قدرة العقل البشري على التطور والسمو والتفكر فيما يجري حوله مثلما حدث مع أرشميدس ونيوتن وغيرهما من العلماء الذين تركوا للإنسانية ميراثا علميا عظيما مازالت تنهل منه وتبني عليه.

لن يتوقف تبادل الأدوار بين الأجيال مادامت الحياة قائمة،وسيبقى التطور قائما مادام الإنسان في حاجة لما يعينه على التغلب على الحياة وضرورياتها.