الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مازال حدثاً....حمادة فراعنة
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مازال حدثاً....حمادة فراعنة
مهما تفوق العدو :
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مازال حدثاً
 والإنقسام هو العنوان الأبرز
حمادة فراعنة

انفجر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتواصل طوال عشرات السنين ولا يزال، بين المشروعين : المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، على مفردتين هما : الأرض والبشر، فعمل الصهاينة على احتلال كل فلسطين، وطرد كل شعبها، وقد نجحوا في تحقيق أهداف المفردة الأولى المتمثلة باحتلال كل الأرض الفلسطينية نظراً لامتلاك مشروعهم لعوامل القوة الثلاثة وهي : 1- تفوقه الذاتي سياسياً واقتصاديا وعسكرياً وتكنولوجياً واستخبارياً، و2- دعم وإسناد الطوائف اليهودية المتنفذة في العالم، و3- تبني البلدان الأوروبية ومن ثم الولايات المتحدة للمشروع الصهيوني وتغطية احتياجاته وحمايته .

ولكنهم فشلوا في تحقيق الهدف الثاني، وأخفقوا في طرد كل الشعب الفلسطيني عن أرض وطنه الذي لا وطن له سواه، رغم مرور سبعين سنة على الاحتلال الأول عام 1948، وخمسين سنة على الاحتلال الثاني عام 1967، ومرور سنوات طويلة من العمل الإسرائيلي المنهجي المنظم المتواصل بجعل الأرض الفلسطينية طاردة لأهلها، ومع ذلك بقي نصف الشعب الفلسطيني على أرض وطنه، أكثر من ستة ملايين عربي فلسطيني لا خيار لهم سوى البقاء والصمود والنضال على الأرض وداخل الوطن، ولأجله .

لقد حققت الحركة الصهيونية برنامجها، ونجحت في إنجاز مهمتها وإقامة مشروعها الاستعماري المتفوق على أرض فلسطين بفعل ثلاثة عوامل أولها : مبادراتها السياسية بدءاً من المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، مروراً بكل محطاتها التراكمية التي فعلتها، وثانيها تضامن وإسناد القوى العظمى لها على خلفية المصالح الاستعمارية المتماثلة بين الحركة الصهيونية والاستعمار الأوروبي، وثالثها بسبب التعاطف الدولي مع معاناة اليهود وما واجهوه من ظلم وعسف ومطاردة على يد النازيين، ولكن بصرف النظر عن الدوافع التي جعلت من الحركة الصهيونية تهتم بفلسطين وأسبابها سواء كانت استعماريه، أو هروباً من الاضطهاد الأوروبي، فالحصيلة هي : قيام المشروع الاستعماري التوسعي الصهيوني، على أرض الشعب الفلسطيني، ومعاناته متعددة الأشكال والمواقع، وتمزيقه وتبديد هويته، وتشريد نصفه خارج وطنه من اللاجئين والنازحين وهما يعادلان نصف سكانه، بينما بقي النصف الأخر في منطقتي الاحتلال الأولى عام 1948، والثانية عام 1967، وقد تمزق جغرافياً وهوية وسياسة بين مكونات وكيانات ومناطق 48 الذين حملوا الجنسية الإسرائيلية، ومناطق 67 الضفة والقدس الذين حملوا الجنسية الأردنية، وقطاع غزة الذين أتبعوا للإدارة المصرية .

من هذه الخلفية القاسية الصعبة المدمرة تشكل الوعي السياسي الفلسطيني الموزع برنامجاً وتحزباً وانتماء إلى ثلاثة تيارات هي :

 1- التيار الإسلامي الذي كان يرى أن الخيار الإسلامي والخلافة هو الحل لدى الإخوان المسلمين وحزب التحرير .

2 - التيار القومي بين حركة القوميين العرب وحزب البعث العربي الاشتراكي الذي راهن على قيام الوحدة العربية وتحقيقها .

   3 - التيار اليساري بين الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة، والحزب الشيوعي الأردني في الضفة الفلسطينية، والحزب الشيوعي الإسرائيلي لأبناء مناطق 48، وكانت التباينات العقائدية قوية بين أحزاب التيارات الثلاثة التي لم تكن تهتم بشكل مباشر بالهوية الوطنية للفلسطينيين وأولويات نضالهم .

ورداً على ذلك تشكلت نويات فلسطينية متواضعة توزعت ما بين حركة فتح برئاسة ياسر عرفات وجبهة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد جبريل، وغيرهما من المحاولات المتواضعة البسيطة، منها أبطال العودة وشباب الثأر، ولكن ولادة منظمة التحرير بمبادرة من عبد الناصر والقمة العربية عام 1964، واحتلال عام 1967، وهزيمة النظام العربي أمام العدو الإسرائيلي، دفع نحو الاتجاه الفلسطيني، وتعزز بفعل نتائج معركة الكرامة في أذار 1968، التي شكلت محطة نوعية فارقة بين عهدين، عهد ما قبل الثورة وما بعدها، حيث تدفق أبناء المخيمات، لدى البلدان المجاورة لفلسطين، وأبناء العاملين في بلدان الشتات والمهاجر، للانخراط بصفوف فصائل منظمة التحرير، والعمل من خلال الخيار الكفاحي، والعمل المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي ومواجهته، حتى الخروج من بيروت عام 1982 كمحطة انتقالية دفعت قيادة الشعب الفلسطيني لتوجيه اهتماماتها نحو العمل داخل الوطن، رداً على حالة التشتت التي واجهت الفصائل الفلسطينية، وقد أثمرت تلك السياسة والانقلاب في الأولويات نحو الوطن، بالانفجار الشعبي عام 1987 في الضفة والقطاع ، والانتفاضة الجماعية ضد الاحتلال .

وتلك كانت المحطة الكفاحية الاولى الحقيقية داخل الوطن، لا من خارجه، فقد وضع الفلسطينيون عقلهم في رأسهم وباتوا يعملون على أرضهم، وأدركوا قيمة حالهم، بعد أن توفرت لهم قيادة متمكنة وحدوية جبهوية بقيادة الراحل ياسر عرفات، هزموا التفوق الإسرائيلي وأرغموا اسحاق رابين عام 1993 على احترام إرادة الفلسطينيين، وأنهم شعب له تطلعات وحقوق يجب تلبيتها على أرض وطنهم، وكانت النتيجة أن دفع رابين حياته ثمناً لاستجابته لبعض الحقوق الفلسطينية، فتم اغتياله وتصفيته؛ لإنه وفق الوصف الاسرائيلي «خان اسرائيل وتنازل عن أرضها للعدو الفلسطيني «.

ولم تكن الانتفاضة الاولى وإنجازاتها، فريدة، وإن كانت سابقة، فقد تلتها الانتفاضة الثانية عام 2000، التي ارغمت شارون عام 2005 على الرحيل عن قطاع غزة بعد فكفكة المستوطنات وازالة قواعد جيش الاحتلال.

وها هي انتفاضة القدس الإنتفاضة الثالثة 13 – 28 تموز، ترغم نتنياهو على فكفكة البوابات الالكترونية، والكاميرات الذكية، وازالة معيقات التدفق الى ساحة الحرم القدسي الشريف، التي تحولت الى عنوان وقضية ورسالة : هل هو مكان مقدس للمسلمين، وللمسلمين وحدهم، أم مجرد أثار يتحكم بها مالك القوة والبطش والاستيطان الزاحف وصاحب عقلية تغيير العالم والسكان لتحويل فلسطين إلى إسرائيل بالقوة للأجانب القادمين وللمستعمرين والمستثمرين وفارضي ايديولوجيتهم على شعب أخر ؟؟ .

 صديقة الشعب العربي الفلسطيني الصحفية الاسرائيلية عميرة هاس، تعيش معهم، وتكتب عنهم، وتتبنى قضاياهم، وتدافع عنها، كأنها واحدة منهم، تفضح الاحتلال، تُعريه، بشجاعة وبلا تردد، وتدفع الثمن، مثلها في ذلك مثل زميلها جدعون ليفي المنحاز مثلها حتى نخاع العظم للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة الى الحد أنه يتلقى التهديدات الجدية، من المستوطنين واليمين الاسرائيلي العنصري المتطرف، ما دفع الامن الاسرائيلي لوضع الحماية الشرطية له، ولكنه رفض ذلك مبدئياً .

 عميرة هاس، كتبت تقول إن بعض الفلسطينيين يختبئون خلف مقولة إن اسرائيل قوية وعنصرية ومتعصبة ويجب أن تتغير، فترد على أصحاب هذه الرؤية وتسأل : وهل يوجد مصلحة لإسرائيل أن تتغير؟؟ الجواب بالقطع لا؛ لأن الاسرائيليين لا مصلحة لهم في تغيير الوضع السائد، بل العكس لهم مصلحة باستمراريته والحفاظ عليه، وهم يعملون على تعميقه وجعله دائما كي يبقى المشروع الاستعماري الاسرائيلي، متفوقاً قوياً قابلاً للحياة والتوسع في الوقت نفسه، وفي ضوء هذا الاستخلاص، توصلت عميرة هاس الى قناعة جوهرية مفادها : « على الفلسطينيين أن يتغيروا، حتى يمتلكوا إرادة تغيير الواقع المر المفروض عليهم «، في النقب كما هو في الجليل، وفي الضفة كما هو في القدس، لا فرق فحكومة نتنياهو وأحزابها الائتلافية يتعاملون مع الفلسطينيين كطرف متماثل لا فرق بينهما سوى في الدرجة وفي شكل التعاطي ولكن الجوهر واحد، هذا فلسطيني وذاك ايضا، هدم العراقيب في النقب، كما هو هدم بيوت البدو والفلاحين في الغور وحواف جبال القدس وبيت لحم ونابلس، فالأرض لمن يملك القوة في التحكم فيها، وليس لمن عاش فيها لمئات السنين، قبل أن يجيء المستوطنون الاجانب الى فلسطين مع بداية القرن الماضي .

تضحيات غير مثمرة

عشر سنوات من الانقسام، أعطت نتائج وخيمة على حياة الشعب الفلسطيني، القدس على طريق التهويد الجدي المتواصل بهدم بيوت الفلسطينيين والاستيلاء عليها، إلى تمزيق الضفة بالمستوطنات والشوارع الالتفافية، إلى أسرلة الغور ومنع تطويره إلا للمستوطنين، وقطاع غزة يُعاني من الحصار والجوع وفقدان الأمل، وعلى المستوى الدولي والدبلوماسي، ومنذ أن رفع المفاوضون الفلسطينيون شعار « فشل المفاوضات وتغيير قواعد اللعبة « وهم يملكون نصف خطوة، يتقدمون نحو المؤسسات الدولية ويحققون نظرياً مواقف وسياسات وتأييد ويتراجعون خطوات تحت ضغوط سياسية ومالية عربية وأجنبية تمليها حاجتهم للمساعدات المالية، وتغطية الرواتب الشهرية، من الأميركيين ومن غيرهم، ومع ذلك ورغم العوامل العربية والدولية غير المساندة، وهي ليست جديدة، على حياة الفلسطينيين وتأثيرها عليهم، فقد نهض الفلسطينييون من العدم وأعادوا الإعتبار لأنفسهم، منذ بدايات الستينيات والسبعينيات ولازالوا، فالعوامل الخارجية إما مساندة أو محبطة ولكنها ليست العامل الأهم، والأهم هو العامل الذاتي الفلسطيني، فهو صاحب المبادرة، وهو الذي فرض نفسه مع نضالات الشعب وتضحياته ووحدة إرادته ومؤسساته، وهنا مربط الفرس، فالعامل الذاتي هو كرة الثلج المتدحرجة، التي تكبر كلما تعرضت للتحرك والتداول، وكلما بادر الممسكون بها تقوت وتمتد لتصبح لها التأثير والفعالية، لأن الفلسطينيين ليسوا فاقدي القدرة على الفعل، فهم يملكون عوامل قوة إذا توظفت بفعل القيادة المحنكة المؤهلة القادرة على الخلق والإبداع والتنوع الفعلي على الأرض، وفق المعطيات المتاحة .

محطات كفاحية..ثورة السكاكين

لقد إنفجر العمل الفردي المتفاني ضد الإحتلال في مدينة القدس، منذ شهر تشرين أول 2015، من خلال عمليات فردية شجاعة أطلق عليها « ثورة السكاكين « بإعتباره السلاح المستعمل ضد الجنود والشرطة وأفراد المستوطنين، وقد تميزت بعاملين : أولهما مشاركة شبابية من الشباب والشابات، بشكل ملحوظ، وغير مسبوق بهذا الزحم التشاركي من المبادرات النسائية حتى غدت ملفتة للإنتباه، وغدت المرأة الفلسطينية موضع شبهة بالأسواق والأماكن العامة بسبب تكرار هجمات نسائية بأدوات حادة، وثانيهما أن ظاهرة السكاكين شملت منطقتي 67 و 48، ومع أن سلوكها ودوافعها ذاتية شخصية أملاها الإحساس بالظلم والقهر ودوافعها قوية ولكنها فشلت في إيجاد حاضنة لها من قبل فتح وحماس تعددت أسبابها ولكنها بقيت ظاهرة استعمال السكاكين، ظاهرة بائنة بلا نتائج محركة للوضع السياسي، أو الجماهيري أو التشاركي، وبقيت ظواهر فردية باسلة بلا ظهير تنظيمي يتبناها وإن مجدها البعض خجلاً من التقصير، وأصبحت مؤذية أكثر من قدرتها على التأثير الإيجابي .

إضراب الأسرى

كما جاء إضراب الأسرى يوم 17/4/2017، ليقدم شهادة إضافية واستعداداً عالياً لمواجهة مأزق التفوق الإسرائيلي، وانسداد الأفق السياسي للفلسطينيين، والانقسام الذي وقعوا فيه، لعل الإضراب عن الطعام، ومبادرة الأسرى في محاولة تحريك الوضع الجامد، ولكنها لم تجد الاستجابة المطلوبة، لا من فتح ولا من حماس، وبقي قادة الأسرى في إضرابهم لأكثر من أربعين يوماً حتى 27/5/2017، حينما اضطروا لفك الإضراب بعد تحقيق بعض المطالب المعيشية مهما بدت كبيرة أو مهمة للبعض أو متواضعة للبعض الأخر، ولكن مبادرة الإضراب فشلت في توظيفه سياسياً، كما أراد قائده والمبادر له النائب الأسير مروان البرغوثي تحت شعار « 1 – إنهاء الانقسام، و 2 – إنجاز الوحدة، و 3- العصيان المدني الشامل « وفق بيانه وما صدر عنه، وهكذا تم إحباط الإضراب .

إنتفاضة القدس

توجت إنتفاضة القدس العمل الجماهيري الوحدوي، وقدمت نموذجاً للعمل المتفاني والإندماج بالقضية من قبل كل شرائح المجتمع في القدس، وأعادت أجواء الإنتفاضة الأولى والتضامن الجماعي، والشراكة الإجتماعية، كل من طرفه يُقدم ما يستطيع، وهكذا حققوا ما كانوا يتمنون وإن كان بعضهم لم يكن يتوقع هذا الإنجاز بتراجع نتنياهو وفكفكة البوابات الإلكترونية والكاميرات الذكية والتفتيشات الاستفزازية لرواد الحرم القدسي الشريف، وها هو نتنياهو بعد مرور الشهر 28/8/2017، يسعى لسلب الفلسطينيين إنجازهم عبر فتح بوابات الحرم للمستوطنين وقادة الأحزاب والنواب والوزراء للتخفيف من أثر الهزيمة التي تعرض لها على يد المقدسيين .

والحصيلة إلى الأن، لا ثورة السكاكين، ولا إضراب الأسرى، ولا إنتفاضة القدس، حققت الغرض المركزي المطلوب وهو تفعيل الشارع، وتوحيد الحركة السياسية ومؤسساتها، فالإنقسام مازال قائماً، والعدو مازال متفوقاً، والفلسطينيون لدى طرفي الانقسام كل منهما يُقدم خدماته المجانية للعدو، عبر بقاء الانقسام والتفرد والأحادية والأنانية التنظيمية البغيضة من فتح قبل حماس، ومن حماس قبل باقي الفصائل، ولا أحد بريء من تبعات ما يجري، فالكل في الفلقة، وسيبقى حتى تتوفر عوامل النهوض وأولها الوحدة، والوحدة، ومن ثم الوحدة لصفوف الفلسطينيين، فصائلهم وشخصياتهم ونقاباتهم وفعالياتهم في إطار برنامج سياسي مشترك، ومؤسسة تمثيلية موحدة، وأدوات كفاحية متفق عليها .

 [email protected]

* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية